استغل النظام الأمني المصري، حادثة تفجير الكاتدرائية البطرسية، لما يخدم مصلحته. فهو بعد إعلانه على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "منفذ تفجير الكنيسة شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، ويدعى محمود شفيق محمد مصطفى ومعه 3 شباب وسيدة"، برز الأمر وكأنها "بطولة" حققها جهاز الاستخبارات لدعم مواقف النظام ورجال أمنه. وهو ما كان ظاهرًا بشكل معلن، في "الماكينة" الإعلامية، التابعة له.
يستغل النظام حادثة تفجير الكاتدرائية البطرسية لمصلحته ولإطلاق المحاكمات العسكرية مجددًا والعمل بقانون الطوارئ
إذ أطل، أحمد موسى، المذيع المقرب من السيسي، بهاشتاغ على "تويتر": "نعم للمحاكمات العسكرية"، حيث استخدمه مرتين. الأولى، إثر اغتيال عميد أركان الحرب عادل رجائي، داعيًا إلى "المحاكمات العسكرية للقتلة"، الذين قاموا بتصفيته في تشرين الأول/أكتوبر الماضي من هذا العام والمرة الثانية، كانت فور حادثة تفجير الكنيسة.
اقرأ/ي أيضًا: من فجر الكنيسة البطرسية؟.. سؤال وثلاث إجابات
وبعد أن تحول الهاشتاغ إلى "ترند"، الأكثر تداولًا على "تويتر"، ومحتلًا المركز الثالث، تركزت الدعوات عبره بـ"التمسك بالسيسي كرئيس"، و"ضرورة محاكمة المدنيين محاكمات عسكرية"، وظهرت دعوات أخرى بالبرلمان من قبل بعض الأعضاء مطالبة بـ"فرض حالة الطوارئ"، هذا ما تحاول "ماكينة" السيسي فرضه على الرأي العام والتأثير عليهم في هذا الاتجاه.
والجدير بالذكر أن قانون الطوارئ في مصر كان من أكثر القوانين المثيرة للجدل. ففي ظله تتسع سلطة الشرطة، ويتم تعليق الحقوق الدستورية وفرض السلطات الرقابية. ويقيد قانون الطوارئ النشطاء السياسيين، والمظاهرات في الشوارع، والمنظمات السياسية غير المعلنة، ومنع التبرعات المالية غير المسجلة. ويُعد إلغاء قانون الطوارئ أحد مكتسبات ثورة 25 يناير، وحاول المجلس العسكري إعادته إلى أن تم إيقاف العمل به في 31 آيار/مايو 2012. ولكن الرئيس المؤقت عدلي منصور أعاده في العام التالي بعد أحداث 30 يونيو.
وتتخوف منظمات حقوقية ومدنية من توسيع نطاق المحاكمات العسكرية للمدنيين، وما يصاحبها من إجراءات قسرية تنتهك حقوق الإنسان. وشككت في محاولة النظام الاصطياد في الماء العكر و"استغلال السياق العام من الأحداث لتمرير القانون وتوسيع المحاكمات العسكرية".
اقرأ/ي أيضًا: "حسم".. كلمة السر في إرهاب شارع "الهرم"
ويفتقد النظام المصري تمامًا إلى الجدية في التحقيقات وذلك بسبب سجله الحافل بالتحقيقات غير الجادة وأول ما يظهر في ذاكرة المصريين، ما حدث على خلفية قضية الباحث الإيطالي، الذي عُثر عليه مقتولًا في مصر في أحد الطرق الصحراوية جوليو ريجيني، والذي قامت السلطات بتصفية خمسة من المدنيين إثر مصرعه، مدعية أنهم عصابة تخصصت في قتل المدنيين وسرقتهم، عارضة على الرأي العام بعض متعلقات ريجيني كدليل ولكن التحقيقات التي أصر الجانب الإيطالي على سيرها بجدية نفت أن يكون لهؤلاء الخمسة أي علاقة بمقتله.
أحد القضايا الشبيهة أيضًا، هي قضية تفجيرات كنيسة القديسين في الإسكندرية، التي ادعت فيها السلطات وقتها أن القاتل هو سيد بلال، والذي تم تعذيبه في أقبية أمن الدولة وتسليمه إلى ذويه جثة هامدة بعد يوم واحد من اعتقاله. وتعرضت أسرته إلى ضغوط أمنية للتنازل عن البلاغات التي تم تقديمها للنيابة بخصوص واقعة تعذيب ابنهم، وهي التي تنفي أي علاقة له بتفجيرات الكنيسة. وتم إغلاق ملف تفجيرات كنيسة القديسين دون الوصول إلى دليل عملي واحد على الجاني الحقيقي.
سخر مستخدمون على "تويتر" من رواية النظام وأطلقوا هاشتاغ #محمود_شفيق_محمد_مصطفى
أما بالنسبة للقضية الحالية فتتباين الأقاويل حول هوية الجاني، وهو ما دعا البعض للتشكيك في حقيقة أن يكون هو محمود شفيق محمد مصطفى، الذي حوله نشطاء على "تويتر" إلى هاشتاغ ساخر من رواية الأمن حول التفجيرات. وتعرض النشطاء على هذا الهاشتاغ إلى أن لا تطابق بين محمود شفيق والجثة التي تم "تجميع" رأسها وإظهارها للرأي العام على أنها جثة مرتكب التفجير.
وآخرون يشيرون إلى "نفي شقيقة محمود"، أن تكون هذه الرأس لأخيها وأنه أصلًا مقيم خارج البلاد. وهناك تخوف كبير من حقوقيين ومواطنيين عاديين من أن تمر هذه القضية أيضًا من دون تحقيقات حقيقية، ويتم إغلاق الملف كما أغلقت ملفات عديدة من قبل، بعد أن "تهلهلت" رواية الأمن فيها.
اقرأ/ي أيضًا: