يستمر في الفترة الأخيرة قمع العاملين في المجال الحقوقي والناشطين الأمميين في بعض الدول الآسيوية، خاصة من الحكومات والجهات الرسمية، وقد اعتقل عدد غير قليل من العاملين مع الأمم المتحدة في دول مثل الفلبين وكمبوديا وميانمار في الأشهر الماضية، ما يجعل الرد على هذه الانتهاكات ضرورة قصوى، على الأقل للحفاظ على هيبة المؤسسات الأممية. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة الغارديان البريطانية، تفاصيل عن القمع المنظم للحقوقيين في هذه الدول.
في شباط/ فبراير، صنف مئات المشاركين الفلبينيين في عملية السلام والناشطين في مجال البيئة والمدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم "إرهابيين" من قبل حكومتهم. ويعتبر أمن هؤلاء الأفراد المُدرجين على هذه القائمة على المحك، وفرّ بعضهم إلى خارج الفلبين.
أعلن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، أنه يريد صفع ناشطة حقوقية
وكانت فيكتوريا تاولي كوربوز، خبيرة الأمم المتحدة المستقلة المعنية بحقوق الشعوب الأصلانية، مُدرجة ضمن هذه القائمة. وجاء ذلك بعد التشهير قبل أشهر فقط بخبيرة الأمم المتحدة المستقلة، أغنيس كالامارد، التي تتعامل مع ممارسات الإعدام خارج نطاق القضاء. وأعلن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، أنه يريد صفعها، كما أعلن في وقت لاحق أنه يود إلقاء مسؤولي حقوق الإنسان الآخرين التابعين للأمم المتحدة إلى التماسيح. وتعرضت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الفلبين للتهديد بتصفير ميزانيتها كما تقبع رئيستها السابقة، السيناتور ليلى دي ليما، في المعتقل بسبب نشاطها.
وحتى لو كانت متطرفة، فإن مثل هذه التهديدات الكاسحة ضد المئات من ممثلي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والخبراء الأمميين المُصنفين على أنهم "إرهابيين" في الفلبين، تعد دلالة على الاتجاهات الإقليمية المثيرة للقلق.
إذا تمكنت الحكومات في المنطقة من استهداف المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان وهؤلاء المرتبطين بالأمم المتحدة بمنأى عن العقاب، فما هي الرسالة الموجهة إلى الآخرين الذين ينشطون على مستوى المجتمعات المحلية ممن لا يتمتعون بنفس الشهرة؟ من المرجح أن يُزيد ذلك من الخوف لدى هؤلاء الساعين للحصول على حماية الأمم المتحدة والجهات الأخرى الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان.
اقرأ/ي أيضًا: أشهر خمسة مواقف مثيرة لرئيس الفلبين
يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم للتهديد والاعتداء والإسكات. الرسالة واضحة إذًا، لن يتمتع أحد بالحصانة ولن يكون العديد من النشطاء عبر المنطقة قادرين على العمل بحرية ودون خوف من الانتقام.
قال الرئيس الفلبيني إنه يود إلقاء مسؤولي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة إلى التماسيح
في الفترة التي تسبق الانتخابات الوطنية لعام 2018 في كمبوديا، اتخذت الحكومة إجراءات صارمة ضد المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني. وفي شباط/ فبراير، استهدفت الحكومة علانية المدافعين عن حقوق الإنسان ومن بينهم مراقبو الانتخابات، وهي الجماعات التي راقبت الانتخابات البلدية عام 2017، والنشطاء في مجال الأراضي المتهمين بدعم "الثورة" المزعومة التي تحظى بدعم من الخارج للإطاحة بالحكومة.
وفي إطار ردة الفعل العنيفة ضد حقوق الإنسان في مختلف الزوايا، كان هناك عدد من الحالات التي تعرض خلالها الأفراد للمشاكل، إِذْ واجهوا الترهيب أو الانتقام، بعد تبادل معلومات مع الأمم المتحدة أو مشاركتهم في نشاط الأمم المتحدة.
ففي ميانمار، وردت تقارير عن أعمال انتقامية عنيفة قامت بها قوات تاتمادو، القوات المسلحة، ضد المدنيين الذين التقوا مع يانغي لي، الخبيرة الأممية المستقلة المعنية بميانمار، في أعقاب زيارتها إلى ولاية راخين. ويشمل ذلك أعمال القتل والضرب والاغتصاب. وتلقت لي معلومات موثوقة بأن قوات تاتمادو هاجمت قرية في راخين بعد يومين من زيارتها كإجراء ضد المجتمع، يستهدف هؤلاء الذين تحدثوا إليها أثناء زيارتها للقرية في عام 2017. وقامت قوات تاتمادو بجمع رجال القرية ونسائها معًا وأخضعتهم لسوء معاملة شديدة بالإضافة إلى الضرب والاعتداءات.
تعتبر الاتهامات الباطلة بالتحريض على الإرهاب من المبررات الشائعة التي نسمعها من الحكومات للدفاع عن استهداف شركاء الأمم المتحدة المهمين من المجتمع المدني. ولدينا حالات لا حصر لها من المدافعين المتهمين بالإرهاب، كما يوجه إليهم اللوم بالتعاون مع كيانات أجنبية، أو يُتهمون بالإضرار بسُمعة أو أمن الدولة.
التقيت مؤخرًا بمجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان من مختلف أنحاء جنوب شرق وجنوب آسيا للحديث بشأن تجاربهم، التي كانت في بعض الحالات أسوأ حالًا بسبب التحدث علنًا أو في حال تبادلوا المعلومات مع الأمم المتحدة. وكانت القصص المتعلقة بهذه الأعمال الانتقامية شائعة، وجرى اتهامهم بالتشهير وازدراء الدين والتضليل. كما أنهم مهددون ومستهدفون إلى حد كبير نتيجة لعملهم، إِذْ جرى بالفعل تصنيف البعض منهم على أنهم إرهابيون. وكانت هناك أيضًا اتهامات للنشطاء بأنهم مدمنو مخدرات أو مرضى عقليين.
أُطلِق على هؤلاء الذين يعملون من أجل الحرية الدينية بأنهم "معادون للإسلام"، وتعرضوا هم وأسرهم للتهديد أو التحرش بهم.
تشعر بعض الحكومات بالتهديد من أية معارضة. فهم يصفون المخاوف بشأن حقوق الإنسان بأنها "تدخل خارجي غير مشروع" في شؤونهم الداخلية، أو بأنها محاولة للإطاحة بالأنظمة، أو بأنها محاولة لفرض قيم "غربية" غريبة.
اقرأ/ي أيضًا: #Du30: انتصار الهاشتاغ في حملة دوتيرتي الانتخابيّة
يبدو أن معارضة مشروعات التنمية الاقتصادية والاستثمارية تستحث غضبًا خاصًا. فغالبًا ما تكون الأعمال التجارية الزراعية والصناعات الاستخراجية ومبادرات الطاقة واسعة النطاق، بما في ذلك تلك التي تنطوي على أراضي الشعوب الأصلانية، موضعًا لردة الفعل العنيفة.
أُطلِق على الذين يعملون من أجل الحرية الدينية بأنهم "معادون للإسلام"
كما يبدو أن النشطاء في مجال حقوق المرأة والمدافعين عن حقوق المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيًا مستهدفون بشكل خاص. وتعرض العديد منهم للطرد من قبل مجتمعاتهم أو وُصِفوا بأنهم غير أخلاقيين. ويعتبر العنف الجنسي جزء من ردة الفعل هذه، بما في ذلك تهديدات الاغتصاب.
ووصف هؤلاء الذين يعملون من أجل الحرية الدينية بأنهم "معادون للإسلام"، وجرى توجيه تهديدات إليهم وإلى أسرهم أو التحرش بهم. فعندما تتقاطع الدعوة من أجل التسامح الديني مع حقوق المرأة والحرية الجنسية، يمكن أن تكون المخاطر أكبر.
يواجه المجتمع المدني في المنطقة القيود المفروضة على التأشيرات، ومصادرة جوازات السفر، وحظر السفر، وتحقيقات الشرطة التعسفية والاعتقال. كما يجري إحباط تحركات النشطاء فضلًا عن تقييد تفاعلاتهم مع هؤلاء المتواجدين بالخارج. فهم يواجهون العواقب الإدارية والقانونية بسبب نشاطهم، خاصة من القوانين التي تُطبق بشكل انتقائي أو التدابير التي تقوض الشرعية القانونية أو القدرة على تلقي تمويل للبقاء على قيد الحياة.
وفي بعض الحالات الأكثر تطرفًا تكون العواقب المحتملة هي الاعتقال التعسفي، والحرمان من العلاج الطبي، وعمليات القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري.
فبرغم ما يواجهونه، تعتبر قوة وقدرة العديد من المدافعين الذين نتعامل معهم على المواجهة مثيرة للإعجاب والحماسة، ونحن مدينون لهم بدعم جهودهم. فهناك العديد من الدول التي لا يزال المجتمع المدني ينبض فيها بالحياة، ونعمل معهم عن كثب.
ينبغي على الحكومات التي تشعر بالقلق من أي معارضة أن تنظر إلى الأفكار الجديدة كفرصة من أجل الحوار. وفي الوقت ذاته، يجب أن تؤخذ انتهاكات الجهات الفاعلة غير الحكومية على محمل الجد تمامًا مثل الجهات الحكومية الفاعلة. ولا بد أن يظل المجتمع الدولي منتبهًا لهذه الاتجاهات المثيرة للقلق.
يصادف هذا العام الذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن المهم بالنسبة لمجتمع حقوق الإنسان برمته وأعضاء الأمم المتحدة بوجه عام، أن يتذكروا الظروف التي أدت إلى تطوير هذا الإعلان واعتماده بالإجماع. ويعتبر الإعلان أكثر الوثائق التي حظيت بالترجمة في العالم، إِذْ إنه متوافر بأكثر من 500 لغة، وهو ملائم للوقت الحاضر مثلما كان ملائمًا في اليوم الذي أُعلِن فيه.
إن حقيقة انخراط عدد متزايد من الحكومات (وجميعها يخضع للإعلان) في أعمال التخويف والأعمال الانتقامية ضد أفراد المجتمع المدني ممن تتمثل "جريمتهم" في التعاون مع الأمم المتحدة، ربما تزعج الكتاب الأصليين لهذه الوثيقة النبيلة في قبورهم.
إننا نأخذ هذه المزاعم على محمل الجد، ونتحدث بشأن حوادث انتقامية نفذتها الحكومات. يجب الإنصات إلى المجتمع المدني، لأجلنا جميعًا.
اقرأ/ي أيضًا: