ترفع جرائم الحرب الجديدة التي نفذهتها قوات التحالف السعودي في اليمن، من حجم الانتهاكات واسعة النطاق في البلد المطل على البحر الأحمر، وسط تساؤلات عن جدوى هذه الحرب والغرض الحقيقي منها، وفي خضم انتقادات عالمية باتت السعودية والإمارات أمام استحقاقاتها أقل قدرة على التبرير، وأقل قدرة على مجاراة الضغوطات.
ما زالت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات ماضية في ارتكاب المزيد من الانتهاكات في اليمن، الذي أصبح مسرحًا للخراب والعنف والمجاعة منذ أربع سنوات
وحسب وكالة رويترز، فقد اندلعت معارك عنيفة في مدينة الحُديدة اليمنية في وقت متأخر من يوم الإثنين، لتضع حدًا للهدوء الذي أنعش الآمال في وقف إطلاق النار بين التحالف العسكري بقيادة السعودية وحركة الحوثي، فيما تحاول الأمم المتحدة استئناف محادثات السلام.
الحُديدة .. مسرح جرائم حرب التحالف
بعدما وصف الاتحاد الأوروبي حرب اليمن بـ"الرهيبة"، ما زالت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات ماضية في ارتكاب المزيد من الانتهاكات في هذا البلد، الذي أصبح مسرحًا للخراب والعنف والمجاعة منذ أربع سنوات. وقد بين تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" الصادر هذا الشهر على لسان شهود عيان، ما حدث إثر هجوم قوات التحالف على مستشفى الثورة في وسط مدينة الحُديدة.
اقرأ/ي أيضًا: بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية
يصف أحد العاملين في المشفى، المشاهد المرعبة للمرضى والأطباء الذين فروا من المكان إثر القصف، قائلًا: "غادر مئات من العاملين في الطاقم الطبي والمرضى، بمن فيهم امرأة تعاني من سوء التغذية وتحمل ابنتها في ثوب جراحي ورجل لا يزال موصلًا إلى جهاز قسطرة، بالتزامن مع سلسلة من الانفجارات الكبيرة هزت مستشفى في وسط الحُديدة".
وقال عامل طبي كان بداخل مستشفى الثورة في ذلك الوقت لمنظمة العفو الدولية، إن مئات المرضى والموظفين تجنبوا الشظايا أثناء فرارهم من الذعر، حيث استمر القصف بالقرب من المستشفى لأكثر من نصف ساعة.
وتقول لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الأوسط في المنظمة الدولية : "في النزاع المسلح، من المفترض أن تكون المستشفيات أماكن ملاذ آمن، ومع اشتداد الصراع من أجل السيطرة على الحُديدة، يبدو أن كلا الجانبين عازم على عدم الالتزام بقوانين حماية المدنين في الحرب وتجاهل الوضع الهش حتى لأكثر المدنيين ضعفًا". وأضافت "أن الوضع يزداد سوءًا، ويجب على مجلس الأمن الدولي أن يتحدث علانية قبل تفاقم الأوضاع التي تتسبب بكارثة مدنية متصاعدة".
من الجدير بالذكر أن معارك الحُديدة المتصاعدة اشتدت في وقت سابق هذا الشهر، حيث ذكرت رويترز في تقرير لها أن الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، تسعى "لبسط سيطرتها الكاملة على مدينة الحُديدة" من خلال هجوم شامل على المدينة.
شهادات الطاقم الطبي عن قصف مستشفى الثورة
يُعد مستشفى الثورة مرفقًا حيويًا للمدنيين - بما في ذلك العديد من الأطفال - في الحديدة وعلى طول الساحل الغربي لليمن، الذين يواجهون سوء التغذية الحاد وسط الأزمة الإنسانية السيئة في البلاد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذرت اليونيسف من أن 59 طفلًا، 25 منهم في العناية المركزة ، يواجهون "خطر الموت الوشيك" إذا وصل القتال إلى أبواب المستشفى.
يروي أحد أفراد الطاقم الطبي شهاداته عن القصف لمنظمة العفو الدولية: "سمعت العديد من الانفجارات، وأصاب الرصاص أو الشظايا السقف المعدني لمدخل المستشفى، سقط الرصاص كالمطر. كنت ما أزال أستطيع سماع دوي الانفجارات عندما خرجت من المستشفى، لكني لم أستطع التركيز على ذلك. كنا جميعًا خائفين جدًا على سلامتنا".
أمنستي: الوضع يزداد سوءًا في اليمن، ويجب على مجلس الأمن الدولي أن يتحدث علانية قبل تفاقم الأوضاع التي تتسبب بكارثة مدنية متصاعدة
كما وصف كيف أن الناس المذعورين فروا إلى شارع جمال خارج المستشفى، وهو شارع يقع بالقرب من ميناء الصيد والجامعة في وسط المدينة، حيث غادروا سيرًا على الأقدام أو في السيارات والحافلات الصغيرة. كانت طائرات التحالف بقيادة السعودية والإمارات تحلق في سماء المنطقة، وكان الدخان يتصاعد من كلية طب الأسنان في مجمع الجامعة، على بعد حوالي 500 متر.
اقرأ/ي أيضًا: مسؤولة أمريكية تقرّ بانتهاكات السعودية في اليمن.. فهل يُحظر بيع السلاح لها؟
ويتابع الشاهد نفسه: "رأيت مريضة تحمل مريضة أخرى، كانتا أمًا وابنتها. الأم كانت أمًا يمنية عادية تحمل ابنتها البالغة من العمر 15 أو 16 سنة بين ذراعيها. كانت ابنتها تبكي. كنت أعرف أنها إما أجريت عملية جراحية للتو، أو كانت في مرحلة الإعداد للجراحة لأنها كانت في ثوب جراحي أزرق. لا توجد كلمات تصف كيف شعرت في هذه اللحظة".
وفي إشارة أخرى لمشهد فرار المرضى يقول: "رأيت رجلًا يمشي بأقصى سرعة بينما كان يحمل كيسًا من بوله. كان لا يزال يعلق القسطرة البولية أثناء الهروب. هذا المشهد سيبقى معي لبقية حياتي. كان هناك الكثير من الأطفال أيضًا. بعض الآباء كانوا يحملون أطفالهم. رأيت 10 أو 12 طفلًا من بين جميع الأشخاص الآخرين الذين حاولوا الفرار". وعلى الرغم من كل ذلك تحدث الطبيب عن أنه عاد للمشفى بعد انتهاء القصف في الواحدة ظهرًا تقريبا ليجده مهجورًا.
في نفس سياق الشهادات حول ما جرى، قال متحدث باسم مستشفى الثورة لوكالة رويترز، إن العناية المركزة وأطباء غرفة الطوارئ والممرضات بقوا في المستشفى أثناء الهجوم. وقد أكد الشاهد الذي تحدثت إليه منظمة العفو الدولية ذلك، قائلًا: "اختار عدد قليل من الأطباء والموظفين الطبيين الشجعان البقاء؛ كنت من بين الأغلبية التي اختارت المغادرة".
الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتأثر فيها مستشفى الثورة بالصراع الدائر في اليمن، ففي 2 آب/أغسطس من هذا العام، وقع هجوم خارج المستشفى مباشرة، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. وحتى الآن لا يبدو أن الضغوط على قوات التحالف قد أثرت على الوضع، فالحرب مستمرة والضغوطات مستمرة أيضًا، لكن جديتها تظل موضع مساءلة في الوقت الذي تستمر فيه معاناة المدنيين من اليمنيين دون نهاية حازمة وجادة.
اقرأ/ي أيضًا:
مسؤول أممي: الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأسوأ منذ نصف قرن
لجنة الإنقاذ الدولية: "خطة المساعدات السعودية لليمن خدعة مضللة"