ألترا صوت - فريق التحرير
يسعى غسان الكحلوت في كتابه الصادر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" تحت عنوان "العمل الإنساني: الواقع والتحديات"، إلى تبيئة العمل الإنساني باعتباره حقلًا أكاديميًا جديدًا في العالم العربي، والمساهمة في توفير بيئة مهمتها تكوين باحثين عرب، وتوضيح الموضوعات المختلفة في هذا المجال لهم، بهدف تنمية كفاءاتهم وتطوير خبراتهم في إعداد بحوث في مجال العمل الإنساني ودراساته.
ينطلق كتاب "العمل الإنساني: الواقع والتحديات" من الحاجة إلى حوكمة العمل الإنساني، في ظل الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية التي تفرز مجتمعاتٍ بحاجة إلى المساعدة
وينطلق الكتاب من الحاجة إلى حوكمة العمل الإنساني، في ظل الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية التي تفرز مجتمعاتٍ بحاجة إلى المساعدة، كونها لا تستطيع مواجهة جميع هذه التحديات منفردة. ويفنّد المؤلف في الفصل الأول المعنون بـ"الكارثة، النزاع، الطوارئ المعقدة"، الخطوط الرئيسية في مجالات العمل الإنساني، قبل أن يستعرض المفاهيم الأساسية للنزاعات والصراعات بمختلف مستوياتها وأدوات تحليلها، بالإضافة إلى ما يرتبط بها من عنفٍ وتدمير. ويورد الكحلوت في هذا السياق بعضًا من آراء المفكرين والمدارس النظرية المتعلقة بمواضيع الحرب، وعوامل ظهورها واختفائها، والطريقة التي تتم عبرها تسوية النزاعات، أو التدخل لإنهائها.
اقرأ/ي أيضًا: انطلاق أعمال النسخة الثانية من برنامج "المدرسة الشتوية".. الدولة وتحولاتها
ينتقل الباحث بعد تفنيده الخطوط الرئيسية في مجالات العمل الإنساني، إلى تأريخ هذا المجال في الفصل الثاني "التطور التاريخي للعمل الإنساني: من معركة سولفيرينو إلى القمة العالمية الإنساني بإسطنبول"، حيث يعرض مقدمات تاريخية للنشاطات والأفكار الإنسانية، تمهد لمرحلة تبيين التطور التاريخي، بدءًا من عصر الإمبراطوريات الاستعمارية، وما شهده من حروب جرى فيها استخدام الأعمال الإنسانية من قبل قوى الاستعمار، بهدف تحقيق مصالح شخصية، مرورًا بالمرحلة التأسيسية التيت تُعتبر الأهم لحياة الإنسانية أواخر القرن التاسع عشر، حيث شهدت تلك المرحلة بدايات تقنين العمل الإنساني، وصولًا إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي الحقبة التي شهد فيها العمل الإنساني نموًا متسارعًا، أخذ مسارًا متصاعدًا خلال الحرب الباردة والحرب على الإرهاب والربيع العربي خلال القرن الحادي والعشرين.
ويورد في الفصل الثالث من الكتاب "مبادئ العمل الإنساني"، الأطر المعيارية والقيمية المسؤولة عن توفير الأفكار والفلسفة الإنسانية، بالإضافة إلى المبادئ التشغيلية وقواعد التوجيه والسلوك، للعاملين الإنسانيين. ويعتبر أن سيادة الدول وعدم إيقاع الضرر وثوابت الإنسانية، إلى جانب عدم التحيز والحياد وضمان الاستقلالية، أهم تلك المبادئ التي يخصص جزءًا من هذا الفصل لتوضيح ما يساعد ويضمن تفعيلها، لا سيما في حالات ظواهر عوائق تمنع تطبيقها، مثل ضغوطات المانحين والحكومات، وأصحاب المصلحة، والحواجز القانونية التي تتقاطع مع تلك المبادئ، بالإضافة إلى الصعوبات التي تفرضها الظروف الزمانية والمكانية في سياقات مختلفة.
يتناول الباحث في الفصل الرابع "الأطر القانونية للعمل الإنساني"، البنى القانونية والتشريعات المسؤولة عن تحديد مجالات القطاع الإنساني ونطاقات عمله، وكذا الهياكل الرسمية المسؤولة عن تفسير وتطبيق ما يُبرم من اتفاقيات ومعاهدات دولية ووطنية مرتبطة بمسائل التنظيمات الإنسانية. ويعرض في هذا السياق أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي للاجئين، بالإضافة إلى مسؤوليات وحقوق الحماية للمدنيين والمتضررين من الحروب والعنف.
ويقدم في الفصل الخامس "المعايير الإنسانية من أجل تحقيق الجودة والمساءلة"، مجموعة من المبادرات والمقترحات التي تعد جزءًا رئيسيًا من العمل الإنساني، مثل مدونات السلوك، والميثاق الإنساني والحدود الدنيا للمعايير، وغيرها. ويخصص الفصل السادس "حوكمة المنظومة الدولية الإنسانية" للفاعلين في هذا المجال وأطرهم الهيكلية والمؤسسية، مثل منظمة الأمم المتحدة وما يتبع لها من أجهزة ووكالات وهيئات مؤثرة في العمل الإنساني، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، وبرنامج الغذاء العالمي، وغيره.
يشرح كتاب "العمل الإنساني: الواقع والتحديات" أنواع التمويل الذي يقدمه عادةً المانحون للمحتاجين، ويفنّد أنواع أولئك المانحين ومستويات التنسيق بينهم
ويعدّد في الفصل السابع "تمويل العمل الإنساني"، أنواع التمويل الذي يقدمه عادةً المانحون للمحتاجين، ويفنّد أنواع أولئك المانحين ومستويات التنسيق بينهم، وأهم الروابط التي تحكم توجهات صرفهم للمساعدة. كما يستعرض في هذا السياق أهم التحديات التي ما تزال تواجه تمويل العمل الإنساني، مثل الفجوة بين المطلوب والمتوافر، والعوائق القانونية بسبب تشريعات مكافحة الإرهاب، وصولًا إلى صعوبات التنسيق بين المانحين، والدور السلبي للعلاقة بين الترويج الإعلامي وزخم ضخ الأموال.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "المساءلة النقدية لمفهوم الميتافيزيقا".. سؤال الكائن وسؤال الكينونة
أما الفصل الثامن والأخير "التغييرات في المشهد الإنساني: الواقع والمستقبل"، فقد خصصه المؤلف لعرض التغييرات حول مسائل تتعلق بتجريم العمل الإنساني، وارتباطاته بنشاطات الإرهاب والجريمة المنظمة، وغيرها من مظاهر الفساد الأخلاقي والمالي التي تكررت في عدة مناسبات، فضلًا عن اختلاط أجندات الربح والسياسة مع أجندات الإنسانية، والعلاقة الجدلية بين المنظمات الإنسانية والجيوش والقطاعات الأمنية الخاصة والتشكيلات المسلحة.
اقرأ/ي أيضًا:
طبعة رابعة من كتاب "كاتب السلطان: حرفة الفقهاء والمثقفين" لخالد زيادة