21-أغسطس-2017

من داخل كنيسة القيامة في العاصمة المغربية الرباط (مكسيم ماساليتين/ Flickr)

في تقريرها عن الحريات الدينية حول العالم لعام 2016، انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية السلطات المغربية من جهة التضييق على الحرية الدينية للمسيحيين المغاربة.

التقرير الذي اعتادت وزارة الخارجية الأمريكية إصداره كل عام، والأوّل منذ تولي دونالد ترامب الحُكم، يضم معطيات ومعلومات عن الأقليات الدينية والمذهبية في المغرب الذي لا يعترف بوجود أقلية مسيحية مغربية على أرضه. فوفقًا للرواية الرسمية المعتدّ بها، لا يوجد في المغرب سوى مسلمين مغاربة وبعض اليهود، لذا فإنّ أي مسيحي مغربي هو بالضرورة في نظر الدولة مُرتد، وتُطبّق عليه أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بذلك، والتي كانت حتى شهور قليلة ماضية، وفقًا لفتوى المجلس العلمي الأعلى، هي القتل.

يشهد المغرب قمعًا من قبل الدولة ضد المسيحيين المغاربة من منطلق أنّهم مرتدون عن دين الإسلام!

ورغم أنّ تقرير الخارجية الأمريكية قال إن الدستور المغربي يضمن حرية الفكر والتعبير وممارسة الاعتقاد بحرية، إلا أنّه استدرك بأنّ السلطات المغربية تقوم بممارسة "تُسيء للمسيحيين المغاربة بصفة خاصة"، مُشيرًا إلى عمليات الاعتقال التي يتعرض لها هؤلاء المسيحيون، والاستجواب بشأن معتقداتهم.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب يعفي "المرتد" من القتل.. مع بعض التخوين!

ومما رصده تقرير الخارجية الأمريكية، وما سبق وأن رصدته تقارير صحفية وحقوقية عديدة، هو ضغط السلطات المغربية على مسيحيين مغاربة للتخلي عن معتقدهم إلى الإسلام، فضلًا عن التضييقات التي يتعرض لها المسيحيون المغاربة وصولًا لدرجة الاعتقال على حمل الإنجيل أو اقتنائه.

وعلى مدار سنوات، تحديدًا منذ 2007، تكرر اعتقال واحتجاز مسيحيين مغاربة على المعتقد، لكن أحدث ما رصده التقرير الأمريكي الرسمي، هو احتجاز مسيحيين في آذار/مارس الماضي بمدينة كلميم جنوبي المغرب، اتهمتهما الشرطة بالردة بعد استجوابهما على المعتقد، وبعد أعلنت مسيحيّة أحدهما أمام ركاب حافلة كان يستقلها، وذلك من باب التشهير به!

مطلب المساواة بالأجانب!

بسبب التضييق عليهم، من الدولة أولًا والمجتمع ثانيًا، يبقى المسيحيون المغاربة بأسماء إسلامية، ومن هؤلاء مصطفى، الذي تحدث إلى "ألترا صوت"، رافضًا الإفصاح عن كنيته خشية "إحراج" أسرته المسلمة المحافظة، وهو رئيس "تنسيقية المسيحيين المغاربة" المطالبة بحقوقهم في المغرب.

كان مُثيرًا للاهتمام أن ينفي مصطفى وُجود مضايقات ممنهجة على المسيحيين المغاربة من طرف السلطات، وإن كان قد أكّد على أنّ عاملين بالدولة، كموظفين أو شرطيين هم الذين يتعاملون مع المسيحي المغربي بـ"شكل سيئ"، كحالات فردية، أو بتعبيره: "هذه التصرفات المسيئة تبقى استثناءات"، مُطالبًا السلطات في هذا الصدد بـ "حمايتنا من هؤلاء الأشخاص الذين يضعون أنفسهم أحيانًا فوق القانون".

في مقابل التضييق على المسيحيين المغاربة، يُسمح للأجانب بممارسة الشعائر الدينية، وتتوفر لهم عدد من الكنائس حول البلاد

مع هذا ليس ثمّة قانون يُنظّم للمسيحيين المغاربة أحوالهم المدنية وفقًا لمعتقداتهم، وهو أمر لم يُنكره مصطفى أو التنسيقية، بل تطالب به، لكن على ما يبدو دون رغبة في الصدام مع الدولة، لذا فإنّ التصريح المُعلن من قبل التنسيقية، هو التأكيد على أنّ الممارسات التضييقية عليهم "حالات فردية"، ولمزيد التأكيد على ذلك، شددوا على الأمر في مراسلة لرئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني.

اقرأ/ي أيضًا: فتاوى المغرب.. كل شيء يثير الضجيج

وبشكل عام، فإنّ "الصعوبات" التي يواجهها المسيحيون المغاربة، وفقًا لمصطفى، هي عدم السماح بممارسة الشعائر الدينية بحريّة، إذ يُمنع عليهم "تسيير قُدّاس أو التحوّل إلى أساقفة"، وهو أمر "يُزعج المسيحيين المغاربة، فالقداس أو الكنيسة يُسيّرها أجانب وليس مغاربة"، كما يقول مصطفى.

هذا وتُعطي الدولة للمسيحيين الأجانب حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتتوفر لذلك عدة كنائس حول البلاد، لكن في المقابل لا يحظى المسيحي المغربي بهذا الحق، وهو ما يُمكن اعتباره ارتباكًا من قبل السلطات المغربية فيما يخص التعامل مع الحرية الدينية للمسيحيين في البلاد. ويقول مصطفى "هناك فراغٌ قانوني، وموقف غير واضح من طرف المسؤولين حول الحق في ممارسة الشعائر الدينية عند المسيحيين المغاربة". 

كاتدرائية القديس بيير في مدينة الرباط (ويكبيديا)
كاتدرائية القديس بيير في مدينة الرباط (ويكيبيديا)

إلى جانب الدولة والسلطات المغربية، هناك المجتمع الذي يعرف تحفظًا بشكل عام مع كل ما يمس الدين من وجهة نظره، لذا فهو بالضرورة متحفظ مع تغيير الدين، وعليه يقول مصطفى إنّه "يجب على باقي المغاربة استيعاب أننا قد نختلف معهم في الفكرة أو في الدين، لكن ذلك لا يعني أننا نختلف معهم في المواطنة".

أعداد المسيحيين المغاربة

ليست هناك إحصاءات رسمية لأعداد المسيحيين المغاربة لما سبق ذكره من عدم الاعتراف بهم رسميًا من قبل الدولة، وهو ما تسبب في تضارب الأعداد المذكورة والمقدرة من كل جهة، فوفقًا لعليّ، وهو مسيحي مغربي، في حديثه لـ"ألترا صوت"، فإنّ المسيحيين المغاربة لا يستطيعون الخروج إلى العلن والإفصاح عن دينهم، خوفًا من نظرة الآخرين لهم، خصوصًا إن كانوا في الماضي مسلمين".

تختلف تقديرات أعداد المسيحيين المغاربة بسبب عدم وجود إحصاء رسمي لهم، لعدم الاعتراف بهم من قبل الدولة ولتخوفهم من الظهور علنًا

ويقدر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2015، أنّ أعداد المسيحيين المغاربة ربما يصل إلى 50 ألف، وبحسب موقع "فايس نيوز"، فربما يصل عددهم إلى 40 ألف مسيحي مغربي، وبحسب "الموسوعة المسيحية العالمية" الصادرة عن مطابع جامعة أوكسفورد لعام 2001، فإن أعداد المسيحيين المغاربة قد تصل إلى 150 ألفًا.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. المسلمة للمسلم ولا عزاء للحب

وتتنوع الطوائف المسيحية المغربية ما بين كاثوليك رومانيين وبروتستانت، مع أعداد قليلة من الطائفة الأرثوذكسية في الدار البيضاء، وذلك وفقًا للمصادر من المسيحيين المغاربة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب.. جدل المثليين والحريات الجنسية مجددًا

المغرب يمنع تسويق "البرقع".. هل حان دور النقاب؟