دخل قانون محاربة العنف ضد النساء، الذي يروم الحد من ظاهرة التحرش والاعتداءات الجنسية المستفحلة بالبلاد، حيز التنفيذ في المغرب حديثًا، غير أن هذا القانون يتضمن بنودًا غريبة من شأنها أن تمس حرية التعبير والصحافة، مما يثير مخاوف الوسط الإعلامي وناشطي صحافة المواطنة.
حسب قانون مغربي لمناهضة التحرش، فقد أصبح نشر صور أو أقوال لأشخاص دون الحصول على موافقتهم، حتى لو كانوا شخصيات عامة، جريمة يعاقب عليها بالسجن والغرامة
وتنص مقتضيات الفصل 2-447 المتضمنة في قانون محاربة العنف ضد النساء، على معاقبة كل من قام من خلال أي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته، بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، وغرامة مالية تبدأ من ألفين إلى 20 ألف درهم، أما في حال تكرار الفعل، أو في حالة تعلق الأمر بأحد المقربين فإن العقوبة ترتفع من سنة واحدة إلى خمس سنوات، وغرامة من 5،000 إلى 50 ألف درهم.
وحسب القانون، فقد أصبح نشر صور أو أقوال لأشخاص دون الحصول على موافقتهم، حتى لو كانوا شخصيات عامة، جريمة يعاقب عليها بالسجن والغرامة.
وفي وقت تزداد فيه الحاجة إلى حماية الحياة الخاصة للأشخاص وصيانة خصوصيات الناس من التشهير، أصبح مثل هذا الفصل القانوني مرغوبًا، إلا أن مراقبين يرون أن مقتضياته فُصّلت بالمقاس خصيصًا لضرب فاضحي الفساد وحماية المسؤولين من النقد. وعزز عدم استثناء الشخصيات العامة، الشك في أهداف هذا القانون، والذين هم محل نقد وتقصٍ ومتابعة إعلامية، بحكم مسؤولياتهم وإشرافهم على الشأن العام، كما هي الحال في معظم بقاع العالم.
اقرأ/ي أيضًا: "خليه يريب" مستمرة.. 5 حقائق كشفتها حملة المقاطعة في المغرب
وفي هذا الصدد، صرّح رئيس منظمة حريات التعبير والإعلام "حاتم"، محمد العوني، لموقع هسبريس: "إن المشكل هو أن القوانين في المغرب تُشرّع على المقاس، ويتم تطبيقها حسب الحالات، وهذا سلبي جدًا"، مضيفًا أن "تطبيق القانون في المغرب يخضع للتأويل حسب وجه المشتبه فيه".
وتعرض العديد من فاضحي الفساد في المغرب للمتابعة القضائية، من أشهرهم مفجر "فضيحة الزفت"، الذي لم يحتج سوى إلى هاتف مجهز بكاميرا، وحساب على "فيسبوك" و"يوتيوب"، ليظهر للرأي العام، صوتًا وصورة، طريقة مغشوشة للتعبيد بمنطقة آسفي رغم أنها مشيدة حديثا. وعوض القبض على المسؤولين عن هذه الفضيحة، تم اعتقال الشاب فاضح الفساد وزُجّ به في السجن بتهمة القذف، قبل أن يتم إطلاق سراحه فيما بعد تحت ضغط الرأي العام.
وبدأت مواقع التواصل الاجتماعي، في السنوات الأخيرة، تلعب دورًا بارزًا في نقد السلطة وتحريك الساحة السياسية، من خلال الفيديوهات والمنشورات المختلفة التي تُبث على مواقع مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، حيث لا يتردد الناشطون على هذه الشبكات الاجتماعية في مهاجمة السياسات الحكومية والسخرية من المسؤولين وفضح الفاسدين.
بعد القانون الجديد سيكون من الصعب على الصحافيين ورواد الإنترنت انتقاد المسؤولين أو السخرية منهم أو حتى الإشارة إلى المشتبه بهم في الفساد في المغرب
وقد بيّنت حملة المقاطعة، التي شهدها المغرب في الأسابيع القليلة الماضية، حجم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في بلورة الرأي العام المغربي، وتدويل حملة المقاطعة كقضية شعبية وطنية، لدرجة أن رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، اضطر إلى الاعتذار عن زلات وزرائه بشأن المقاطعة، كما اضطر البرلمان إلى إخراج تقرير حول "الاحتكار"، تبين فيه أن الشركات الكبرى للمحروقات حققت أرباحًا ريعية تعادل 17 مليار درهم (1.7 مليار دولار).
ويتخوف مراقبون من أنه وبعد تفعيل هذا القانون، سيكون من الصعب على الصحافيين ورواد الإنترنت انتقاد المسؤولين أو السخرية منهم أو حتى الإشارة إلى المشتبه بهم في الفساد، خوفًا من الوقوع تحت طائلة السجن والغرامة بتهمة "انتهاك الحياة الخاصة"، لتصبح صحافة المواطنة هي الأخرى مكبلة اليدين، بعد أن تم تقييد الصحافة الإلكترونية بقانون الصحافة والنشر.
هذا ما يجعل حقوقيين يدعون إلى تحييد القوانين المضيقة على الصحافة وحرية التعبير، ووضع برامج واضحة لحماية الشهود وفاضحي الفساد من المتابعات أو الاعتداءات، إذا ما أرادت البلاد المضي قدمًا، بعيدًا عن مستنقع الفساد الذي بات ينغص على المواطنين حياتهم.
اقرأ/ي أيضًا:
"سكرة المونديال".. ستار الحكومة المغربية لـ"قوننة" الريع السياسي