تعد موريتانيا واحدة من البلدان القلائل في العالم التي لا تزال تشهد إلى الآن ظاهرة العبودية بشكلها البدائي، رغم كل الانتقادات الدولية وجهود المنظمات الحقوقية، مما يثير السؤال حول سر تجذر هذه الظاهرة في النسيج الموريتاني.
تقدر جماعات الحقوق المحلية في موريتانيا أن ما يصل إلى 20% من السكان مستعبدين
وتقدر جماعات الحقوق المحلية أن ما يصل إلى 20% من السكان مستعبدين، حيث يُجبر واحد من كل اثنين من طبقة الحراطين على العمل في المزارع أو في البيوت دون أي إمكانية للحرية أو الحصول على التعليم أو الأجر، ويؤكد ذلك أيضا تقرير الإدارة الأمريكية لسنة 2016 بشأن موريتانيا، الذي يقول إن "خبراء محليين ودوليين متفقون على أن العبودية الموروثة ما زالت متجذرة في الأرياف والمدن في هذه البلاد"، مُضيفًا: "منذ أجيال تعاقبت وعائلات الأسياد تستغل ضحايا العبودية الموروثة للعمل في رعي البقر والخدمة المنزلية دون أجر".
في الواقع، فإن لدى هذه الدولة الصحراوية تاريخًا عريقًا مع الرق في شمال أفريقيا، يعود لقرون، حيث كان سكان المستنقعات العربية يغيرون على القرى الأفريقية ويرجعون بالغنائم والعبيد والجواري، مما أدى إلى نظام الطبقات الجامدة الذي ما زال قائمًا حتى يومنا هذا، حيث يستعبد السكان ذوو البشرة الفاتحة الأقليات ذوي البشرة السوداء، و يستمر هذا الوضع عبر التوارث.
اقرأ/ي أيضًا: الحراطين.. هل تحرر عبيد موريتانيا بالفعل؟
ولم تصدر موريتانيا قانونًا يجرم العبودية سوى في عام 1981، تحت ضغط الأمم المتحدة، وكانت آخر دولة في العالم تفعل ذلك. ومع هذا، لا يزال عشرات الآلاف من الناس، ومعظمهم ينتمون إلى أقلية الحراطين ذوي الجذور الإفريقية، يعيشون كعمال مستعبدين أو خدم منازل أو عرائس صغيرات.
موكتار كان واحدًا من الذين فُرضت عليهم العبودية. نشأ في ملكية عائلة عربية بنواكشوط، وأرغم على العمل إلى جانب والدته وشقيقه. وفي عام 2012، وبعد عدة محاولات، تمكن من الفرار والتقى نشطاء حركة مكافحة العبودية، ثم حاول تحرير أمه وأخيه، لكنهم رفضا الذهاب معه، حتى أن والدته انتقدت هروبه وشهدت ضده. يقول مختار: "عندما كنت أصغر سنًا، أخبرتني أمي كل ليلة أنه يجب علينا احترام أسيادنا، لأن طبقتهم أعلى من طبقتنا، فهم قديسون". يأمل موكتار أن يصبح محاميًا، من أجل النضال لصالح حقوق "الحراطين".
ويتشكل المجتمع الموريتاني من عرب يتحدثون اللهجة الحسانية، وهم الأغلبية، وأفارقة ينطقون لهجة الهالبولار والسونوكي والوولوف، وتتخلل كل من الفئتين طبقات عرقية واجتماعية، ورغم فترة التحديث خلال الاستعمار التي مرَّت بها موريتانيا، ظل النسيج الموريتاني يحتفظ بسلمه الاجتماعي التراتبي القائم على الانتماء العرقي والقبلي، وتبقى طائفة "الحراطين" المنحدرة من السود الأفارقة في أسفل هذا السلم.
لم تصدر موريتانيا قانونًا يجرم العبودية سوى في عام 1981، تحت ضغط الأمم المتحدة، وكانت آخر دولة في العالم تفعل ذلك
وفي حين تتمتع الطبقات الحاكمة بمناصب أعلى في الوظائف والحكومة والقضاء، يواجه الحراطين العديد من العقبات في حياتهم الاجتماعية، من الوصول إلى التعليم والصحة إلى الوظائف الجيدة، وهكذا بات الحراطين يغادرون المدارس والجامعات ويتوجهون إلى أعمال يعتبرها "الأسياد" قذرة ومهينة، مثل العمل في الأسواق المحلية الشعبية والبناء والفلاحة، أما بعضهم فيكون حظه أسوأ حيث يجد نفسه عبدًا أو عبدة لأسرة ذات بشرة فاتحة.
اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. صراع الدولة والهوية
وبدلًا من أن تشيّد بنفسها مسارًا للقضاء على العبودية، تنكر الحكومة بشكل روتيني وجود هذه الممارسة في موريتانيا، وتحتجز وتعذب نشطاء مكافحة العبودية المحليين بانتظام، بينهم المدون الموريتاني محمد الشيخ ولد ميخيطر، الذي كان على وشك مواجهة حكم الإعدام قبل عامين، على خلفية مقال كتبه حول "دور التراث الديني في تثبيت العبودية بالبلاد"، وهو ما اعْتَبره القضاء الموريتاني "مسيئًا للنبي" وحوكم المدون بتهمة "الردة"، قبل أن يخفف الحكم إلى سنتين بفعل ضغط الدول الغربية. وإلى اليوم لا يزال ميخيطر قابعًا في السجن رغم انقضاء فترة حبسه.
وكانت محكمة الاتحاد الإفريقي قد أصدرت مؤخرًا، حكمًا تاريخيًا يطلب من الحكومة الموريتانية التعويض لصالح المستعبدين الهاربين من أولئك الذين استعبدوهم، ويأمل أعضاء منظمة مكافحة العبودية الرائدة في موريتانيا، من خلال هذا الحكم واستمرار الضغط الأجنبي وجهود المنظمات الحقوقية، تحرير آلاف الموريتانيين الآخرين.
اقرأ/ي أيضًا: