24-مارس-2018

ترتبط كامبريدج أناليتيكا بتعاقدات مع شركات اللوبي الإماراتية في واشنطن (Getty)

يعيش عملاق شبكات التواصل الاجتماعي الأزرق، فيسبوك، أيامًا عصيبة حاليًا، بعدما تفجرت قضية ما بات يعرف إعلاميا "كامبريدج أناليتيكا"، الفضيحة التي كلفته مليارات الدولارات في سوق البورصة، ووضعته في مرمى أجهزة التحقيق الفيدرالية وصقور الكونغرس الأمريكي، فضلًا عن تخدش سمعته لدى جمهوره عالميًا فيما يخص ناحية "انتهاك الخصوصية".

كبدت فضيحة كامبريدج اناليتيكا شركة فيسبوك خسائر بالمليارات في سوق البورصة، عوضًا عن الإطاحة بسمعته

بدأت القصة عندما ظهرت تسريبات حديثة، تفيد أن موقع فيسبوك قام بتمرير بيانات ملايين المستخدمين، بما في ذلك تفاصيل 57 مليار رابط صداقة عبر فيسبوك، لكامبريدج أناليتيكا، وهي شركة بريطانية لتحليل البيانات الرقمية، تقول نيويورك تايمز، "إن كامبريدج أناليتيكا جمعت ليس فقط بيانات 270 ألف مستخدم الذين وافقوا على استخدام معلوماتهم في أغراض بحثية، ولكن أيضًا أصدقائهم"، وبالتالي فإنها قامت بجمع معلومات حول عشرات الملايين من الناس دون علمهم أو إذنهم، وهو ما يعد انتهاكا لقوانين الخصوصية.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة كامبريدج أناليتيكا.. فيسبوك يضحي بخصوصية 57 مليار صداقة

حصدت كامبريدج أناليتيكا بيانات حوالي 50 مليون مستخدم لفيسبوك سرًا، في إطار مشروع للتعرف على اتجاهات شخصيات الناس انطلاقًا من حساباتهم التواصلية على فيسبوك، تقول الوثائق المسربة إن شركة التحليلات استخدمت نتائج البيانات المجمعة لصالح حملة ترامب الرئاسية 2016، ولصالح شركة "Leave.EU"، لقاء ملايين الدولارات، في بلورة تكتيكات مدروسة من أجل التأثير على الناخبين.

وهو ما قاد عدد من المراقبين والصحف الدولية إلى القول بأن كامبريدج أناليتيكا لعبت دورًا مهمًا في فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية وفي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي/البريكست بشكل أو بآخر. لكن السؤال الذي يطرح هو إلى أي مدى حقًا تستطيع أناليتيكا التأثير على اتجاهات الناخبين فقط من خلال معرفة حساباتهم على الفيسبوك؟

عملت كامبريدج اناليتيكا على حصد البيانات الشخصية لعشرات الملايين من المستخدمين دون موافقتهم، وسعت إلى تطوير ملفات تعريف "صورة نفسية" لشخصياتهم، بغرض الوصول إلى فهم أعمق لشخصيات المستخدمين، ومن ثم القدرة على استخدام تلك المعلومات سواء لمطابقة الإعلانات مع الأشخاص الأكثر احتمالاً للرد عليها، أو بلورة تكتيكات للتأثير على المتصفحين وفق نوعية ميولهم.

إلا أنه من غير الواضح إلى أي مدى استخدمت الشركة هذا "الاستهداف النفسي" للتأثير على الناخبين إبان الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أو خلال استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أنه من غير الواضح حتى الآن مدى فعالية هذا النهج. ولنفك هذا اللغز قليلًا، علينا التوجه إلى أبحاث علم النفس والعلوم السياسية المعمولة في هذا الجانب.

في عام 2013، قام باحثون نفسيون، ميشال كوسينسكي، وديفيد ستيلويل، وثور كوربيل، وجميعهم باحثون في جامعة كامبردج في المملكة المتحدة في ذلك الوقت، بنشر ورقة بحثية في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، تبين أن الأشياء التي "نحبها" على فيسبوك يمكن استخدامها للتنبؤ بسمات شخصيتنا.

تمكن الباحثون بتنبؤ ناجح إلى حد كبير بسمات شخصية الأفراد المختبرين، فقط بناء على "إعجاباتهم" على الفيسبوك بمساعدة برنامج لجمع البيانات، حيث اكتشف الفريق توجهاتهم الجنسية، ومدى استقرارهم العاطفي، وكذا نوعية شخصياتهم "منفتحة، عصابية.." ومعلومات أخرى. "إن البرامج التي من خلالها يمكن جمع البيانات الشخصية على الفيسبوك تنمو بشكل أكثر تطورًا في قدرتها على تحليل المعلومات ومعرفة ما تعنيه" يقول ديفيد ستيلويل في تغريدة له، وهو مشارك في الورقة البحثية المنشورة سنة 2013.

الثابت أن إدارة  فيسبوك سمحت لكامبريدج أناليتيكا بالولوج لبيانات ملايين الحسابات واستخدامها بشكل غير مشروع لصالح من يدفع أكثر

وإذا كان بالفعل يمكن رسم صورة دقيقة إلى حد ما عن شخصياتنا بناء على آثارنها الرقمية، فمع ذلك، يبقى السؤال أن نرى كيف يمكن للحملات السياسية الاستفادة من هذه المعلومات للتأثير في الواقع على الناخبين؟

بما أن آثارنا الرقمية تترك انطباعات عن أنفسنا، فبإمكان الشركات الإعلانية التأثير على الناس وفق أهدافهم المحددة، وذلك بقصف المستخدمين برسائل إعلانية تساير اتجاهاتهم النفسية وميولاتهم، "فالشخص العصابي من المرجح أن يكون أكثر تأثراً بإعلان "يصور اقتحامًا لمنزل"، فيما الشخص المحافظ من المحتمل أن يستجيب بشكل أفضل لإعلان يتضمن "فخرًا بقيم العائلة" يقول الكسندر نيكس، الرئيس التنفيذي لشركة كامبريدج أناليتيكا، وهو يوضح كيفية التأثير في اتجاهات العملاء المحتملين.

اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك والسياسة القذرة.. خادم مطيع للأوامر الإسرائيلية والأمريكية

يشرح الباحث داس ماجازين الألماني على موقع "vice" بالتفصيل تكتيكات كامبريدج أناليتيكا المستخدمة، حيث قامت بنسخ الأساليب التي استخدمها كوسينسكي وزملاؤه الباحثون النفسيون للتعرف على شخصيات المستخدمين على الفيسبوك انطلاقا من "إعجاباتهم"، لتستغل الشركة بعد ذلك البيانات المجمعة لأغراض تجارية، في غفلة عن إدارة فيسبوك التي سمحت لها باقتحام خصوصيات مستخدمين واستعمال معلوماتهم دون موافقتهم.

ورغم ذلك يبقى التسليم بتأثير هذه البيانات في مجرى الحملات السياسية مشكوكًا فيه، إذ أن السلوك الانتخابي لا يشبه شراء قارورة مياه غازية، بل تتحكم فيه عناصر غاية في التعقيد والتجذر، مثل هويتنا الإيديولوجية وتاريخنا الشخصي وسياق البيئة التي نعيش فيها، بالإضافة لعوامل أخرى كثيرة.

"هناك أدلة مختلطة حول قدرة السمات الشخصية للتنبؤ بالأشخاص الأكثر احتمالية للتصويت باتجاه معين، ونفس الشيء حول مدى احتمال إقناع الناس بحزب معين ضد قناعاتهم فقط من خلال الإعلانات المبنية على سماتهم الشخصية" يقول جاي فان بافيل، المتخصص في علم النفس الاجتماعي في جامعة نيويورك.

بغض النظر عن مدى دقة التأثير السياسي الذي خلقته المتاجرة بخصوصية ملايين البشر، فإن فيسبوك وأناليتيكا قدما الربح من اطراف سياسية على خصوصية  المستخدم

في العام الماضي، قام باحثون في تجربة فريدة بإنجاز أشرطة فيديو خصيصًا لمحاولة إقناع الناس بأن يكونوا أقل تحيزًا ضد المسلمين، وبعد أن عرضوا ثمانية فيديوهات مختلفة على 2000 مشارك في الدراسة، وجد الفريق أن شريط واحد فقط من الثمانية هو الذي تمكن من التخفيف قليلًا من حدة اللوم شيئا ما.

هذا يقودنا إلى أن مجرد فهمك لشخصية شخص ما، لا يعني ذلك أنك ستكون قادرًا على تصميم إعلان مثالي يغير قناعاته السياسية والإيديولوجية الراسخة، إذ غالبًا ما تكون أفكارنا خاطئة حول ما نعتقد أنه سيجده الآخرون مقنعًا فيما يخص السياسة، وهو ما يجعل الصناعة الإعلانية فنًا أكثر من كونها علمًا. لتبقى القضية الأساسية، سواء يمكن لبيانات الخصوصية الإلكترونية التأثير على خيار الفرد أم لا، إلا أن  كامبريدج أناليتيكا ومن ورائها فيسبوك مارسوا التواطؤ بهدف الربح مع أطراف عدة، منها حملة دونالد ترامب، دون الاكتراث بغايات الزبائن من التحصل على البيانات.

وتجدر الإشارة إلى التحقيق السري للإذاعة الرابعة البريطانية الذي خرج بما مفاده أن الشركة المتخصصة في تحليل البيانات كامبردج أناليتيكا، المرتطبة بعلاقة عمل مع حملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابية، لديها جملة من التعاقدات مع شركات الضغط والتأثير التي تستأجرها لوبيات الإمارات في واشنطن للتأثير على الإدارة الأمريكية بشأن مشاريع السعودية والإمارات وإسرائيل في المنطقة العربية، ومن ضمنها ملف حصار قطر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يتجسس زوكربيرغ على هواتفنا ليعرف ما نريد؟ هذا رد فيسبوك

فيسبوك يدخل الحرب إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي