ينتشر آلاف من الشباب اللبناني في بلاد الاغتراب طلبًا للعلم والعمل. وفي رحلتهم الطويلة هذه، الشبيهة بالطيور المهاجرة إلى الشمال، حلم بأرض موعودة وحياة جديدة ومستقبل باهر. إلى أن هذا الطموح تحول إلى معاناة بالنسبة للعديد من الطلاب اللبنانيين المنتشرين حول العالم. فهؤلاء الطلاب في حاجة ماسة إلى "الدولارات" من ذويهم من أجل متابعة مشوارهم ودفع أقساط الجامعات وتأمين متطلبات الحياة.
يهدف مشروع الدولار الطالبي في لبنان إلى توفير النقد الأجنبي للطلبة في الخارج بسعر الصرف الرسمي لتأمين مصروفاتهم، لكنه متعثر إلى الآن تحت ضغط المصارف
لكن منذ الأزمة المالية التي عصفت بلبنان عام 2019 ودخول المصارف في حالة من التعثر المالي وامتناعها عن تسليم الدولار إلى المواطنين اللبنانيين الذين أودعوا أموالهم وجنى أعمارهم في هذه المصارف، انعكس هذا الأمر على قدرة أولياء أمور الطلبة وعائلاتهم في إرسال الأموال "فريش موني" كما بات يطلق عليها في لبنان، إلى أبنائهم في بلاد الاغتراب.
اقرأ/ي أيضًا: مصرف لبنان يطلق عملة نقدية جديدة وناشطون يسخرون: لا تساوي قيمة الورق
ومع ارتفاع الصرخات تم إقرار قانون في المجلس النيابي يلزم مصرف لبنان بتأمين الدولارات للطلاب في الخارج وفق سعر الصرف الرسمي وبنسبة محددة سنويًا (10 آلاف دولار في السنة لكل طالب لمرة واحدة)، كي يتمكن هؤلاء الطلاب من العيش بكرامة وإنهاء تعليمهم. إلا أن المسائل ليست دومًا سهلة في لبنان، نظرًا لدخول عوامل السياسة في كل شاردة وواردة، ونظرًا لتحكم لوبي مصرفي يصر على تحميل اللبنانيين تكاليف الأزمة مما أدى إلى تعثر تنفيذ قانون "الدولار الطالبي".
المصارف تستمر في تعطيل المشروع
وهكذا بات العديد من الطلاب يعيشون تهديدات على مستقبلهم التعليمي وتحقيق طموحاتهم بسبب عدم توافر المال اللازم للسفر ودفع أقساط الجامعات الأجنبية ونفقات الإقامة والمعيشة. ووقع العديد من الطلاب أمام أزمة اختيار واحد من أبنائهم لإرساله إلى الخارج وحرمان الأخوة الآخرين من فرصة التعلم مثلًا، إذ لا تسمح الإمكانيات بتحمل نفقة أكثر من طالب واحد.
كما وصل إنذار بالفصل من الجامعة للعديد من الطلاب نتيجة التخلف عن دفع المستحقات الجامعية، فيما هناك العديد منهم تم فصله خارج المساكن الجامعية فافترشوا الأرض! وأصيب آخرون بفيروس كورونا مما زاد الطين بلة في ظل عدم وجود أي مورد مالي للاستعانة به في هذه الظروف العالمية الصعبة.
مشاكل عديدة واجهها الطلاب وعائلاتهم، فيما المصارف تحتجز أموالهم وترفض تسليم الدولار لذوي الطلاب في الخارج، كما يضع مصرف لبنان العوائق أمام تنفيذ القرار بحجة عدم توفر السيولة بالدولار وبأن ذلك سيشكل أزمة على المدى الطويل ولن يتمكن المصرف المركزي من تحمل النفقات بالدولار الأمريكي، كل هذا في ظل غياب آلية قانونية لتنفيذ القرار الصادر عن مجلس النواب والموقع من رئيس الجمهورية والصادر في الجريدة الرسمية، والذي يعتبر قانونًا ملزمًا يجب تنفيذه.
رفيق جباوي، عضو جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج، أشار إلى أن القانون تم تقديمه من قبل لجنة التربية النيابية وصدر تحت رقم 193 بتاريخ 16 تشرين أول/أكتوبر من هذا العام. ويسمح القرار بتحويل 10 آلاف دولار للطلاب في الخارج المسجلين قبل العام الدراسي 2020-2021، وأضاف منذ صدور القرار لمس الأهالي نوع من المماطلة والعرقلة في التطبيق من قبل المصارف ومصرف لبنان. واعتبر جباوي أن دعم الطلاب هو دعم للبنان لأنهم قيمة حضارية وتنموية للبلد.
يبقى مصير فئة واسعة من طلاب لبنان في الخارج تحت تهديد إمكانية توفر "الدولار الطالبي" لهم
في الوقت ذاته أشار جباوي إلى أن آلية تنفيذ القرار بسيطة جدًا أسوة بالدولار الدوائي والغذائي. في المقابل تختلق المصارف أعذارًا لعدم إمكانية الكشف الدقيق عن أعداد الطلاب في الخارج، وعدم إمكانية التأكد من صدق المعلومات المقدمة للحصول على الدعم. فيما تتناقض التقارير حول أعداد الطلاب اللبنانيين في الخارج وتشير أدنى الأرقام إلى وجود ما بين 5 إلى 7 آلاف طالب، بينما تشير تقديرات أخرى إلى فرق شاسع وتقول بوجود 70 ألف طالب!
آلية تنفيذ مشوشة وعقبات متنوعة
في ذات السياق، قال المحامي بول مرقص، أن "إقرار القانون أمر حميد، لكن تبين أنه لم يدرس بشكل جيد ولم توضع له معايير صحيحة". وعن الثغرات التي تعتري القانون شرح مرقص "المصارف غير قادرة على تحويل الدولارات إلى الخارج في ظل خسارتها لسيولتها لدى مصرف لبنان، وكذلك في ظل نفاذ احتياطي المصرف المركزي من الدولارات، وفي ظل عدم وضوح القانون إذ لا يحدد الجهة التي على المصرف القيام بتحويل المبالغ المالية إليها في الخارج وفقدان القدرة على التأكد من كونها مؤسسات تعليمية، وعدم وجود مركزية موحدة بين المصارف، وغياب أطر الرقابة مما يفتح الباب أمام تهريب أموال بالعملة الصعبة إلى الخارج عبر غطاء هذا القانون!".
اقرأ/ي أيضًا: منح دراسية في جميع المستويات الجامعية لطالبي اللجوء في هنغاريا
أما المحامي أشرف الموسوي قال في حوار متلفز على قناة الجديد أن "هناك أخطاء ستظهر أثناء التنفيذ، على سبيل المثال، الحد الأقصى للمبلغ هو 10 آلاف دولار، لكن يوجد طلاب أقساط جامعاتهم تفوق هذا المبلغ وتصل إلى الأضعاف!". ولفت إلى "وجود طلاب في سوريا أو في إيران ولا يمكن تحويل المبلغ بالدولار الأمريكي للطلاب هناك، فما الحل؟". واعتبر الموسوي أن هناك ثغرات عديدة ظهرت إلى العلن أثناء التطبيق، خاصة في ظل وجود شروط غير متوفرة عند بعض الطلاب ومنها: "ينص القانون على وجود إبراز ورقة عقد إيجار من قبل الطلاب في الخارج، لكن ماذا لو أن الطلاب يسكنون لدى أقاربهم وغير قادرين على تأمين ورقة إيجار، فهل يجوز حرمانهم من الدولار الطالبي!".
يذكر أن هذه الحالة المعقدة تصل إلى عتبة القضاء، الذي تقف أمامه صعوبات كثيرة في مقاضاة المصارف خاصة وأن المصرف المركزي حجز على أموال المودعين من غير وجه حق ولم يستطع القضاء إعادة حق المودعين إليهم. وكل ذلك يضرب مقدمة الدستور اللبناني التي تنص على الحق في الملكية الخاصة والحق في التعليم والحق في المساواة لجميع اللبنانيين.
اقرأ/ي أيضًا:
برنامج تدريبي خاص من نقابة تكنولوجيا المعلومات وشركة هواوي للطلبة في لبنان
منح بكالوريوس وماجستير للاجئين العرب في المملكة المتحدة من جامعة ساسيكس