12-يوليو-2024
طفل فلسطيني في منزل مدمر

لم يكن تدمير غزة ممكنًا لولا تواطؤ الولايات المتحدة (رويترز)

هذه ترجمة لمقال الكاتب والأكاديمي اللبناني جلبير الأشقر في صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، يتحدث فيها عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومستقبل القطاع ما بعد انتهاء الحرب.


تكررت رغبتهم في القضاء على حماس مرارًا، إلّا أن المسؤولين الإسرائيليين يجدون صعوبة في تحديد مصير القطاع عند انتهاء المعارك. وإذا كان بإمكان مصر والامارات العربية المتحدة والمغرب إرسال قوات لحفظ السلام فمن المؤكد أن تل أبيب ليس في نيتها منح السلطة الفلسطينية حرية التصرف.

نفذ الجناح العسكري لـ"حماس"، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أحد أكثر العمليات إثارةً في كل تاريخه باقتحامه السياج الأمني الذي يحيط بقطاع غزة. وبعد مرور ما يقارب الثمانية أشهر (تاريخ كتابة المقال) من بدء العلميات الانتقامية ضد القطاع، اكتسب مصطلح "القوة المفرطة"، وهي الاستراتيجية الرادعة التي نفذها الجيش الإسرائيلي أول مرة في لبنان عام 2006، بُعدًا جديدًا. وتشتهر هذه الاستراتيجية أكثر باسم "Doctrine Dayhia" (استراتيجية الضاحية)، وتستخدم في لبنان للإشارة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت التي يسيطر عليها "حزب الله"، والتي دُمرت بشكل كبير جراء قصف الجيش الإسرائيلي لها عام 2006.

تم التصريح بهذه الاستراتيجية علنًا لأول مرة عام 2008، من قبل عضو مجلس الحرب، الذي تم تشكيله في 11 تشرين الثاني/أكتوبر 2023، الجنرال غادي آيزنكوت، والذي كان قائدًا للجبهة الشمالية آنذاك قبل أن يصبح رئيسًا لهيئة الأركان من 2015 إلى 2019.

ووفقًا لتعريف قدمه العقيد احتياط غابي سيبوني، فإنه يتعين على القوات الإسرائيلية: "التدخل السريع والحازم باستعمال القوة المفرطة ضد أعمال العدو وتهديده، بحيث تلحق أضرارًا وعقابًا يستدعي من أجل إعادة الإعمار وقتًا طويلًا وتكاليف باهظة"(1).

مما لا شك فيه أن اسرائيل لا تنوي وضع كامل قطاع غزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية مثلما كان عليه الحال عام 2005 

وفي ظل الهجوم الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، يصبح وصف "القوة المفرطة" مجرد تعبير لطيف لما يحدث. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "OCHA"، فقد بلغ عدد ضحايا الحروب بين إسرائيل و"حماس" منذ سيطرة الأخيرة على القطاع عام 2007 إلى غاية 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، 6898 فلسطينيًا مقابل مقتل 326 إسرائيليًا، أي أكثر من 21 ضحية فلسطينية مقابل ضحية إسرائيلية واحدة(2)، وأسفرت العملية التي نفذتها "حماس" عن مقتل 1143 من بينهم 767 مدنيًا و376 عسكريًا وعنصرًا من القوات الأمنية بحسب مصادر إسرائيلية، كما استشهد حوالي 1600 مهاجم فسلطيني على الفور وفقًا للمصدر نفسه، وقتلت الغارات الإسرائيلية على القطاع منذ ذلك الحين أكثر من 45 مرة من الفلسطينيين مقارنةً بعدد الإسرائيليين الذين فقدوا حياتهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إذا ما أضفنا إليهم عدد الضحايا الذين أحصتهم الخدمات الصحية الفلسطينية، المتزايد باستمرار، وكذلك الذين لا يزالون تحت الأنقاض (10 آلاف) بحسب تقديرات المكتب الأممي.

صيغ فائقة لوصف التداعي

نقل تقرير مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، أن هناك أنقاض هائلة، فقد تم تدمير أكثر من 290 ألف وحدة سكنية تدميرًا جزئيًا أو كليًا في غزة حتى نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، لتحرم ما يقارب من نصف سكان القطاع المقدر عددهم بـ2.3 مليون من المأوى(3). لقد دفع الدمار الهائل بالمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق إضافة مصطلح "التدمير الشامل والممنهج للمساكن" والبنية التحتية المدنية في غزة إلى قائمة الجرائم ضد الإنسانية(4).

ووفقًا للمشرف الأممي في دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام في الأراضي الفلسطينية "UNMAS"، تشارلز (مونغو) بيرش، هناك 37 مليون طن من الأنقاض في غزة، أي يوجد على الشريط الحدودي البالغ طوله 41 كلم من الشمال إلى الجنوب أكثر من الأنقاض المتواجدة على طول 965 كيلومتر من خط المواجهة في أوكرانيا(5)، وتقدر دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام أن إزالة هذه الأنقاض يتطلب ما لا يقل عن أربعة عشرة عامًا(6).

وبشكل سريع، تضاعفت الصيغ لوصف الإصرار الإسرائيلي على التدمير، بالإضافة لوصف "الإبادة الجماعية" موضوع الدعوى القضائية التي تقدمت بها جنوب إفريقيا لدى محكمة العدل الدولية، أبرزت الصحافة الأميركية منذ العام المنصرم العنف الهائل لحملات القصف الإسرائيلية. ففي نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقًا أعربت فيه عن قلقها من أن "المدنيين في غزة يقتلون تحت نيران القصف الإسرائيلي بوتيرة تاريخية"، مشيرةً، استنادًا لأرقام الأمم المتحدة، إلى أن الأطفال الذين تم قتلهم في القطاع خلال مدة سبعة أسابيع أكثر من عدد الأطفال الذين تم قتلهم خلال عام 2022 في كامل النزاعات الدولية، أي في أربع وعشرين دولة من بينهم أوكرانيا(7).

وبعد انقضاء شهر على ذلك، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحقيقًا تحت عنوان "إسرائيل شنت على غزة واحدة من أكثر الحروب تدميرًا في هذا القرن"(8)، بينما نقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن أستاذ العلوم السياسة في جامعة شيكاغو وخبير في النزاعات، روبت بيب، وصفه تدمير غزة بأنه: "واحدة من أكبر حملات معاقبة المدنيين في التاريخ"(9).

لقد بلغ تدهور صورة إسرائيل ذروته، وهو ما اعتبره الباحث في مركز البحوث الدولية (CERI)، التابع لمعهد العلوم السياسية باريس، سامي كوهين، متأسفًا، كنتيجة لاستراتيجية "الرد غير المتكافئ"(10). وقال الباحث: "حينما يتم استهداف السكان المدنيين فإنك تؤلب العالم كله ضدك، لكن يبدو أن العسكريين الإسرائيليين لم يفهموا هذه الحساسية البالغة المتعلقة بالرأي العام العالمي أمام الخسائر المدنية ". ويعتب كوهين على الجيش الإسرائيلي لجوئه المكثف لاستعمال "أسلحة غير دقيقة"، ولا يزال هذا هو حال الهجوم حاليًا على غزة. وقد أشارت "واشنطن بوست" في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى أن نصف الضربات الإسرائيلية تكون عبر قنابل غير موجهة(11).

العدد المروع للضحايا الفلسطينيين يفسر أيضًا اللجوء الكثيف إلى استعمال القنابل، التي على الرغم من أنها مزودة بنظام توجيه، إلًا أنها ذات عيار يتعين أن يكون محظورًا في المناطق العمرانية. وفي الواقع، وبحسب تحقيق "نيويورك تايمز" المذكور أعلاه، فإن ما يقارب 90% من القنابل التي تم رميها على غزة خلال الأسبوعين الأولين، المرحلة الأكثر حدة من القصف الإسرائيلي، كانت قنابل تزن الطن والنصف الطن موجهة عبر الأقمار الصناعية، وفي مناطق ذات كثافة سكانية عالية. وبغض النظر عن دقة استخدام هذه القنابل، فإن نطاق تدميرها كبير لدرجة أنها تخلف دمارًا هائلًا. وبحسب "نيويورك تايمز"، حصد ذلك ذهول المختصين أمام "استخدامها غير المقيد" من قبل إسرائيل في مناطق عمرانية، لدرجة أنه للعثور على سابقة لمثل هذه الكثافة من القصف، كان يتوجب العودة إلى حرب فيتنام أو الحرب العالمية الثانية.

لم يكن هذا ليكون ممكنًا لو لم تكن الولايات المتحدة الأميركية متواطئة في النزاع القائم، إذ إن واشنطن في واقع الأمر طرفًا كليًا(12).

خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى غاية 2023، زودت الولايات المتحدة إسرائيل بما يقارب 70% من احتياجات إسرائيل العسكرية (30% عبر ألمانيا)(13)، بالإضافة إلى العدد المرتفع جدًا من القنابل ذات العيار الصغير التي تسلمتها إسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر إلى غاية كانون الأول/ديسمبر. كما زودت الولايات المتحدة إسرائيل بأكثر من 5 آلاف قنبلة من طراز "Mark 84" (BLE-117)، زنتها ما يقرب من 2000 رطل(14). حتى أن "الدراما النفسية" التي حدثت في بداية أيار/مايو، حين وقع الخلاف بين بايدن ونتنياهو، وكان السبب تعليق الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بـ1800 وحدة إضافية من نفس نوع القنابل، بالإضافة إلى 1700 من نوع (Mark 82) ذات عيار 500 رطل.

يعلم الرجلان تمامًا، أن ذلك لن يكون له أي تأثير على قدرة الجيش الإسرائيلي لاستكمال احتلال قطاع غزة باجتياح رفح (مساحتها تقدر بـ15% من مساحة القطاع)، أين تكدس أكثر من نصف سكان غزة. وفي حين كان السيد نتنياهو بخطابه الدرامي المبالغ فيه والذي يتقنه بشكل جيد يؤكد أن إسرائيل مستعدة للقتال "بأظافرها إن تطلب الأمر"، أكد المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانيال هاغاري، أن لديهم كل ما يحتاجونه من أجل إتمام المهام التي تنتظرهم بما في ذلك اجتياح رفح(15).

إن ابتعاد سكان غزة عن الحدود المصرية يبرز فشل خطط اليمين المتطرف الإسرائيلي الذي كان يأمل في طردهم نحو سيناء

في الوقت ذاته أوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، وهو أيضًا عميد متقاعد، قائلًا: "يتحدث الجميع عن توقف إمداد إسرائيل بالسلاح، شحنات الأسلحة ما زالت تصل إلى إسرائيل، إنهم يحصلون على كميات كبيرة للغاية من الأسلحة التي هم بالحاجة إليها للدفاع عن أنفسهم"(16)، وبذلك كان يردد ما قاله رئيسه الذي لم يتوقف عن ترديد أن تعليق إيصال شحنات الذخيرة إلى إسرائيل يقتصر على القنابل المذكورة أعلاه ولا يؤثر على الباقي(17).

في 4 أيار/مايو عزمت الإدارة الأميركية على تسليم أكثر من مليار دولار إضافية من الأسلحة إلى إسرائيل، بما في ذلك ذخيرة للدبابات تقدر تكلفتها بـ700 مليون دولار، وقذائف هاون بقيمة 60 مليون دولار.

موقف بايدن كان رمزيًا للغاية، يسعى من خلاله لتبرئة ذمته من المذبحة المرتقبة في رفح، في الوقت الذي كانت فيه إدانة الإبادة الجماعية في تزايد داخل الجامعات الأميركية، وكذلك بين ناخبي الحزب الديمقراطي، وحتى بين ممثليه داخل الكونغرس.

في الواقع، اشترط العديد من نواب الكونغرس تقريرًا يؤكد التزام استخدام الأسلحة الأميركية بما يتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. ونشر التقرير بعد فترة وجيزة من تعليق إمدادات الأسلحة لإسرائيل، وقد عكس ذلك سلوك بايدن، حيث يحاول إدارة المصالح المتباينة، مؤكدًا أن التقرير كان معقولًا في تقديره بأن استخدام الأسلحة الأميركية من طرف الإسرائيليين ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، من دون أن تكون ثمة براهين ملموسة تدين استخدام أسلحة بعينها يبرر إيقاف التزويد بها(18).

في النهاية، لم ينجح بايدن في إرضاء منتقديه من اليسار، مما أتاح لمنافسيه الجمهوريين وعلى رأسهم دونالد ترامب مهاجمته، متهين إياه بأنه يتصرف لصالح "حماس"(19).

المفارقة أن بايدن أقحم نفسه منذ البداية وبشكل مبالغ فيه في الدعم غير المشروط للرّد الإسرائيلي، وقد تبين أن الهدف هو القضاء على "حماس" دون التميز بين جناحها السياسي وجناحها العسكري، "كتائب عز الدين القسام"، ودون مراعاة مسالة أن الأمر يتعلق بحركة جماهيرية تدير القطاع منذ العام 2007، وأن مقارنة "حماس" بتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" بدلًا من "حزب الله اللبناني"، اللذين يتشاركان في نقاط عديدة، كان الغرض منه القضاء على "حماس" لإخفاء نية الإبادة الجماعية. وفي أثناء لقاء تلفزيوني أجرته قناة "CBS" الأميركية في 15 تشرين الأول/أكتوبر، حذر بايدن من إعادة احتلال غزة على المدى الطويل، لكنه أكد بأنه يتعين على إسرائيل "الدخول والقضاء على المتطرفين" (20). وفي إجابته على سؤال وجهه الصحفي: "هل تعتقد أنه يجب القضاء على حماس نهائيًا"، أجاب بايدن: "أجل، أعتقد ذلك".

وعلى المنوال نفسه، عارضت إدارة بايدن اجتياح رفح، ولم يكن الرفض نهائيًا وحاسمًا، بل رفضًا مشروطًا، مشيرةً إلى ضرورة التأكد من أن الاجتياح لن يؤدي إلى وقوع مجزرة (في المحصلة هي إشارة تحذيرية وليست رفضًا نهائيًا). وقد تلقت إسرائيل هذه الرسالة التي تعاظمت بشكل كبير نتيجة لتفاقم الغضب العالمي، فقد أمرت القوات الإسرائيلية من سكان غزة الذين أمرتهم سابقًا بالنزوح واللجوء إلى رفح بالانتقال إلى المواصي "المنطقة الإنسانية الموسعة" على الشريط الساحلي السواحل لخانيونس.

 منطقة عازلة داخل القطاع

إن ابتعاد سكان القطاع عن الحدود المصرية، حيث تشكل رفح نقطة العبور الوحيدة، يبرز فشل خطط اليمين المتطرف الإسرائيلي الذي كان يأمل في إكمال نكبة جديدة من خلال طرد جماعي للغزيين نحو سيناء(21)، كما تؤكد الصعوبات التي تواجه الجيش الإسرائيلي في السيطرة الفعلية على الأرض، وأن خيار احتلال جديد شامل وطويل الأمد لن يكون مطروحًا على الطاولة(22).

وأمام استياء العسكريين الإسرائيليين، يجد بنيامين نتنياهو نفسه في مواجهة المعضلة التي أدت إلى قيام اتفاقيات أوسلو عام 1993، وأمام تصاعد الضغط العالمي من أجل إقامة دولة فلسطينية، خاصةً الضغط الأميركي في جميع الاتجاهات (نتذكر دعم ترامب من خلال اتفاقية القرن لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة) سيكون من الصعب عليه رفض هذا الخيار الذي كان يتباهى بإحباطه حتى اللحظة.

غير أن نتنياهو شأنه شأن الطبقة السياسية الإسرائيلية، وكذلك بايدن، ليسوا واثقين بقدرة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس على إحكام السيطرة على الغزيين. هذه السلطة التي عجزت عن فرض السيطرة في الضفة الغربية على الرغم من وجود قوات الاحتلال وتدخلاتها المستمرة في المنطقة (أ)، التي يفترض أنها تحت حكم السلطة الفلسطينية. لهذا السبب بدأت حركة قوية تتجه نحو الحل الذي كان يتبناه رئيس الحكومة السابق عن "حزب العمال" إيهود باراك، ففي 15 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي حتى قبل الاجتياح البري لغزة، نقلت أسبوعية "ذي إيكونوميست" ما قاله باراك على هذا النحو(23):" يعتقد باراك أن النتيجة المثلى هي بمجرد أن تتدهور القدرات العسكرية لحماس بشكل كافٍ، سيتم إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة. لكنه يحذر من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يجب أن ينظر له على أنه عائد على رأس الحراب الإسرائيلية، لذلك ستكون هناك فترة انتقالية تتنازل فيها إسرائيل تحت الضغط الدولي وتسلم غزة إلى قوات حفظ سلام عربية، التي قد تشارك فيها دول مثل المغرب ومصر والإمارات العربية المتحدة".

لم يكن الدمار الكبير في غزة ليكون ممكنًا لو لم تكن الولايات المتحدة الأميركية متواطئة في النزاع القائم

إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت مطلع أيار/مايو نقلًا عن مصادر لم تسمها، من بينها ثلاثة مسؤولين إسرائيليين، أن معاوني نتنياهو يتناقشون سرًا حول مقترح أطلقه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رجال أعمال مقربون من نتنياهو، يهدف إلى حكم مشترك لقطاع غزة بين إسرائيل ودول عربية متعاونة(24). وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" التي نقلت عن مصادر غربية، البلدان العربية الثلاثة التي حددها بارك أبانت عن تقبل لفكرة المشاركة بقوة لحفظ السلام في غزة(25). ومع ذلك، فإن إقامة دولة فلسطينية هو الشرط الذي من دونه لا يمكن لأي دولة عربية أن تقبل بهذا المشروع. دون أن تظهر استعدادًا لإرسال قوات حفظ سلام إلى غزة، تضع المملكة العربية السعودية مسألة التطبيع مع إسرائيل في الميزان.

وسيشكل ذلك تعويضًا مهمًا قد يسمح لنتنياهو بتبرير موقفه أمام شركائه من اليمين المتطرف. وإذا غيّر موقفه يمكنه التفاوض باسم المصلحة العليا للبلاد على بقائه لفترة على رأس حكومة وحدة وطنية من دون اليمين المتطرف، لكن مع ضم منافسه مثل بيني غانتس، الذي وافق على الانضمام إلى مجلس الحرب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وبدلًا من ذلك، أي في حالة الفشل، فإن نتنياهو سيجد نفسه في مواجهة انقسام داخل حزبه يقوده وزير الأمن يوآف غالانت، الذي يفضل السيناريو المذكور أعلاه. لذلك من المحتمل أن ينتهي الأمر برئيس الوزراء بقبول هذا الحل، الأمر الذي سيسعد حتمًا بايدن الذي سيرى في ذلك نتيجة مثالية.

مما لا شك فيه أن اسرائيل لا تنوي وضع كامل القطاع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، مثلما كان عليه الحال عام 2005 حتى وإن كانت "متجددة"، بحسب تعبير بايدن (26). فإنه على الأغلب يمكن للجانب الإسرائيلي أن يتصور سيناريو مشابه للوضع في الضفة الغربية، أين تحيط قوات الاحتلال بالأراضي التي تحكمها السلطة في المنطقة (أ)، مع الاحتفاظ بحق التدخل عندما تقدر بأن الوضع يستدعي ذلك.

قبل الغزو الجديد لغزة، صرح وزراء إسرائيليون أن اسرائيل ستقوم بإنشاء منطقة عازلة داخل القطاع(27)، وذلك ما تم بالفعل، بعرض كيلومتر واحد داخل أراضي قطاع غزة على طول الحدود مع إسرائيل، وتم انشاء "ممرات استراتيجية" تتحكم في القطاع تشبه الشبكة التي تغطي الضفة الغربية(28)، إلا أن الاعتقاد بأن هذا سيشكل حلًا للقضية الفلسطينية فذلك مجرد وهم.


الهوامش:

(1) جابي سيبوني، "القوة المفرطة ": مفهوم الرد الإسرائيلي في ضوء حرب لبنان الثانية"، INSS Insight، جامعة تل أبيب، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2008

(2) بيانات حول الضحايا " OCHA" ochaopt.org/data/casualties

(3) الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي، الأمم المتحدة، «قطاع غزة - تقييم الأضرار المؤقتة»، 29 أذار/مارس 2024

(4) بالاكريشنان راجاغوبال، "التدمير الجماعي للمنازل يجب أن يكون جريمة ضد الإنسانية"، نيويورك تايمز، 29 كانون الثاني/يناير 2024.

(5) ليزا شلين، "إزالة المتفجرات تُمكّن المساعدات من الوصول إلى ضحايا الحرب في غزة"، VOA News،1 أيار/مايو 2024، وإسحاق تشوتينر، "أزمة القنابل غير المنفجرة في غزة"، نيويوركر، 8 أيار/مايو 2024.

(6) رويترز، «مسؤول أممي يقول إن إزالة الحطام في غزة قد تستغرق 14 عامًا»، 26 نيسان/أبريل 2024

(7) لورين ليذر بي، "المدنيون في غزة، تحت القصف الإسرائيلي، يُقتلون بوتيرة تاريخية"، نيويورك تايمز، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

(8) إيفان هيل وآخرون، "إسرائيل شنت واحدة من أكثر الحروب تدميرًا في غزة في هذا القرن"، واشنطن بوست، 23 كانون الأول/ديسمبر 2023.

(9) جوليا فرانكل، "حملة إسرائيل العسكرية في غزة تُعتبر من بين الأكثر تدميرًا في التاريخ الحديث، وفقًا للخبراء"، أسوشيتد برس، 21 كانون الأول/ديسمبر 2023.

(10) سامي كوهين، " جيش الدفاع الإسرائيلي أواستراتجية الرد غير المتناسب" دفاتر الشرق، العدد 96، باريس، 4/2009

(11) جون هادسون وآخرون، «القنابل غير الموجهة المستخدمة فيما يقرب من نصف الضربات الإسرائيلية على غزة»، واشنطن بوست، 14 كانون الأول/ديسمبر 2023.

(12) قراءة "الولايات المتحدة الأميركية للإنقاذ"، في "إسرائيل، فلسطين، أرض على قيد الحياة"، طريقة الرؤية، العدد 193، شباط/فبراير-أذار/مارس 2024.

(13) بيتر د. ويزمان وآخرون، "الاتجاهات في نقل الأسلحة الدولية"، SIPRI، ستوكهولم، آذار/مارس 2024.

(14) روبن شتاين وآخرون، "تحقيق نيويورك تايمز تتبع استخدام إسرائيل لأحد أكثر قنابلها تدميرًا في جنوب غزة"، نيويورك تايمز، 21 كانون الأول/ديسمبر 2023.

(15) جوليان بورجر وجيسون بيرك، "سنقاتل بأظافرنا”، يقول نتنياهو بعد تهديد الولايات المتحدة بتقييد الأسلحة، الغارديان، لندن، 10 أيار/مايو 2024.

(16) مؤتمر صحفي مسجل من قبل مستشار الاتصالات للأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، البيت الأبيض، واشنطن العاصمة، 9 أيار/مايو 2024.

(17) كيفن ليبتاك، "بايدن يقول إنه سيوقف إرسال القنابل والقذائف المدفعية إلى إسرائيل إذا شنت غزوًا كبيرًا لرفح"، CNN،9 أيار/ مايو 2024.

(18) جوليان بورجر، "الولايات المتحدة تجد أن استخدام إسرائيل للأسلحة في غزة يتعارض مع قانون حقوق الإنسان، لكنها لن توقف تدفق الأسلحة"، الغارديان، لندن، 10 أيار/مايو 2024.

(19) تولوز أولوروننيبا وجاكلين أليماني، "عزلة بايدن تتزايد مع تقريرغزة الذي ينتقد إسرائيل ويبرئها في نفس الوقت"، واشنطن بوست، 10 أيار/مايو 2024.

(20) سكوت بيلي، "الرئيس جو بايدن: نص مقابلة 60 دقيقة لعام 2023"، أخبار CBS، 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

(21) اقرأ "فلسطين، شبح الطرد"، لوموند ديبلوماتيك، كانون الأول/ديسمبر 2023.

(22) جارد مالسين وسامر سعيد، "تحول حماس إلى تكتيكات حرب العصابات يثير شبح الحرب الأبدية لإسرائيل"، وول ستريت جورنال، نيويورك، 15 أيار/مايو 2024.

(23) إيهود باراك يلقي باللوم على بنيامين نتنياهو في "أكبر فشل في تاريخ إسرائيل"، الإيكونوميست، لندن، 15 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

(24) باتريك كينجسلي، "مسؤولون إسرائيليون يبحثون تقاسم السلطة مع الدول العربية في غزة بعد الحرب"، نيويورك تايمز، 3 أيار/مايو 2024.

(25) أندرو إنجلاند وفيليسيا شوارتز، "الولايات المتحدة تشجع الدول العربية على الانضمام إلى قوة متعددة الجنسيات في غزة بعد الحرب"، فاينانشال تايمز، لندن، 15 أيار/مايو 2024.

(26) ويل ويسيرت، بايدن يقول إن "السلطة الفلسطينية المتجددة يجب أن تحكم غزة والضفة الغربية في النهاية"، أسوشيتد برس، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

(27) جيمس شوتر ونيري زيلبر، "إسرائيل تخطط لمنطقة عازلة في غزة بعد حرب على حماس"، فاينانشال تايمز، 19 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

(28) لويس إمبيرت وآخرون، "كيف تعيد إسرائيل تشكيل قطاع غزة"، لوموند، 3 أيار/مايو 2024.