مع انتهاء مونديال قطر 2022 أعلن اتحاد الكرة البلجيكي رحيل مدرب المنتخب روبرتو مارتينيز عن الفريق. جاء ذلك بعدما ودع رفقاء كيفن دي بروين المونديال من الدور الأول، ثُم بعدها اتخذ الاتحاد البلجيكي خطوةً عُدت مفاجئة على الأوساط الرياضية.
فتح الاتحاد البلجيكي في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2022 باب تلقي الطلبات لاختيار المدير الفني الجديد، وتم غلق الباب في 10 يناير/ كانون الثاني 2023، ليعن تولي الشاب ابن الـ 37 عامًا، دومينيكو تدسيكو تولي المهمة.
كان الإعلان عن تولي تدسيكو غريبًا بعض الشيء، خاصةً أن الشاب الألماني لم يفز طيلة مسيرته القصيرة سوى بلقبٍ واحد فقط رفقة فريق لايبزج الألماني، وهو كأس ألمانيا، لكن الأكثر غرابة، وهو ما أثار فضولنا هي الطريقة التي تم اختياره بها، ما جعلنا نتساءل عن كيفية حصول المدربين على وظائفهم في عصر عولمة كرة القدم؟
عملية فوضوية
" أنا أعرف ما تفعله هنا…"" وأنا أيضًا أعرف ما تفعله هنا.." هكذا جاء الرد
وفقًا لصحيفة " ذا أثليتك" دار الحوار أعلاه بين مديرين فنيين ذهبا للتقدم لوظيفة المدير الفني في أحد أندية الدوري الإنجليزي، كلاهما ذهب رفقة مساعد خاص وجهاز كمبيوتر محمول، وقدم كل منهما عرضًا أمام مسؤولي النادي، انتهى الأمر بعدم اختيارهما للوظيفة، لكن وفقًا لـ "ستيورت جيمس" محرر " ذا أثليتك " على الأقل حاولا المدربان الحصول على فرصة أفضل.
يرى إيان هولواي، وهو مدرب إنجليزي درب في الدرجات الأربعة الأولى في الدوري الإنجليزي، أن عمليات تعيين المدربين والمديرين الرياضيين فوضوية، بل تصل لحد الكارثة أحيانًا كثيرة، وضرب مثالاً بعودة روي هودجسون إلى كريستال بالاس نهاية الموسم الماضي في الدوري الإنجليزي، وهو الرجل الذي تخطى الـ 75 عام. بالرغم من كل ذلك يحاول صناع القرار في الأندية محاولة فرض بعض النظام على عملية اختيار المدربين.
عصر تفشي الداتا: مراقبة مستمرة
لا يخفى على الجميع الدور التي باتت تلعبه البيانات في كرة القدم الحديثة، حيثُ أصبحت أحد أعمدة معظم فرق العالم، وسلاح رئيسي يستخدمه المدربون لمساعدتهم في عملية التدريب واختيار الخطة المثلى للفريق، وغيرها من أدوار كثيرة.
أصبحت البيانات تلعب دورًا محوريًا في اختيار الأندية للاعبين وكذا المدربين. يقول عمر تشودري، كبير مسؤولي الاستخبارات في شركة Twenty First Group وهي شركة تقدم خدمات استشارية وتقنية للأندية:
" لقد انفجر الاعتماد على البيانات في اختيار المدربين خلال العامين أو الثلاثة الماضيين، لقد شاركنا هذا الصيف فقط في اختيار أكثر من نصف المدربين الذين وقعوا لأندية في الدوري الإنجليزي، هذا بخلاف عمليات المراقبة المستمرة لعدد كبير جدًا من المدربين."
يرى شودري أن عملية المراقبة المستمرة كما يُسميها، تتيح للأندية التخطيط الجيد للمدير الفني القادم دون أي لغط كما كان يحدث في الماضي، حينما كان يرتبط اسم ناد ما ببعض المدربين المحتملين للفريق، ولا يزال المدير الفني الحالي على رأس الفريق، وهو ما يؤثر بكل تأكيد عليه وعلى الفريق في الفترة الحالية.
يُشير شودري إلى أهمية قواعد البيانات في هذه العملية، والتي أتاحت للأندية مراقبة عدد كبير من المدربين دون حدوث أية ضجة تُذكر، بل والأهم هو معرفة هل يتناسب هؤلاء المدربين مع فلسفة لعب النادي، ومع موارده كذلك، وطريقة تعاملهم مع اللاعبين الشباب، ثم تحديد أفضل اختيارات، ثم الذهاب إلى المرحلة الأخيرة، وهي مفاوضة هؤلاء المدربين للقدوم إلى الفريق.
برايتون يخبرك كيف تُدار الأمور؟
أقرب الأمثلة فيما تحدث عنه تشودري هو فريق برايتون الإنجليزي بكل تأكيد، فمن الصعب عدم الاعجاب بالسلاسة التي تعامل بها الفريق بعد انتقال مدربهم السابق جراهام بوتر إلى فريق تشيلسي، ثم اختيار المدرب الإيطالي روبرتو دي زربي خلفًا له.
يتحدث تشودري عن دور شركة Twenty First Group في هذا الأمر، فالشركة كانت تمتلك ملفًا خاصًا للرجل الإيطالي، وتم تقديمه بالفعل لمسؤولي نادي برايتون.
يحتوي الملف مع بعض البيانات التي أكدت مدى ملائمة روبرتو للفريق الإنجليزي، مثل نسقه المرتفع في أول 6- 12 شهرًا مع كل الأندية التي دربها، وكذلك تقدم الفرق التي دربها في جدول ترتيب الدوري تدريجيًا، هذا بالإضافة إلى نوعية لعبه الاستحواذ، وهي مماثلة لما كان يقدمه غراهام بوتر مع الفريق.
يتحدث تشودري عن كيف يمكن للبيانات توجيه الأندية، وتسريع عملية اختيار المدربين، بجانب الطرق التقليدية الأخرى، مثل المقابلات الشخصية للأندية مع المدربين لتحديد مدى توافقها مع معايير النادي.
كلٌ على حسب شهرته
تختلف أماكن وطرق هذه المقابلات الشخصية للأندية مع المدربين المحتملين للفريق. تُقام هذه المقابلات في مقرات الأندية، أو في أحد المطاعم، أو أحد الفنادق الخاصة، وربما تُقام على متن طائرة في جزيرة معزولة في المحيط؛ إذا كان اسم المدرب له ثقله في عالم التدريب.
يتحدث إيان هولواي، وهو مدرب إنجليزي درب في الدرجات الأربعة الأولى في الدوري الإنجليزي، عن أن الحديث الذي يدور في هذه المقابلات يختلف باختلاف شهرة المدرب، فإذا كان هذا المدرب هو بيب جوارديولا، وجوزيه مورينيو، فمن غير المتوقع سؤاله عن فلسفته التدريبية، أو أساليب اللعب، بل تدور الأسئلة عن ثقافته الشخصية، ومدى تطابقه مع أجواء المدينة، والنادي الذي يدربه.
أما إن كان ذلك المدرب صاحب اسم صغير، فسيتم سؤاله عن خطط اللعب، ومطالبته بشرح نموذج تفصيلي لطريقة لعبه، والطريقة المتوقعة له مع الفريق. يرى إيان أنه في الغالب الأمر يقع على عاتق وكيل المدرب، وهو المسؤول عن توضيح معظم هذه الأمور لإدارة النادي مسبقًا، قبل حتى اللقاء الشخصي.
طي الكتمان
تُحب الأندية في الغالب أن يكون مفاوضاتها مع المدربين طي الكتمان، حتى إذا فشلت هذه المفاوضات لسببٍ ما، فلا تُعيق هذه الخطوة التفاوض مع مدرب آخر، أو نفور الخيارات المتبقية بسبب أنهم علموا أنهم كانوا الاختيار رقم 2 أو 3.
يرى تشودري أن البيانات والسير الذاتية التي تُعدها شركات الإحصائيات حلت كل هذه التعقيدات، بل أصبحت بمثابة نور مضيء في الغرف المغلقة لمجالس إدارات الأندية، بعدما كانت تُقام هذه العملية في الظلام الدامس.