تنتمي الثّقافة الأمازيغية إلى عائلة الثّقافات الأموسية، التي تمنح للأمّ دورًا محوريًا في الحياة الأسرية. وتكفي إطلالة بسيطة على الفضاء الأمازيغيّ لإدراك تجلّيات هذا الدّور. فالمرأة الأمازيغية تُشرف على عمليات جني الزّيتون والاعتناء بالبستان وطلاء البيت وتشكيل أواني الفخّار وجلب الحطب وتوفير مؤونة البيت واستقبال الضّيوف، إلى درجة أنّه يُقال عن الضّيف، في بعض المناطق الأمازيغية الجنوبية، إنّه ضيف فلانة لا فلان، نسبةً إلى صاحبة البيت.
تلعب المرأة في الثقافة الأمازيغية دورًا محوريًا في الحياة الاجتماعية. وسمح ذلك ببزوغ نجم نساء أمازيغيات في فضاء الزعامة والقيادة
سمح هذا المخيال الماتريركي للمرأة الأمازيغية تاريخيًا، بأن تكون ملكةً مثل "تينهينان" التي حكمت ثلث القارّة الأفريقية في القرن الخامس الميلادي، وزعيمةَ قبائلَ مثل "ديهيا" المعروفة بالكاهنة في القرن السّابع الميلادي، ووليّة صالحة مثل "يمّا غورايا" في منطقة بجاية، وقائدةً عسكريةً مثل "لالّة فاطمة نسومر" في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، وفنّانة مثل نّا شريفة وكاتبة مثل طاوس عمروش في القرن العشرين.
غير أنّ هناك مفارقة صارخة تُواجهنا حين نقارن قوّة هذا الحضور التّاريخيّ للمرأة الأمازيغية بكونها محرومةً من أن تأخذ نصيبها من الإرث، مثلما يحظى به أخوها مثلًا. وإن طالبت به، فهي تعزل نفسها من النّسيج العائلي، الذي يقاطعها في العادة ويعتبرها عاقّةً وخارجةً عن رابطة الدم.
في قرية بني منصور التّابعة لولاية بجاية، حيّا أالترا صوت" جمعًا من النّساء الأمازيغيات، وسألهنّ إن كانت فيهنّ من أخذت نصيبها من الإرث، سواء كانت زوجة أو بنتًا أو أختًا، فأثار فيهنّ السّؤال موجة من الاستغراب.
قالت إحداهنّ: "ما الدّاعي إلى أن نرث ونحن مكفولات من كلّ الجوانب؟ هذا عيب وعار في أعرافنا". سألنا: "هل هي أعراف منصفة؟ ما معنى أن يرث الرّجل وتُحرم المرأة؟". ردّت شابّة في الثلاثينات من العمر، ظهر في ما بعد أنّها عاملة في البريد والمواصلات، وقالت إنّ الأمر يرقى إلى مصافّ التّابو داخل المجتمع الأمازيغي، "فالمرأة التي تطالب أهلها بنصيبها من الميراث يُقاطعونها ويعتبرونها عديمة الصّلة بهم، خاصّة الإخوة والأعمام"، مضيفةً: "أمام هذا المصير المؤلم في نظر المرأة الأمازيغية تضطرّ إلى الصّمت المطبق".
انسحبنا من الجمع النّسوي، فكان ذلك فرصة لفتح الموضوع للنّقاش بينهنّ، بما يوحي أن هناك أصواتًا نسائية بدأت تخرج من دائرة التحفّظ وتطالب بحقّ المرأة في الميراث، كما ينصّ عليه القانون الجزائريّ المقتبس من الشّريعة الإسلامية، في شقّه المتعلّق بالأحوال الشّخصية.
وهذا ما أقدمت عليه وهيبة في مدينة آقبو، التي قالت لـ"ألترا صوت"، إنها طالبت إخوتها الثلاثة بعد وفاة الوالد عام 2007، بنصيبها من تركته، "فأنكروا عليّ ذلك واعتبروه وقاحة منّي. فلمّا اصطدموا بإصراري، راحوا يرسلون لي الأخوال والأعمام ليثنوني عن الأمر، لكنني رفعت عليهم دعوى قضائية وأخذت نصيبي".
تقول وهيبة التي تدرّس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية، إنها لم تهضم كون الرّجل الأمازيغيّ من أكثر الرجال تمسّكًا بتعاليم الدين الإسلامي، فهو خرّيج الزّوايا القرآنية، لكنه في مجال الميراث يخرج عن تلك التّعاليم: "لقد قلت لإخوتي إنهم إذا كانوا يربطون انتمائي إليهم بالتفريط في حقوقي، فأنا لا أنتمي إليهم".
ونقل "الترا صوت" هذه المفارقة إلى الباحث في التصوّف الإسلامي سعيد جاب الخير، والذي قال إن جذور الظاهرة تعود إلى عام 1748، حيث اجتمعت نخبة من القبائل الأمازيغية، وأصدرت وثيقة تقضي بحرمان المرأة من الميراث، حتى لا يذهب نصيبها من الأرض إلى زوجها التّركي، "لأن العثمانيين الذين دخلوا إلى الجزائر مطلع القرن السّادس عشر واجهوا تمنّع الأمازيغ عن بيع أراضيهم لهم، فاهتدوا إلى حيلة الزّواج من الأمازيغيات".
وأكّد الباحث محند سوكي، في ملتقى عن الموضوع نفسه ضمّته جامعة تيزي وزّو، أنه تمّ تجديد الوثيقة عام 1768، غير أن المبادرة لقيت معارضة من بعض الأعيان بحجّة أنّها تخالف الشّرع الإسلامي. حيث هاجر بسبب ذلك العالم وشيخ الطريقة الرّحمانية في المنطقة، المهدي السكلاوي، رفقة 400 عائلة إلى الشّام.
بدأ منع المرأة الأمازيغية من الميرات في منتصف القرن الثامن عشر، وذلك كي لا يذهب نصيبها من الأرض إلى زوجها التركي
من هنا، يرى الطالب الجامعي رمضان بوفنار، أن السّياق التّاريخيّ، الذي أفرز هذا الحكم، انتفى تمامًا، "وعلى المنظومتين الدّينية والاجتماعية في المناطق الأمازيغية، التي كانت محلّ أطماع العثمانيين أن تُبادر إلى إلغائه، والعودة إلى العمل بما كان قبله، حتى يتمّ رفع الغبن عن النساء". ويختم بالقول: "لقد بات استمرار العمل بالوثيقة رغم انتفاء دواعيها الإستراتيجية، نوعًا من الابتزاز والتعسّف الذّكوريين".