لطالما كان الأمل المرجو من المصادقة على اتفاقيات حقوق الإنسان هو احترام حقوق الإنسان فعليًا على أرض الواقع من قبل الحكومات المصادقة عليها، والالتزام بها ضمن الدساتير الوطنية لهذه الدول؛ وقد تهافتت العديد من الدول النامية في السنوات الأخيرة للمصادقة على اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان المختلفة، لكن يبدو أن المصادقة على هذه الاتفاقيات من قبل الدول النامية غير الديمقراطية يكون لأهداف غير معلنة على الأرجح وبعيدة عن الهدف الأساسي المرجو من الدخول في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
تتجه الشركات للاستثمار في الدول النامية حيث تضعف حقوق العمال وتنخفض الأجور فيها بشكل كبير
تتجه الشركات العالمية للاستثمار في الدول النامية المصادِقة على معاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان بشكل كبير، والدلائل تشير إلى أن اتفاقيات حقوق الإنسان توفر مظلة آمنة وسمعة جيدة لهذه الشركات حتى تتمكن من الاستثمار في الدول النامية دون تحمل أي أعباء أو مسؤوليات لانتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل في هذه الدول.
اقرأ/ي أيضًا: ما الذي سيحدث إذا انسحبت كلينتون من الانتخابات؟
في دراسة شملت 182 دولة نامية منذ العام 1982 حتى 2011 تبين أن الاستثمار الأجنبي يُمنع في الدول التي تنتهك حقوق الإنسان لكن عند مصادقة هذه الدول على اتفاقيات حقوق الإنسان يصبح من السهل الاستثمار فيها، وذلك بالرغم من انتهاكات حقوق الإنسان الممارسة فعليًا على الأرض من قبل هذه الدول ومن قبل الشركات المُستثمِرة. حيث توفر أنظمة حقوق الإنسان سمعة جيدة للاستثمار في الدول التي وقعت وصادقت على أكثر من 3 اتفاقيات لحقوق الإنسان والتي تمارس في ذات الوقت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، أما أقل من ذلك فإنها تعتبر الأقل جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر، فشريطة جذب الاستثمار هو أن تشارك في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان لكن مشاركة غير كاملة.
حسب الدراسة التي قامت بها الباحثة آنا غاريغا وجدت أن هنالك علاقة قوية تربط بين الاستثمار الأجنبي المباشر والمصادقة على اتفاقيات حقوق الإنسان، حيث تهتم الشركات المستثمرة بسمعة الدولة التي ترغب الاستثمار فيها حتى لا تتعرض للحرج من الإعلام وتسلط الضوء على أعمالها التي تقوم بها على أراضي هذه الدول؛ ورغم ذلك فهي تبحث دائمًا للعمل في الدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان للتخفيف من التزاماتها ومسؤولياتها تجاه العاملين لديها، فاحترام الحقوق الاقتصادية على سبيل المثال بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات بالإضافة إلى ضمانات حقوق العمال والدخل المرتفع من الحقوق المنفرة للاستثمار، ولهذا السبب تتجه هذه الشركات للاستثمار في الدول النامية حيث تضعف حقوق العمال وتنخفض الأجور فيها بشكل كبير.
الاستقرار السياسي الذي تبحث عنه الشركات والذي تمتاز به كثير من الدول السلطوية، يضمن عدم تغيُّر الحكومات وعدم تغير شروط الاستثمار
اقرأ/ي أيضًا: المغرب..منع سلفي من الترشح للانتخابات
أما الاستقرار السياسي الذي تبحث عنه هذه الشركات والذي تمتاز فيه كثير من الدول ذات الأنظمة السلطوية، إنه يضمن عدم تغيُّر الحكومات وبالتالي عدم تغيير شروط الاستثمار وكم الفوائد العائدة عليها، علمًا بأن أغلب هذه الشركات تتدخل في السياسات الداخلية للدولة بالذات الدول غير الديمقراطية والفاسدة، حيث تكون العلاقة بين الحكومات والشركات المستثمرة علاقة تعاونية وليست تنافسية، ولضمان الاستثمار والحفاظ عليه تقوم هذه الحكومات بتبني سياسات قمعية ومستغلة كقمع المعارضة مثلا مع ضمان قوى عاملة منصاعة غير متمردة لإنماء اقتصادها، وزيادة شبكة المصالح التي تربط النخب في هذه الحكومات مع الشركات المستثمرة ومنافعها.
تعتبر المغرب على سبيل المثال من أكثر الدول النامية عربيًا جذبًا للاستثمار الأجنبي نظرًا للمحفزات التي اعتمدتها المملكة لجذب الاستثمار، "ومن أهمها: إعفاء المستثمرين من رسوم تسجيل عقود شراء الأراضي المعدة لإنجاز مشروع استثماري، واعتماد نسبة 2-5% كرسوم على عقود شراء الأراضي. كما تتمتع الشركات بإعفاء تام من رسوم الدخل خلال السنوات الأولى من عمل الشركة، إضافة إلى تخفيض 50% عن الضريبة بعد خمس سنوات من تأسيس الشركة (الصغيرة والمتوسطة). كذلك، تسعى المملكة إلى حماية الاستثمارات وضمان حرية تحويل الأموال، والتشديد على عدم التمييز بين المستثمرين الأجانب والمغاربة. أضف إلى ذلك منح امتيازات ضريبية للمشاريع التي تفوق قيمتها 24 مليون دولار". (راجع/ي هنا).
جميع هذه المحفزات لا قيمة لها إذا كانت الدولة ذات سمعة سيئة في احترامها لحقوق الإنسان وتعرض الشركات الأجنبية المستثمرة للهجوم الإعلامي والحقوقي بالذات من مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية، لذلك عمدت المغرب في السنوات الأخيرة إلى المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بالرغم من انتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل باستمرار على أرض الواقع، لتحفز الاستثمار وتعطي لنفسها سمعة جيدة بنيتها في تغيير واقع حقوق الإنسان في بلادها، لكن على سبيل المثال لا الحصر رغم توقيعها على اتفاقية مناهضة التعذيب إلا أنها ما زالت تمارسه في سجونها بشكل مضطرد في الآونة الأخيرة، فلماذا المصادقة دون نية الالتزام إذن؟
إن حماية حقوق الإنسان والالتزام بها يقع على عاتق الدولة فقط، فالدولة هي وحدها القادرة على الالتزام بهذه الحقوق من خلال تقنينها في الدستور والقوانين الداخلية، ووضع سياسات وآليات إنفاذ هذه القوانين، بالإضافة إلى وضع عقوبات في حال عدم الالتزام بها، وهنا يكون الانضمام للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذا فاعلية. لكن دون قيام الدولة بالمأسسة لمنظومة حقوق الإنسان ونية حقيقية لإنفاذها يكون الانضمام للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذا أثر سلبي وغطاء لانتهاك لحقوق الإنسان بشكل أكبر، علمًا بأن الدولة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في دولتها وهي المسؤولة عن حمايتها والالتزام بها.
اقرأ/ي أيضًا: