اعتاد متابعو كرة القدم العرب تحديدًا على إطلاق اسم "حمدون" على أي مشجع للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو صاحب لقب "الدون" في سياق جمل تهكمية كـ "حمدون عاشق الدون". الأمر نفسه الذي ينطبق على النجم الأرجنتيني ميسي فيكون الاسم هنا "عبسي".
ولكن لمَ نال هذان اللاعبان تحديدًا ما لم ينله غيرهما؟ فبات لهما مشجعون يرحلون معهما أينما رحلوا، وكأنهم فرق ومنتخبات متنقلة! وما الذي يميّز رونالدو عن ميسي؟
أفضل من ساعد رونالدو على الوصول إلى ما هو فيه هو ميسي والعكس صحيح
الطفل الباكي
شخصيًا بدأت متابعة كرة القدم مع بداية الألفية الجديدة بتشجيع إيطاليا على صعيد المنتخبات، وريال مدريد على صعيد الأندية. لكن اللاعب البرتغالي لفت انتباهي، رغم كونه لاعبًا لفريق ومنتخب منافسَين، تحديدًا في بطولة يورو 2004، قبل أكثر من 18 عامًا، حين شاهدت وشاهد العالم جميعه بكاء ابن الـ19 ربيعًا، بعد خسارة منتخبه نهائي واحدة من أجمل بطولات اليورو إن لم تكن أجملها، على الأقل في العقدين الأخيرين.
بكى كريستيانو رونالدو اللاعب الصاعد إلى النجومية آنذاك من بوابة مانشستر يونايتد مطولًا، ولم يكن ذلك غريبًا عنه، فقد أُطلق عليه في طفولته لقب "الطفل الباكي" حسبما قال صديق طفولته لموقع Goal ريكاردو سانتوس: "كنا نطلق على رونالدو لقب الطفل الباكي، لأنه دائمًا ما كان يحب الفوز، وحينما يخسر كان يبكي".
بكى رونالدو مجددا في 21 أيار/مايو 2008، ولكن هذا المرة فرحًا بالفوز بدوري أبطال أوروبا، لينال بعدها جائزة الكرة الذهبية الأولى في مسيرته، متوجًا موسمًا استثنائيًا.
اعتاد الناس على النظر إلى كثيري البكاء بأنهم "مدللين" و"مدلّعين" وغيرها من الصفات التي تدل على طفولة تعبّر عن ثراء الأهل، ولكن هل كان رونالدو مدللًا في طفولته فعلا؟
طفولة بائسة.. وبداية التحديات
وُلد كريستيانو في فونشال بجزيرة ماديرا البرتغالية عام 1985 لعائلة غارقة في الفقر والبؤس، كان والده مدمنًا على شرب الكحول، الإدمان الذي أودى بحياته قبل أن يرى نجاحات ابنه لاحقًا. أمّا أمّه فلم ترغب بإنجابه، بل وحاولت إجهاضه، لكن القدر منعها حرماننا من المتعة.
ظهر حب رونالدو منذ طفولته لكرة القدم، فلعب مع فريق محلي كان والده موظفا فيه، وأهمل دراسته بتساهل من عائلته الفقيرة، على أمل انتشالها مما هي فيه، ولم تُعِقه هزالة جسده ونقص تغذيته عن التميّز، بفضل التدريبات المكثفة.
ولانتشال عائلته مما هم فيه؛ انتقل رونالدو إلى العاصمة لشبونة وهو بعمر 12 عامًا فقط، للانضمام إلى ناديها الأشهر سبورتينغ، ليبدأ هناك مقارعة الظروف ويتعلم معنى النجاح بعد الفشل. عائقه الأول في العاصمة البرتغالية كان يمكن أن يكون الأخير، إثر تعرضه لأزمة صحية أجبرته على القيام بعملية جراحية تعالج تسارع نبضاته قلبه، كُللت بالنجاح، ونقلته للعائق الثاني بعد استدعائه ليتدرب مع الفريق الأول، ولكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، فكتب مدرب الفريق الروماني لاسزلو بولوني آنذاك بعد عدة حصص تدريبية تقريرًا مخيبا باللاعب الواعد، ذاكرًا أهم نقاط ضعفه بما يلي: "قدرة هوائية محدودة"، ضعف بدني، يفتقر إلى التركيز..." الأمور التي تميز بها رونالدو لاحقًا بعد تدريبات مكثفة وإصرار لافت.
الصعود إلى القمة
بعد تألقه في سبورتينغ لشبونة، تداعت أحجار دومينو النجاح لنجم ماديرا، متنقلا ما بين مانشستر يونايتد الإنجليزي، وريال مدريد الإسباني، ويوفنتوس الإيطالي، ومحققًا معهم ومعه منتخب بلاده الأمجاد الكروية والثراء بطبيعة الحال.
فعلى صعيد الثروة كان "الدون" أول لاعب كرة قدم ينال صفة ملياردير في منتصف 2020، وعلى الصعيد الكرة حقق أحدث أرقامه القياسية ـالكثيرة جداـ في آخر مباراة له مع يونايتد، بعد إحرازه 3 أهداف جعلت فريقه يفوز على منافس مباشر في الدوري الإنجليزي، وكانت أفضل رد على الانتقادات التي طالته مؤخرًا، وأحرجت مدربه الذي استبعده من تشكيلة المباراة السابقة مع جاره اللدود مان سيتي، فأثبتت خطأ قراره، ووضعته على عرش أفضل هدافي الفرق والمنتخبات بـ 807 هدفًا.
الفرق بين رونالدو وميسي
أي متابع لكرة القدم لا يمكنه إنكار تربّع هاتين الأسطورتين على عرش الكرة، وأي مشجع منصف لأحد اللاعبين دون الآخر لا يمكنه إنكار التاريخ الذي سطّره اللاعب الآخر، فاللاعبان صنعا ما لم يصنعه أي لاعب قبلهما، وسيطرا لوحدهما على لقب الأفضل في العالم لعقد كامل، وحققا أرقامًا يصعب على غيرهما تخطيها.
يرى كثيرون وأنا منهم أن أفضل من ساعد رونالدو على الوصول إلى ما هو فيه هو ميسي، والعكس صحيح. فالتنافس الدائم بينهما وخاصة فترة وجودهما في ناديي ريال مدريد وبرشلونة، ساهم برفع سويتهما وإبقائهما بحالة استنفار دائم لنيل لقب الأفضل.
على مدى السنوات الماضية ساد الجدل البيزنطي في المناقشات الجانبية للمتابعين، من الأفضل؟ ميسي صاحب الكرات الذهبية السبع، وصانع مجد برشلونة الحديث، أم رونالدو صاحب الكرات الخمس، وصانع مجد مدريد في العشرية الأخيرة، وصاحب الأرقام القياسية في معظم البطولات التي لعبها؟
جدال ومقارنات لا تنتهي، ولكن الشغف والإصرار على تجاوز العقبات وعدم الرضا إلا بالنجاح كلها ميزات جعلت رونالدو صاحب الموهبة العادية، ينافس ويتخطى في كثير من الأحيان أحد أهم المواهب الفطرية في تاريخ الكرة، فكانت موهبته ذهنية، ساعدته على الاستمرار بالتألق ولفت الأنظار حتى الآن وهو بعمر الـ37 عامًا.