تشكل مخيمات النزوح الداخلي واحدة من الكوارث الإنسانية التي اختبرها السوريون منذ بداية التهجير الذي لحق بهم، لم تجد الأمم المتحدة حلًا أمام عشرات المخيمات الممتدة على الحدود السورية شمالًا وجنوبًا، أو مخيماتٍ أخرى في دول أوروبية أو دول مجاورة لسوريا، لا حلول للسوريين في اليونان ولا في تركيا، كما هو حالهم في الأردن. ثم جاء دور الصحراء السورية الشرقية التي افترشها الهاربون من مناطق خاضعة لسيطرة داعش، ليشدوا في الصحراء أقمشةً تطير مع الهواء في عرض وطنهم، عساها تحميهم وتكون مستقرهم.
قصد الهاربون من ويلات داعش مخيم الهول ومبروكة وعين عيسى ومخيم السد أين اكتشفوا غياب أبسط مقومات الحياة
هرب الآلاف من التجنيد الإجباري الذي فرضته داعش، وتصاعد القصف الجوي من التحالف الدولي وطيران النظام وروسيا على دير الزور والرقة، إضافة للعمليات العسكرية لميليشيات قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف، فضلًا عن تقدم قوات النظام المدعومة من روسيا، إلى جانب سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهورها بشكل كبير.
اقرأ/ي أيضًا: كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا؟ (1-3)
قصد الهاربون من ويلات مدينة دير الزور والرقة وتدمر، وريف حلب الشرقي، مخيم الهول ومبروكة وعين عيسى ومخيم السد وغيرها، مخيمات عشوائية تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وسط الوجود الخجول لمعونات الأمم المتحدة التي لا تسد الرمق ولا تغني عن جوع،. تصطف في وسط الصحراء هذه المخيمات لمن ضاقت بهم الأرض، وتفترش في الصحراء القاسية خيم الأمم المتحدة، التي لا تقي بردًا ولا حرًا، ليجد أهل سوريا الشرقية أنفسهم متروكين هناك دون السماح لهم بالخروج نحو المدن الرئيسية الكبيرة، ودون تأمينهم بكل ما يلزمهم ويخفف عنهم معاناتهم. وعليه أطلق ناشطون سوريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم "مخيمات الموت Death Camps".
هدف حملة "مخيمات الموت" هو إيصال معاناة النازحين في المنطقة الشرقية إلى المعنيين، وجاء في نص توضيحي قدمت فيه الحملة أوضاع النازحين شرق سوريا: "نحن صوت أهلنا في دير الزور والرقة، والذين تقطعت بهم السبل في بيوتهم، فاضطروا إلى مغادرتها خوفًا من قصف جوي ومدفعي لم يبقِ لهم أي أمل بالحياة، ومن تنظيمٍ أسودٍ تدخل بحياتهم ومعيشتهم وأرزاقهم، وبدأ أخيرًا بتجنيد أولادهم لزجهم في معاركه الخاسرة، أجبرت المليشيات الكردية الأهالي النازحين على البقاء في مخيماتٍ تم إنشاؤها على عجل، ودون أن تتوافر فيها مقومات الحياة، وبدأت تلك المليشيات بالمتاجرة بأهلنا فيتم بيع الطعام لهم بأضعاف ثمنه، إضافة إلى ابتزازهم بقبض الأموال منهم بغية السماح بمغادرتهم خارج تلك المخيمات، وإبقاء من لا يملك المال فيها لأسابيع وشهور دون أي مساعدة ما أدى إلى وفاة العديد منهم في ظروفٍ سيئة لا تصلح للحياة لتتحول تلك المخيمات إلى مخيمات للموت".
وجاء في خطاب حملة "مخيمات الموت" أيضًا: "وعليه فقد تداعينا نحن مجموعة من ناشطي وإعلاميي محافظات دير الزور والرقة والحسكة وأطلقنا هذه الحملة، نخاطب فيها المجتمع الدولي والأمم المتحدة مطالبين إياهم بوضع تلك المخيمات تحت إدارة الأمم المتحدة، وتأمين طرق آمنة للمدنيين من محافظتي دير الزور والرقة باتجاه محافظة الحسكة وريف الرقة الشمالي، ومنح كامل الحرية للمدنيين السوريين بمغادرتها في الاتجاه الذي يريدون".
كما وجهت حملة "مخيمات الموت" التي انطلقت منذ أيام قليلة رسالةً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأعضاء مجلس الأمن الدولي، والأمانة العامة لمجلس حقوق الإنسان، وجاءت رسالتهم مذكرة بما نصّت عليه الاتفاقيات الدولية بضرورة حماية النازحين واللاجئين من الحروب والكوارث، وقالت الحملة في بيانٍ لها: "سبع سنوات وأبناء المنطقة الشرقية من سوريا (دير الزور، الرقة، الحسكة) يبادون تحت مختلف الذرائع، رغم أن جميع الاتفاقيات المُبْرَمَة بين دول العالم ومنذ تأسيس المنظمات الدولية نصَّت على ضرورة حماية النازحين واللاجئين من الحروب والكوارث".
وأضاف البيان: "مدنيون قُتلوا بطيران النظام وحليفه الروسي، ارتُكبت بحقهم المجازر بقذائف التحالف الدولي بذريعة مكافحة الإرهاب، ذُبحوا بسكاكين تنظيم الدولة وتناثرت أشلاؤهم على وقع مفخخاتها وقُتلوا بقذائف قوات سوريا الديمقراطية وبالألغام ومن الجوع والعطش وهم متمسكون بأرضهم".
وكانت حملة "مخيمات الموت" قد طالبت المجتمع الدولي بتحمل المسؤولية تجاه ما وصفوه بـ"المعتقلات"، في محاولة لتشبيه مخيمات المنطقة الشرقية بمعتقلات تشبه تلك التي كانت موجودة خلال الفترة النازية، وتعهده بضمان الحماية الدولية لهؤلاء النازحين وأسرهم، وإيصال مقومات الحياة والاحتياجات الضرورية لهم. وبدورها صرحت الأمم المتحدة أنها "عاجزة عن الوصول إلى كل تلك المخيمات بسبب تمركز داعش في الممرات الواصلة إليها".
ونشر الناشطون مؤخرًا شهادات لبعض الشبان الذين خرجوا من مخيم مبروكة، أحد المخيمات في منطقة رأس العين شرق سوريا، بعد أن دفعوا مبالغ طائلة للمهربين لإخراجهم من المخيمات. فجاء في إحدى الشهادات: "استطعت الخروج بموجب كفالة وهي رشوة قدمتها للخروج. داخل المخيم يقسم العسكريون الرجال والنساء، ويتم تجريدنا من أوراقنا الثبوتية، يجمعونها ليأخذوا بأسمائنا المعونات والمساعدات الإنسانية، وقد تمت محاولة سرقة هواتفنا المحمولة. هناك خيم استقبال كبيرة شبه فارغة، لا تحتوي على تجهيزات ولا معونات، وإن ذهبنا لجلب التجهيزات، يجب أن ننتظر حتى آخر النهار للحصول عليها".
وأضاف: "المخيم عبارة عن مجمع كبير من الخيم في منطقة من الصعب العيش فيها بسبب الأحوال الجوية فدرجات الحرارة مرتفعة جدًا، قد تتجاوز 50 درجة. لا وجود للماء النظيف، وإن وجد لا يمكننا استخدامه أو شربه. الحمامات هي غرفة مهجورة، نجلب الماء معنا فلا ماء فيها، عمومًا لم نستخدمها".
ونشر ناشطون العديد من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي من "مخيمات الموت"، كما أطلقوا عليها، تظهر سوء الأوضاع الإنسانية في تلك المخيمات، وسط فقدان كل ما يمت لمقومات الحياة بصلة. كما وطالب ناشطون بضرورة وجود مستوصف يتابع الوضع الصحي للنازحين، وسط أوضاعهم المأساوية في الصحراء، حيث تم تسجيل عدد من الوفيات بين الأطفال بسبب سوء الأحوال الجوية.
اقرأ/ي أيضًا: مناكفة جديدة بين المغرب والجزائر.. اللاجئون السوريون هم الضحية
وانتشرت مؤخرًا صور تظهر طفلًا صغيرًا حملته العاصفة القوية التي ضربت المنطقة، واقتلعت العديد من الخيم التي نصبت في تلك الأرض. ولم يتسن لـ"الترا صوت" التثبت من صحة الصور.
تهدف حملة "مخيمات الموت" إلى إيصال معاناة النازحين السوريين في المنطقة الشرقية وتوفير ظروف أفضل لهم
كما وسمى عديد الناشطين نزوح أهالي المنطقة الشرقية بـ"الهروب من الموت إلى الموت"، فمن لم يقتل على يد "الدواعش" سيموت من العطش في الطريق الصحراوية التي يسلكها الهاربون، حسب تعبيرهم. يذكر أنه يتم استغلال حاجة النازحين وسوء أوضاعهم عبر ابتزازهم وطلب مبالغ مالية مقابل إخراجهم من المخيمات وإيصالهم إلى أقرب المدن. وإلا سيكونون برسم الحجز الإجباري في تلك المخيمات التي لا تسمح لهم بالخروج منها.
لزمن طويل، أبقى حزب البعث منطقة "الجزيرة السورية" مهمشة وبعيدة عن باقي المناطق السورية التي صب فيها اهتماماته، ليشهد أهلها اليوم نفس المصير، متروكين في مهب ريح الصحراء، وأمام العراء وصم الأذن عن معاناة قد تؤدي بكثير منهم إلى الهلاك إذا لم يتم التحرك الفوري من قبل جهات أممية لإنقاذ حياتهم.
اقرأ/ي أيضًا: