بعد إقرار الاتحاد الدولي لكرة القدم إقامة النسخة السابعة من كأس العالم في تشيلي عام 1962، وذلك في اجتماع عقد في لندن سنة 1956، اجتمع الفيفا مجدداً في روما عام 1960 من أجل تحديد الدولة المستضيفة للنسخة الثامنة من كأس العالم، والتي ستجري عام 1966. وهنا كان من الطبيعي أن يكون صاحب الشرف من قارّة أوروبا، فكانت المنافسة شرسة بين إنجلترا وألمانيا الغربية على ذلك، فالأخيرة هي آخر فريق من أوروبا حمل كأس العالم سنة 1954، بينما أملت إنجلترا أن تستضيف العرس الكروي كون جماهيرها تتنفّس كرة القدم، وهي تملك البنى التحتية اللازمة، كذلك تحوي أفضل وأكبر الملاعب بالعالم، إضافة إلى نيّتها الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس اتحادها الكروي، وهو أقدم اتحاد كروي على الإطلاق، إذ تم تأسيسه عام 1863. وفوق كل هذا رغبت إنجلترا أن تثبت للعالم أنها سيّدة كرة القدم، وبعد منافسة حامية استطاعت إنجلترا أن تجذب أصوات الناخبين إليها، إذ حظيت بشرف استضافة كأس العالم بفارق 7 أصوات فقط عن ألمانيا الغربية، بواقع 34 مقابل 27 صوتًا.
تقدّمت 74 دولة بطلبات إلى الفيفا من أجل خوض التصفيات، لكن ما لبث هذا العدد أن تقلّص إلى 51 دولة، حيث انسحبت أغلب دول أفريقيا وآسيا احتجاجًا على المقعد الوحيد الذي منحه الفيفا لقارّات آسيا وأفريقيا وأوقيانوسيا، والتي مثّلها في المونديال بعد هذه الانسحابات فريق كوريا الشمالية، وشهدت التصفيات تأهل كافّة الفرق المرشّحة للقب إضافة إلى غالبيّة الفرق القوّية، باستثناء وصيف النسخة الماضية فريق تشيكوسلوفاكيا وصاحب المركز الرابع يوغوسلافيا، إذ أُقصيا من التصفيات عبر البرتغال وفرنسا، وهذه المرّة الوحيدة التي يفشل بها وصيف المونديال وصاحب المركز الرابع بالتأهل لكأس العالم التالي.
شهدت البطولة التي كافحت إنجلترا من أجل الحصول على شرف استضافتها حدثًا استثنائيًّا كاد أن يتحوّل إلى كارثة، فعندما وصلت الكأس الذهبية إلى الأراضي الإنجليزية، تلقّى الاتحاد الإنجليزي طلبًا لعرض الكأس في معرض للطوابع البلديّة، وعندها وافق رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم والذي كان يرأسه الإنجليزي ستانلي روس على الطلب، ولكن بشروط، فينبغي نقل الكأس بوساطة شركة أمنيّة معروفة وأن توضع كأس جول ريميه بصندوق زجاجي مقفل، وأن يتم تأمينها بمبلغ 30 ألف جنيه استرليني، أي عشرة أضعاف قيمتها الحقيقية.
اقرأ/ي أيضًا: ولادة قيصرية لكأس العالم ونهاية مأساوية لكأس جول ريميه
ومع كل هذه الإجراءات الأمنية استطاع أحد اللصوص أن يتسلل، من الباب الخلفي للمعرض، وأن يسرق الكأس أثناء إقامة القدّاس في الطابق الأرضي، فهرب دون أن يترك أثرًا له، قبل أن تصف الشرطة شكله للعوام، فهو"في الثلاثين من عمره ذو شعر أسود ولديه علامة فارقة في الجهة اليمنى من وجهه"، وتسبب هذا الوصف في إرباك حركة النقل بالقطارات، حيث بات الجميع ينظر في أوجه الجميع، وانتشر الذعر في أنحاء البلاد.
رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم: حفظنا الكأس لسنوات، وأضاعها الإنجليز في يومين..
وبعد سرقة الكأس بأيام، تلقّى رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم رسالة من السارق الذي طالب بفدية مقابل تسليم الكأس، وهدد بتذويبها إن لم يتم الرد في موعد أقصاه الجمعة، فهي عنده مجرّد قطعة ذهبيّة لا قيمة لها. عندها أخطر رئيس اتحاد اللعبة الشرطة بالأمر، وتقمّص أحد ضبّاط الأخيرة شخصيّة نائب رئيس الاتحاد وأحضروا معهم الفدية من أجل تسليم المبلغ، وعندما شعر اللص بوجود الشرطة بالمكان المتفق عليه لاذ بالفرار قبل أن تنجح الشرطة بالقبض عليه، ولكن فوجئت الشرطة عندما علمت بعد الكثير من التحقيقات أن الشاب المقبوض عليه ما هو إلا وسيط، فحكمت عليه بالسجن لسنتين، وخلال محاكمته اعترف الشاب بحبّه لكرة القدم وقال "بغض النظر عن الحكم الذي سيصدر بحقّي، آمل أن تحرز إنجلترا كأس العالم".
اقرأ/ي أيضًا: قصة كأس العالم 1954.. المجر تكتسح خصومها
لم تنم الشرطة الإنجليزية إثر هذه الفضيحة، فباتت كأس العالم المفقودة قبل انطلاق البطولة بأشهر فقط حديث الصحافة العالمية، وصلت الأمور أن سخر رئيس الاتحاد البرازيلي جواو هافيلانغ من هذه الحادثة حين قال "حفظنا الكأس لسنوات، وأضاعها الإنجليز في يومين".
لكن الأقدار أنقذت شرف الإنجليز بأعجوبة، حيث كان ديفيد كوربيت يبحث عن كشك لإجراء مكالمة هاتفية ويصاحبه كلبه بيكلز، وعندما كان يسير قرب الحديقة بدأ الكلب بيكلز بالنباح وهرع نحو الشجرة، فما كان من ديفيد كوربيت إلّا أن انصاع لنباح الكلب وذهب ليرى ما وجد بيكلز، فوجد جسمًا ملفوفًا بورق جرائد، ولأن وزنه ليس بالخفيف اعتقد أنه قنبلة من مخلّفات الجيش الإيرلندي، فتركه لبرهة قبل أن يغلبه فضوله ويفتح أوراق الجرائد المربوطة بإحكام بوساطة خيط رفيع، يقول كوربيت "مزّقت قليلًا أسفلها فرأيت قرصًا، ثم مزّقت جزءًا أكبر فقرأت البرازيل، ألمانيا، أوروغواي، عدت إلى المنزل راكضًا وقلت لزوجتي: أعتقد بأنني عثرت على كأس العالم".
أصبح ديفيدد كوربيت وكلبه بيكلز من ألمع المشاهير في بريطانيا بعد إنقاذ الأخير لكأس العالم
ذهب ديفيد كوربيت إلى مركز الشرطة الذي نفى بالبداية أنها كأس العالم، ولكن رجال الشرطة جعلوا من ديفيد كوربيت المشتبه به الأول بالسرقة عندما تأكّدوا أنها الكأس عينها، وبعد أسابيع من التحقيق تمّت تبرأته وأصبح هو وكلبه بيكلز من ألمع المشاهير في ذاك العصر، فحصل على جائزة من الحكومة البريطانية هو وكلبه وميدالية شرف، إضافة إلى منحة مواد غذائية على مدى عام كامل، فبات الكلب وصاحبه من أكثر الناس – والحيوانات- شعبيّة في بريطانيا، كيف لا والكلب بيكلز هو من أنقذ سمعة الإنجليز التي تلطّخت قبل أشهر فقط من انطلاق البطولة!
باتت إنجلترا مستعدّة الآن لافتتاح أهم بطولة كرويّة على كوكب الأرض، في نسخة ستشهد العديد من المفاجآت التي ما زالت أصداؤها تُسمع حتى الآن، فكيف استقبلت مهد كرة القدم هذا العرس الكروي، وما هي أبرز مفاجآت الدور الأول؟
تابعونا في الجزء القادم..
اقرأ/ي أيضًا: