استطاع الحوثيون بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر الماضي، التحكم بخط السياسة التحريرية لوسائل الإعلام الحكومية وفرضه بالقوة، وإحكام قبضتهم على كافة الوسائل الإعلامية التابعة للحكومة في البلاد بعد حملات للهيمنة عليها بالقوة. من بين هذه الحملات، اقتحام مكتب وزيرة الإعلام، نادية عبد العزيز السقاف، ومنزل رئيس تحرير صحيفة "الثورة"، فيصل مكرم، وإجباره على الاستقالة واقتحام مؤسسات إعلامية خاصة وحجب عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية المناهضة لهم.
ومنذ 21 أيلول/سبتمبر الماضي اعتقل الحوثيون عشرات الصحفيين والناشطين السياسين الذين يخالفونهم الرأي، كما أغلقوا عددا من مكاتب ومقرات وسائل إعلام محلية ودولية أغلبها تتبع دول خليجية بينها مكتب كل من قناة العربية، والجزيرة، وسكاي نيوز عربية، فضلاً عن اقتحام مؤسسات إعلامية محلية وصحف حزبية تتبع حزب الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين في اليمن، قدرت بالعشرات، أبرزها صحيفة أخبار اليوم ، وصحيفة الناس، وصحيفة الصحوة وكل من مكتب قناة سهيل ويمن شباب وقناة بلقيس التابعة لتوكل كرمان. إلى ذلك، أدى تسارع وتيرة الأحداث والصراع المسلح بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بين جماعة الحوثي والمقاومة الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى حجب الجماعة لعدد من المواقع الإخبارية التي تساند خصومهم، المقاومة الشعبية، تمهيداً للسيطرة على كافة الوسائل الإعلامية الحكومية في جميع المحافظات. فكيف حدث كل هذا؟
بوجود وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وتطبيق واتس آب واليوتيوب، لم يكن غياب الإعلام التقليدي اليمني مؤثرًا بدرجة كبيرة
غياب نقابي
يقول مأرب الورد، وهو صحفي يعمل في صحيفة الصحوة، أنه عندما سيطر الحوثيون على أهم مؤسسات الدولة بما فيها السلطة التنفيذية، وقوتها الضاربة متمثلة في مؤسسات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة، أصبحت السيطرة على الإعلام الرسمي أمراً تلقائياً، بما أنه في الأساس يتبع للسلطة الحاكمة. الأمر الآخر، أن الإعلام الرسمي ليس مؤسسسة، كأن يكون لديه نقابات قوية تدافع عن حقوق منتسبيه، وترفض تطويعه لصالح جهه معينة، غير الرسالة المناط به إيصالها، وتستطيع المحافظة على أدائه. هكذا أصبح معبراً عن الحوثيين ومن يؤيدهم فقط، لأنه لا نقابات في الأصل.
وتابع الورد حديثه "لا شك أن حجب المواقع الإلكترونية المؤيدة للمقاومة وإيقاف الصحف، أفقد المقاومة منابر مهمة، على الأقل لمخاطبة الرأي العام اليمني، لكن نظراً لوجود وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وتطبيق واتس آب واليوتيوب، لم يكن الغياب مؤثراً بدرجة كبيرة". لقد قامت المقاومة بإنشاء صفحات إخبارية ومجموعات عبر الواتس آب توصل المعلومات والصور والفيديوهات تدريجياً. برأيه، أهم قناة لتوصيل صوت المقاومة هي القنوات الإخبارية، سواء اليمنية مثل قناة اليمن الرسمية، أو القنوات الخاصة الأخرى، التي تبث من خارج اليمن. يعتقد الورد أنه طالما أن المقاومة طرف في معادلة الحرب الحالية، فهي محل اهتمام لوسائل الإعلام العالمية، والتي تتواصل مع قياداتها لأخذ التصريحات ونقل وجهة نظرها.
حزب الله اللبناني في اليمن السعيد!
يُوَفَر للحوثيين المناخ المناسب، ليظهروا على حساب حليفهم. بسبب حصولهم على الدعم الإيراني، وأنهم قاموا بتطبيق نسخه مكررة من إعلام حزب الله في لبنان، فاكتسبوا الخبرة من حزب الله والدعم من إيران ليسطيروا على الإعلام اليمني الهش والضعيف جداً. ومن المؤكد أنه بعد وضعهم لاستراتيجية إعلامية، حققوا بعض ما كانوا يطمحون له، ومن أهم أسباب النجاح هو بناء شخصيات إعلامية شابة موالية لهم وتدعمهم في قضيتهم وانقلابهم على الشعب اليمني. فالمقاومة لم تتمكن من إيصال صوتها رسمياً. وهذا يعود، حسب قناعته، لضعف الحكومة الشرعية التي تمارس نشاطها من الرياض، فهي لم تركز على إدارة البلاد بشكل صحيح حتى تاريخ اليوم، مما أدى إلى بروز نشاط إعلامي مضاد من الأطراف الأخرى، لدرجة أنها ما زالت تبث قنواتها بل قامت بحجب الكثير من المواقع التي تبث من أماكن متفرقة من البلاد. لهذه الأسباب، صار صوت المقاومة ضعيفاً، مع أن قنوات عربية قد تكون مجتمعة بالوقوف لجانب المقاومة، إلا أن هذا لا يكفي لأن الاستراتيجية غائبة. فالمقاومة والحكومة تحتاجان إلى شخصيات وحملة ومستشارين إعلاميين لإيصال صوت المقاومة ضدّ الحوثيين و لإيضاح معاناة الشعب اليمني للعالم.
تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا كوسيلة إعلامية للنشر في الحالة اليمنية
السيطرة من الداخل
وفي وجهة نظر أخرى، لا يشك العضو المؤسس في جمعية الإنترنت اليمنية، فهمي الباحث، خلال حديثه لـ ألترا صوت"، بوجود مؤيدين وأتباه للحوثيين يعملون في جميع الوسائل الإعلامية الحكومية، ما جعل السيطرة على هذه الوسائل واستمرارها أمراً سهلاً، بعد فرض السيطرة، سواء بالقوة أو بعد التسليم بالأمر الواقع. حتى أن بعض العاملين والصحفيين استمروا في العمل، لأن ليس لديهم مصدر دخل آخر، وبالتالي ينفذون الأوامر ويتبعون السياسة الإعلامية للحوثيين من دون اعتراض.
ومن العوامل الأخرى التي ساعدت الحوثيين في السيطرة على المؤسسات الإعلامية الحكومية، هي البنية الإدارية والتنظيمية الهشة لدى هذه المؤسسات التي انهارت بسهولة. بالنسبة للمقاومة ضدّ الحوثيين، نستطيع القول إجمالا، أن أدائها الإعلامي ضعيف، لأسباب كثيرة، من ضمنها الانقطاع المتكرر للكهرباء وشبكات الاتصالات والإنترنت، إلا أن الشبكات الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا كوسيلة إعلامية للنشر، وعادة تكون مرفودة بجهود شخصية، لأن المقاومة ليست مرتبة أو منظمة إعلامياً.
يد الحوثي تُخرس الصحافة
منذ إحكام قبضتها على سدة الحكم تعتقل جماعة الحوثي عشرات الصحفيين، وسط مطالبات محلية ودولية من قبل نقابة الصحفيين اليمنيين بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، ومن أبرزهم الصحفي وحيد الصوفي، جلال الشرعبي، عبد الخالق عمران، توفيق المنصوري، حميد هشام طرموم، عصام بالغيب، أكرم الوليد، هشام اليوسفي، هيثم الشهاب، حسن عناب، علي أبو الحياء، بالإضافة إلى عدد من المصورين الذين تم اعتقالهم في محافظة الحديدة وأب وسط البلاد. وتقوم الجماعة في إطار ما تسميه المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي، بتضليل الرأي العام من خلال تلك المواقع والمؤسسات الإعلامية التي تسيطر عليها، كما تقوم الجماعة بقطع الإنترنت عن مناطق مختلفة في البلاد إلى جانب مراقبة كاملة لشبكات الاتصالات المحمولة والأرضي.
لقد قامت الجماعة بعمليات اقتحام لمقرات قنوات فضائية محسوبة على حزب الإصلاح، الذي أعلن دعمه وتأييده لغارات حلف "عاصفة الحزم"، وحجبت عدد من المواقع الإخبارية المناهضة لها من بينها موقع صحافة نت، اليمن الآن، يمن برس، المصدر أونلاين، مأرب برس، يمن، الأهالي نت، هنا عدن، يمن فويس، اليمن السعيد، إب برس، الصحوة نت، عمران نت، الإصلاح نت، إقليم عدن، البعث نت، اليمن الاتحادي، العين أونلاين، الفجر الجديد، شبوة الحدث، صعدة أونلاين، صوت الحرية، عدن الحقيقة، نشوان نيوز، عدن بوست، عين اليمن الإخبارية، المشهد اليمني، نبض الشارع، مراقبون برس، جورنال برس. كما تم حجب خدمات جوجل أدسنس وجوجل DFP لمنع المواقع من تحقيق أي عائدات مالية. ولكن لم يستطيع الحوثيين كم الأصوات اليمنية خارج اليمن.
إعلام الدولة في عهدة المليشيا
المشهد ليس معقداً اليوم. بعد أسابيع من اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء، بدأت جماعة الحوثي بالتغلغل إلى كل مؤسسات الدولة، وكان أولها وزارة الإعلام، حيث شرعت الجماعة في إقالة نائب وزير الإعلام، فؤاد الحميري، بعد أن تم إقتحام مكتبة وتعيين شخص آخر بدلاً منه بقوة السلاح، وواصل المسلحون الحوثيون مسلسل السيطرة على المؤسسات الإعلامية. ولم تكتف الجماعة بإحضاع كبرى المؤسسات الإعلامية الحكومية عبر سيطرتها على صحيفة "الثورة"، بل سيطرت الجماعة على قناتي اليمن وسبأ الفضائيتيين، وأغلقت بث قناة عدن، التي تخضع للسيطرة الكاملة من قبل جهاز التحكم المركزي في صنعاء، بالإضافة إلى سيطرتها على وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، وإذاعة كل من صنعاء والحديدة وإب، وصعدة، وعدن، وموقع وصحيفة الجيش اليمني 26 سبتمبر، وصحيفة 14 أكتوبر، وصحيفة الوحدوي، كما قاموا بالسيطرة على قنوات الإيمان ويمانيات والتعليمية. هكذا، أصبح الإعلام اليمني بأسره في قبضة الحوثيين.