اتسمت النسخة العاشرة من كأس العالم 1974 بالعديد من الأحداث المتميّزة في الدور الأول، إضافة إلى تسجيل نتائج مبهرة لبعض الفرق في الدور الثاني الذي شهد تغييراً جذرياً في هذه البطولة من ناحية كيفية تحديد المتأهل للمباراة النهائية، حيث يتأهل من كل مجموعة في الدور الأول فريقان إلى دور المجموعات الثاني الذي يضم 8 فرق توزّعوا في مجموعتين، ويتأهّل بطل كل مجموعة إلى المباراة النهائيّة، تاركاً لصاحب المركز الثاني فرصة المنافسة على المركز الثالث في البطولة.
أصيب مدرب ألمانيا الغربية باكتئاب حاد بعد خسارة فريقه أمام ألمانيا الغربية، عندها منح الاتحاد الالماني قائد الفريق بيكنباور صلاحيات أكبر
وفي المجموعة الأولى التي ضمّت هولندا والبرازيل والأرجنتين وألمانيا الشرقية، استطاع فريق الطواحين تحقيق الانتصار في مبارياته كافّة، فضمن مكاناً مستحقّاً له في المباراة النهائيّة، وبات أول وآخر فريق يغلب عمالقة أمريكا اللاتينية الثلاثة في بطولة واحدة، وهم الأوروغواي والأرجنتين والبرازيل، واحتلّت البرازيل المركز الثاني وحجزت مكاناً لها في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع، وبذلك انتهت سطوة البرازيل على كرة القدم، هيمنةٌ استمرّت لـ20 عاماً رفع فيها لاعبو السامبا كأس العالم 3 مرّات من 4 مشاركات فقط، واحتفظوا فيها بكأس جول ريميه للأبد.
ضمّت المجموعة الثانية كلّاً من ألمانيا الغربيّة مستضيفة البطولة وبولندا بطلة أولمبياد ميونيخ 1972، إضافة إلى يوغوسلافيا والسويد، وتأهّلت بولندا لدور المجموعات الثاني من النهائيّات عقب تحقيقها الفوز في كلّ مبارياتها بمجموعتها، وهي الفريق الوحيد بالبطولة الذي استطاع أن يفعل ذلك، إذ غلبت إيطاليا والأرجنتين و هايتي وتصدّرت بانتصاراتها فرق المجموعة الرابعة، كذلك فعلت يوغوسلافيا عندما تعادلت مع اسكتلندا والبرازيل وسحقت زائير 9-0 فحازت على الصدارة بفارق الأهداف عن وصيفتها، بينما تأهّلت السويد بهذا الدور عقب تحقيقها المركز الثاني خلف هولندا في المجموعة الثالثة، وذلك بفضل تعادلين مع بلغاريا وهولندا وفوز مستحق على الأوروغواي 3-0.
كان تأهّل أصحاب الأرض لدور المجموعات الثاني يحوي الكثير من التناقضات، ففي المجموعة الأولى من الدور الأول حصد أصحاب الأرض فوزين على تشيلي وأستراليا، وبذلك ضمنوا مكاناً لهم في الدور الثاني، وكانت مباراة الجولة الثالثة مع ألمانيا الشرقية حاسمة لصدارة المجموعة ومعرفة الفريق الذي سيلعب في دور المجموعات الثاني بجانب هولندا والبرازيل والأرجنتين، والمباراة تبدو بين الشقيقين هامّة للغاية من الناحية المعنويّة، والفائز بها يحظى ببطولة بحدّ ذاتها، فهو اللقاء الأول الذي جمع الفريقين بعد انفصال البلدين عن بعضهما لأسباب سياسيّة متعلّقة بنتائج الحرب العالمية الثانية، والمفارقة تكمن في أن مصير الفريق الخاسر سيكون أفضل من الفائز بعد إدراك مسبق من الطرفين إلى أن المتصدّر سيخوض غمار الدور الثاني ضمن مجموعة الموت، فالعقل كان يطالب بالمركز الثاني في المجموعة، والقلب يسعى لتصدّرها، وهنا حققت ألمانيا الشرقية المفاجأة وغلبت أصحاب الأرض بهدف وحيد، وأصيبت ألمانيا الغربية بالخيبة، وعانى مدربها هيلموت شون من الاكتئاب الشديد، ما دعا الاتحاد الألماني لتقليص صلاحياته مؤقتاً لصالح قائد الفريق فرانز بيكنباور إلى أن تستقر حالته النفسية، فيما لعب فريق ألمانيا الشرقيّة في المجموعة الصعبة وخرج من البطولة محرزا المركز الثالث خلف هولندا والبرازيل، ومتقدّماً على الأرجنتين التي حلّت في المركز الأخير.
وفي الدور الثاني قدّمت ألمانيا الغربيّة أداءً أفضل بكثير مما فعلته في الدور الأول، فافتتحت مبارياتها بالفوز على يوغوسلافيا بهدفين لبرايتنر وغيرد مولر، في وقت تخطّت به بولندا السويد بهدف وحيد عبر الهدّاف غريغوري لاتو، وشهدت هذه المباراة تألّق الحارس البولندي الذي تصدّى لركلة جزاء.
تأخرّت مباراة بولندا وألمانيا الغربيّة 35 دقيقة بسبب الأمطار الغزيرة التي حوّلت الملعب إلى بركة طينيّة
وتقدّمت السويد على ألمانيا بهدف في نصف المباراة الأول خلال اللقاء الذي جمعهما بالدور الثاني، ولكنّ زملاء بيكنباور انتفضوا وأحرزوا 4 أهداف في الشوط الثاني مقابل هدف واحد للسويد، لينتهي السجال بفوز أصحاب الأرض 4-2، فيما تخطّت بولندا يوغوسلافيا 2-1 وضربت مع أصحاب الأرض موعداً هامّاً في الجولة الثالثة، فيكفي أصحاب الأرض التعادل لحجز البطاقة المؤهلة لملاقاة هولندا في المباراة النهائيّة، بينما تعني أي نتيجة غير الفوز للبولنديين ملاقاة البرازيل في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع.
على عكس ما جرى في النسخة السابقة من كأس العالم بالمكسيك 1970 حيث كانت الحرارة مرتفعة جدّاً في أغلب لقاءات البطولة، لا سيّما اللقاء الذي جمع بين إيطاليا وألمانيا وسُمي بـ ملحمة الآزتيكا الكروية، تأخرت صافرة مباراة بولندا وألمانيا الغربية الحاسمة 35 دقيقة بسبب الأمطار الغزيرة، حيث حاول رجال الإطفاء أن يسحبوا المياه من أرضيّة الملعب دون جدوى، ومع ذلك أطلق الحكم صافرة البداية رغم أرضيّة الملعب الطينية.
انطلقت المباراة بحذر شديد من الفريقين، لكن البولنديين بادروا في العديد من المرّات بمحاولات لكسر التعادل الذي يكفي خصومهم، وهنا برز الحارس الألماني العملاق سيب ماير الذي أنقذ مرماه من عدّة محاولات، ومع انطلاق الشوط الثاني سنحت لألمانيا الغربية ركلة جزاء أهدرها أولي هونيس، ما زاد من شجاعة البولنديين الذين أتوا إلى هذه المباراة وفي جعبتهم 5 انتصارات في النهائيات من 5 مباريات فقط، ولكن قبل النهاية بربع ساعة استطاع غيرد مولر أن يسجل هدف الفوز لأصحاب الأرض، ويعلن تأهل بلاده للمباراة النهائية، من جهته خاض الفريق البولندي الرائع مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع مع البرازيل، وكان له ما أراد عندما فاز بهدف لنجمه غريغوري لاتو الذي توّج هدّافاً للبطولة برصيد 7 أهداف، وبذلك حازت بولندا على برونزية النسخة العاشرة من كأس العالم، وباتت الفريق الوحيد في التاريخ الذي أذاق إيطاليا والبرازيل والأرجنتين الخسارة ببطولة واحدة.
ترقّب الجميع المواجهة الكبرى بين قطبي كرة القدم في العالم الجديد ألمانيا الغربية وهولندا، فالفريق الفائز سيكون وريثاً شرعيّاً للبرازيل في ملكيّة كرة القدم، كذلك سيحصل على الكأس المقدّمة لأول مرّة في تاريخها بالحلّة الجديدة، والتي أتت نتيجة إبداع الفنّان الإيطالي سيلفيو غازانيغا بعد حصول البرازيل على كأس جول ريميه، فمن سيظفر بالنسخة العاشرة من كأس العالم، وما هي أبرز محطّات وكواليس المباراة النهائيّة؟
تابعونا في الجزء القادم من قصّة كأس العالم 197.