لم يكن "حزب الله" موفقًا هذه المرة. استعراضه الأخير على أرض القصير المحتلة جاء من باب الضعف. ليس بقدرة "ميليشيا"، من وزن هذا الحزب، المقارعة خارج أدبياته المذهبية. فالرحلة السورية، التي خاضها قتلًا وتدميرًا وتهجيرًا، توّجها في استعراض عسكري مبتذل ومليء بالأحقاد. يشبه إلى حد ما سلوكيات عناصره، الذين لم يتبرؤوا يومًا من قتل أطفال سوريا، وبالوقوف في الصف الأول من جبهة الدكتاتور بشار الأسد.
استعرض حزب الله جيشه النظامي في سوريا ومدرعاته التي يقتل بها السوريين
خضوع "حزب الله" للضعف، دفعه إلى "استعراض" يتيم، على أرض أبرياء. سرق أرضهم وأحرقها بترسانته، التي كان من المفترض توجيهها إلى إسرائيل. أوليست إسرائيل عدوة المقاومة؟ أم أن مقاومة الشعب السوري وذبحه هي أولوية "حزب إيران"؟. الأسئلة مكررة، ولا جديد فيها. لكن الصورة المسربة من القصير تظهر مشاركة مئات من مقاتلي الحزب، في عرض بمناسبة "يوم الشهيد" (قتلى الحزب في سوريا هم شهداء؟) يحمل أسئلة عديدة، عن التوقيت والمكان اللذين استخدمهما حزب الله، لإيصال رسائل إلى الداخل اللبناني قبل خارجه.
اقرأ/ي أيضًا: معركة حلب.. رهان حزب الله الأخير
فمع "تعثر" تشكيل حكومة سعد الحريري، لن يكون استعراض الحزب، خارجًا عن الدلالة، ولا حيثياته غير مرتبطة مع وصول الجنرال ميشال عون إلى سدَة الرئاسة. اتفق الرجلان، على أن يكون البيان الوزاري، في خطوطه العريضة، "تحييد لبنان عن الأزمة السورية". وبالطبع ما استعرضه الحزب، سيكون متساو مع دلالة الزيارة، التي قام بها ممثل الأسد إلى عون للمباركة بالعهد الجديد، الذي صدّق لـ"حزب الله" (إيرانيًا) بأنه الفائز فيه، لا بل يمكن الجزم بأنه "ولي الفقيه" على كرسي المارونية السياسية.
خطورة الموقف، ليس في الاستعراض "المقيت"، فهو مشابه ويومي، لمجازر الحزب المرتكبة بحق الشعب السوري، بل في زج شبان من الطائفة الشيعية، في هذه الاستعراض، وما سيتركه من آثار عميقة. فالقصير لها دلالتها في الثورة السورية، ولها ارتباط "عاطفي" مع سنّة لبنان، وهذا "الرقص" فوق الجثث، والتباهي به، لن يكون إلا إضافة لارتهان الحزب مع سياسة "الحشد الشعبي" وتنسيقية "الحرس الثوري"، واتباعًا أعمى لسياسة إلغائية-مذهبية، لن تثمر للحزب سوى الضعف والتراجع والهزيمة.
يحمل استعراض حزب الله دلالات تتزامن مع تشكيل حكومة الزعيم السني سعد الحريري
وفي الصور، استعراض متكامل، نفّذته ألوية أنشئت حديثًا وتتبع لـ"فوج المدرعات"، وعناصر مشاة يتبعون لـ"قوات التدخل" التي تشارك في القتال السوري. وشوهدت في العرض دبابات وناقلات جند ومدفعية ميدان وسيارات تحمل قاذفات ثقيلة، ما يعني انتقال "حزب الله" في عمله العسكري من أسلوب "العصابات" إلى أسلوب الجيوش النظامية، وكأنه عابر أيضًا للحدود. وتأكيد لما ردده على الدوام حسن نصر الله، أنه لن يعود إلى لبنان إلا منتصرًا في سوريا. ولوحظ في الصور المنتشرة وجود دبابات أمريكية في العرض. وتمثّل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في هذا العرض، برئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، الذي تناول في كلمته مواضـيع سـياسية وعسكرية تتعلق بسوريا.
وقوبلت هذه الصور بردود فعل. أبرزها من وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللواء أشرف ريفي، الذي غرد عبر "تويتر" وقال: "استعراض حزب الله في القصير، قبل عيد الاستقلال، يطيح ما بني من آمال حول قدرة أو نية العهد استعادة ولو جزء بسيط من هيبة الدولة وصورتها. حزب الله يستعرض قوته العسكرية بشكل سافر في سوريا المحتلة، مستفيدًا من غطاء خطاب القسم، الذي شرع له مفهوم الأمن الاستباقي. ماذا سيقول الرئيس القوي للبنانيين، عن ميليشيا مسلحة تحولت إلى جيش يشارك في احتلال سوريا واقتسامها وقتل أهلها؟". وأضاف: "لبنان أصبح في المكان الخطر. ماذا سيقول الرئيس الذي أقسم على حماية الدستور، وحفظ لبنان وسيادته ومؤسساته وحماية حدوده؟".
اقرأ/ي أيضًا: مضايا.. بازار حزب الله
أما منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، فقال في سلسلة تغريدات إنه "بعد أن اقتنعت القوى السياسية بالتعامل مع حزب الله بوصفه الوصي على لبنان بدلًا من الدستور وتنتظر حصتها في السلطة، يستعرض الحزب في القصير". مؤكدًا أن استعراض الحزب جاء في "ظل صمت لبناني مطبق يؤكد أنه الحاكم المطلق بعد أن دجّن معظم القوى السياسية بالترهيب أو بالترغيب. حمى الله لبنان".
ردود فعل استهجنت استعراض حزب الله على أرض القصير ووصفتها بـ"الاستفزازية"
ولم تنته ردود الفعل عند السياسيين، بل أيضًا توزعت الآراء والتعليقات على مواقع الـ"سوشيال ميديا"، حيث دوّن البعض استنكارًا لما يفعله الحزب، واعتبر الاستعراض "استفزازيًا". ولم تعد رسالة الحزب، وفق مغردين، سوى "القتل والتبجح في ذبح السوريين". ونال الحزب، تعليقات غاضبة من ناشطين سوريين، عبروا عن سخطهم من استخدام "احتلال الأراضي" إلى "ادعاء نصر"، سائلين، عن "بوصلة الحزب"، التي يبدو شعارها هو "طريق القدس يمر من القصير".
وكان الحزب أوقف استعراضاته العسكرية في الضاحية الجنوبية أو في البقاع الشمالي بعد سلسلة التفجيرات الانتحارية التي وقعت بعد الثورة السورية. واكتفى بإقامة احتفالات صغيرة بسبب المخاوف الأمنية من أي استهداف قبل أن يعود هذه السنة في ذكرى عاشوراء إلى استعراض قواه الشعبية في شوارع الضاحية والذي ترافق مع إطلالة شخصية لنصر الله. ولم يصدر الحزب أي بيان رسمي بشأن صور الاستعراض، التي رجح كثر أن يكون خلف تسريبها لإيصال رسائل مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: