ألترا صوت - فريق التحرير
صدر حديثًا عن "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "الفلسطينيون في العالم: دراسة ديموغرافية" لمؤلّفيه يوسف كرباح وحلا نوفل اللذين أخذا على عاتقهما البحث في الجوانب الديموغرافية للفلسطينيين، تمهيدًا لوضعهما تحليلًا ديموغرافيًا يُمكن اعتباره مقياسًا موضوعيًا للحقائق الديموغرافية المتعلّقة بماضي الشعب الفلسطينيّ وحاضره، بالإضافة إلى توفيره مسارات علمية تتنبأ بمستقبله الديموغرافي أيضًا، إذ يسعى الباحثان من خلال العودة إلى الخلف بهدف التعرّف إلى التيّارات التي شكّلت المجتمعات الفلسطينية في المهاجر، إلى تقديم عددٍ تقريبيّ للفلسطينيين بداية عام 2050.
يمثّل اللاجئون الفلسطينيون في الأردن عنصرًا أساسيًا في تكوينها الديموغرافي، دون أن يكون عنصرًا راغبًا أساسًا في السيطرة على كلّ شيء
يتناول كرباح ونوفل في كتابهما مسألة الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل من منظور ديموغرافيّ، ويبيّنان العوامل المُختلفة التي أدّت إلى التحوّلات الديموغرافية في الأراضي الفلسطينية، قبل أن ينتقلا بعد ذلك إلى دراسة خصوصية ديموغرافية مدينة القدس وقطاع غزّة والمستوطنات الإسرائيلية في سياق محاولتهما تقديم إجابات على أسئلة مثل: كيف سيكون الوضع في فلسطين التاريخية وقطاع غزّة والضفّة الغربية.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "الإرث الفلسطينيّ المرئيّ والمسموع".. تحصين الذاكرة الفلسطينية
يُشير المؤلّفان إلى مسألة النمو الديموغرافي في المجتمعات الإسرائيلية الذي قد يؤدي، في المناطق التي يسكنها عدد كبير من الفلسطينيين إلى شكل من أشكال العزلة التي يصفانها بـ"السيطرة المعزّزة"، الشبيهة بتلك التي سادت جنوب أفريقيا خلال سنوات الفصل العنصريّ، مُقدّمان الجليل والمثّلث نموذجًا على هذا، قبل الانتقال باتّجاه المملكة الأردنية التي كان الفلسطينيون فيها وفقًا لما يذكره المؤلّفان أبعد من أن يمثّلوا الأغلبية العظمى من سكّانها.
في المُقابل، يمثّل اللاجئون الفلسطينيون في الأردن عنصرًا أساسيًا في تكوينها الديموغرافي، دون أن يكون عنصرًا راغبًا أساسًا في السيطرة على كلّ شيء، الأمر الذي يجنّب الأردنيين والفلسطينيين أي صدام تُشعله الأوهام التي تنتشر بين وقتٍ وآخر، ويساهم في ترسيخ استقرارهم الذي فقدوه في سوريا بعد الحرب التي دفعتهم لاختبار هجرة ونوعًا جديدًا من الشتات بحثًا عن استقرار جديد، أي أنّ هجرة الفلسطينيين ستكون نهائية، أمّا أولئك الذين اختاروا البقاء فيها لأسباب عديدة منها عدم القدرة على الخروج أساسًا، فيتوقّع المؤلّفان أن يصل عددهما في عام 2050 إلى نحو مليون مئتي ألف.
الأمر الذي يعني أنّ الحالة الديموغرافية للفلسطينيين في سوريا تغيّرت ولا تزال قابلة للتغيّر بفعل الظروف الراهنة والأزمة القائمة، تمامًا كما هو الحال بالنسبة إلى لبنان التي مثّل اللاجئون الفلسطينيون سنة 1948 نحو 10% تقريبًا من عدد السكّان، قبل أن تتبدّل الأحوال بشكلٍ قلّص هذه النسبة إلى نحو 5.5 % من مجمل عدد السكّان نهاية 2017، دون تغييرات ملموسة لجهة الأوضاع الاجتماعية والمعيشية الصعبة التي يعيش فيها الفلسطينيون في ظلّ تشديد الحكومات اللبنانية المتعاقبة على رفضها التوطين، والتأكيد على حقّ العودة.
تغيّرت الحالة الديموغرافية للفلسطينيين في سوريا ولا تزال قابلة للتغيّر بفعل الظروف الراهنة والأزمة القائمة
بالنسبة إلى مصر، يقول يوسف كرباج وحلا نوفل إنّ عدد الفلسطينيين يتراوح بين 30 إلى 100 ألف فقط، وهو عدد قليل جدًّا مقارنة بعددٍ المصريين الذي وصل نهاية 2016 إلى نحو 92 مليون. أمّا في العراق، فيقول الباحثان أنّه من المتوقّع تكون هناك موجات هجرة للفلسطينيين هناك تشكّل ضربة قاضية للوجود الفلسطينيّ الذي تُشير أغلب الاحتمالات إلى انقراضه تمامًا سنة 2050، على العكس الوجود الفلسطينيّ في الدول الخليجية التي لا يشكّلون فيها ثقلًا ديموغرافيًا كبيرًا، وإنّما اقتصاديًا وبدرجات معيّنة سياسيًا أيضًا، خصوصًا حينما يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية.
اقرأ/ي أيضًا: مجلة "تبيّن".. الذاكرة ودراساتها
ينتقل المؤلّفان بعد ذلك إلى دراسة أعداد وأحوال الفلسطينيين في دول غرب أوروبّا وشمالها، بدءًا من فرنسا والمملكة المتّحدة وألمانيا، مرورًا بالسويد والدنمارك والنرويج وآيسلندا وفنلندا، بالإضافة إلى الولايات المتّحدة التي يقدر عدد الفلسطينيين فيها بنحو 310 آلاف نسمة، على أن يصل إلى 441 ألف عام 2050. ويختتم كرباج ونوفل كتابهما بدراسة الأهمية الرمزية والسياسية للفلسطينيين في تشيلي التي ينتمون فيها إلى الطبقات الأكثر تعليمًا في المجتمعات التشيلية.
اقرأ/ي أيضًا:
عزمي بشارة في كتابه "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته".. تلك الطريق ومشقاتها
العدد 43 من "سياسات عربية".. صفقة القرن والحوكمة الرشيدة في تونس ومصر