يعيش العالم حالة من الهلع ذات طابع دولي، تتمثل في استنفار عالٍ وإجراءات إسعافية لتطويق وضعٍ صحي شديد الخصوصية والخطورة والتهديد. هذا الواقع فرضته الأزمة الصحية العالمية والذي قد تتعدى نتائجه تهديد شرط الوجود البيولوجي للبشرية جمعاء، بل ومستقبل وشروط الوجود الاقتصادي والسياسي للكرة الأرضية بأكملها، والذي بدأت ملامحه تتضح من خلال الخسائر الفادحة التي تتكبدها أسواق البورصة.
إن عدم واقعية بعض الأنظمة العربية في مواجهة هذا الوضع الاستثنائي لانتشار وباء كورونا، يحمل العديد من الدلالات ولكن قد يكون أشدها وضوحًا هو مقدار استهتار هذه الأنظمة بقيمة الإنسان
في ظل هذه الشروط شديدة التعقيد والتركيب، تصدح أصوات تروج لجملة من القناعات والتحليلات التي يتم تقاذفها على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة هستيرية، مؤكدة أجواء الهلع والخطر، ولكن بعض "الأنظمة" العربية طورت نمطًا من الاستجابة للأزمة، قد تكون استجابة "النظام" السوري أكثرها غرابةً، وهو النظام الذي يبقى مغردًا خارج السرب، فلا حالات إصابة بالفيروس في سوريا، سوى واحدة تم الإعلان عنها بتردد، وحالات تبدو نادرة في لبنان ووضعٌ تحت السيطرة في مصر كما يروج مسؤولوها.
اقرأ/ي أيضًا: كورونا في مصر: حظر تجول ومظاهرات ومخاوف من كارثة
تاريخ من التأكيد بأنهم خارج العالم
لا يبدو أن الذي يسمى مجازًا "النظام السوري" قد خرجَ عن تقاليد إنكار تأثير الأحداث التي تعصف بالعالم على سوريا، فهو لم يتوان مثلًا عن التأكيد المتواصل أنه لم يتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في العام 2008. في الحقيقة قد نتفق معه في هذه الناحية، ليس من زاوية متانة الاقتصاد السوري والسياسات الحمائية التي اتخذها هذا النظام بشكل مسبق، بل لأن هذا "النظام" لم يبقِ على ما يمكن تسميته اقتصادًا في بلد كسوريا، ليكون قابلًا للتأثر أو عدمه.
لكن أن يصل النظام السوري إلى التأكيد بأنه لم يتأثر بهذه الجائحة الصحية التي اجتاحت الكوكب، رغم توافر جميع عوامل التفشي لديه، هو أمر بلا أدنى شك يستدعي التساؤل والتدقيق، مع العلم أن بلدًا يتظاهر فيه الناس بعد الثورة لشكر الله على نعمة المطر، من الممكن أن يكون خاليًا من فيروس كورونا ببساطة وفق تأكيدات النظام.
هذا الأمر أكده رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية عندما صرح أنه "في حالة سوريا.. أنا متأكد من أن الفيروس ينتشر لكنهم لم يكتشفوا الحالات بطريقة أو بأخرى. هذا هو شعوري ولكن ليس لدي أي دليل قاطع". فالنظام الصحي الذي خلفته سنوات الحرب الطويلة في سوريا نظام هش، في المناطق التي لم يتوان النظام عن استهدافها وتدميرها في سياق حربه، سواء تلك التي خرجت عن سيطرته واستعادها لاحقًا، كالمستشفى الوطني في حمص، أو تلك التي بقيت تحت سيطرته والتي تشير جميع المعلومات التي تأتي من سوريا إلى هشاشتها وعدم قدرتها على تقديم الخدمات الطبية البسيطة للسوريين القابعين تحت سلطته.
كل هذا يؤكد بشكل من الأشكال على أن الوباء قد وصل إلى سوريا، الأمر الذي يفرض علينا التساؤل عن سبب إصرار النظام على التأكيد أن سوريا خالية من الوباء!
خرج وزير الصحة السوري ليؤكد خلو سوريا من الوباء العالمي، معتبرًا أن خير دليل على ذلك هو قدرة الجيش السوري، فالجيش العربي السوري الذي قتل كل شيء لن يستعصي عليه قتل فيروس لئيم كما أكد الوزير في التصريح اليتيم، وقد يكون مرد هذه الطمأنينة التي تسيطر على النظام السوري قدرته وخبرته الطويلة في إخفاء معالم جرائمه رغم وضوحها أمام العالم أجمع، وهو ما تؤكده جميع المعلومات القليلة الواردة من الداخل السوري، والتي تفيد أن أسباب وفاة ضحايا المرض يتم ردها حسب تقارير الطب الشرعي إلى التهاب رئوي حاد أدى إلى فشل رئوي.
لبنان: استجابة ملفتة من الحراك وإنكار متواصل من النظام
في أعقاب المعلومات المتواردة من أصقاع الدنيا والتي تفيد بتفشي الوباء في أنحاء العالم وخصوصًا في إيران، التي لم ينقطع مواطنوها عن القدوم إلى مطار رفيق الحريري، عمد جملة من نشطاء الحراك إلى تدشين حملة تحت شعار "خليك بالبيت"، الأمر الذي واجهته السلطات اللبنانية بموجة من الهجوم والتخوين، عطفًا على تقاليدها في مهاجمة أي مبادرة تصدر عن الحراك الثوري.
ورغم إصدار السلطات اللبنانية قرارًا بتعليق جميع الرحلات من الدول التي تشهد انتشارًا وبائيًا، إلا أن الرحلات المتجهة من طهران إلى بيروت استمرت لبعض الوقت بعد ذلك، ضاربةً بعرض الحائط تلك القرارات، الأمر الذي وصل بسلطة الأمر الواقع الممثلة بحزب الله اللبناني إلى السماح لعدد من المسافرين القادمين من طهران بالدخول إلى لبنان، دون الخضوع إلى أي من الإجراءات الرمزية التي تتخذها السلطات على معابرها الحدودية، ليتبعها في وقت لاحق قرار بالحجر على جملة من المناطق دون غيرها، مما يستدعي التشكيك في حقيقة الأرقام التي تعلن عنها السلطات اللبنانية فيما يخص سرعة تفشي الفيروس حتى الساعة.
ومن الأمور الملفتة للنظر، رفض حزب الله اللبناني القاطع لمحاولات إعلان حالة الطوارئ في البلاد، الأمر الذي سوف يؤدي بالتالي إلى تسلم المؤسسة العسكرية إدارة الوضع في البلاد مما يحد من نفوذ حزب الله ويجعل احتمال المواجهة مع الجيش اللبناني أمرًا شديد الورود.
مصر لا تخرج عن السياق
أفادت العديد من التقارير الأوروبية بأن العديد من الإصابات التي تم تسجيلها حتى اللحظة تعود إلى أشخاص عائدين من مصر، في الوقت الذي كانت السلطات المصرية لا تزال تؤكد عبر ماكينتها الإعلامية خلو الأراضي المصرية من الوباء العالمي. ورغم الإعلان عن بضعة حالات في مصر وعلى استحياء، ما تزال السلطات المصرية مترددة في ما يخص قرار حظر التجول، الأمر الذي تدفع ثمنه اليوم دول مثل إيطاليا نتيجة تأخرها في قرار الحجر.
اقرأ/ي أيضًا: من العلاج باليانسون إلى العجز الجنسي.. إشاعات لبنانية في زمن كورونا
إن التردد في اتخاذ الخطوات الضرورية، سوف يؤدي إلى تفشي الوباء بطريقة كارثية إذا لم تتخذ إجراءات شديدة الصرامة والسرعة في بلد يعاني من تأخر في خدماته الصحية وكثافة سكانية عالية وأرقام لافتة من مستوى الفقر، الأمر الذي سوف يفضي إلى تعرية الحقائق الاقتصادية والصحية التي خلفها النظام المصري الحالي، وعجزه عن الاستجابة بطريقة صحيحة بحكم تركيبته وإدارته البائسة لبلد كمصر.
إن التردد في اتخاذ الخطوات الضرورية، سوف يؤدي إلى تفشي الوباء بطريقة كارثية إذا لم تتخذ إجراءات شديدة الصرامة والسرعة في بلد كمصر يعاني من تأخر في خدماته الصحية وكثافة سكانية عالية
إن عدم واقعية هذه الأنظمة في مواجهة هذا الوضع الاستثنائي، يحمل العديد من الدلالات ولكن قد يكون أشدها وضوحًا هو مقدار استهتار هذه الأنظمة بقيمة الإنسان، الأمر الذي ينبئنا بأن أرقام ضحايا هذا الوباء في هذه الدول لن يتغير بتاتًا مع استمرار غياب الرقابة والشفافية، وهو ما سيجعلها مصدر تهديد وجودي للبشرية جمعاء بعد أن تقاعست في التعامل معها سابقًا، في ظل عالمٍ أشد تلاصقًا كما تؤكد الجائحة الصحية العالمية اليوم.
اقرأ/ي أيضًا: