قضت محكمة عسكرية مصرية، اﻷحد الماضي، بإحالة أوراق ثمانية مدنيين، متهمين في القضية رقم 174 لسنة 2015 غرب عسكرية، والمعروفة إعلاميًا بقضية "الخلية النوعية المتقدمة"، إلى مفتي مصر. كما قررت ذات المحكمة مد أجل النطق بالحكم على باقي المتهمين -البالغ عددهم عشرين شخصًا- إلى جلسة الثالث عشر من آذار/مارس 2016.
اعتبرت منظمة هيومان رايتس ووتش أنّ "المحاكم العسكرية في مصر تفتقر إلى ضمانات المحاكمات العادلة، حتى تلك الهشة التي توفرها المحاكم العادية"
وتعد إحالة أوراق المتهمين إلى المفتي خطوة تمهيدية ﻹصدار أحكام باﻹعدام في حقهم؛ حيث تنص التعديلات التي أجريت على قانون القضاء العسكري المصري، في 30 كانون الثاني/يناير 2014، على ضرورة استطلاع رأي المفتي -وهو رأي غير ملزم للمحكمة- في أحكام الإعدام قبل إصدارها.
نظرة إلى الوراء
في العاشر من يوليو/تموز 2015، بثت وزارة الدفاع المصرية فيديو تحت عنوان "القبض على أكبر خلية إرهابية تهدد اﻷمن القومي"، ظهر فيه عدد من المتهمين في القضية يعترفون بقيامهم باستهداف محولات الكهرباء وقتل رجال الشرطة والجيش والاعتداء على عدد من القضاة والمرافق الحيوية، وأن الخلية -التي ينتمون إليها- يموِّلها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. وأحيل جميع المتهمين إلى المحاكمة العسكرية في القضية رقم 174 غرب عسكري.
لكن الفيديو بدلًا من أن يثير موجة من الشكر والعرفان للقوات المسلحة واﻷجهزة اﻷمنية بسبب دورها في حفظ اﻷمن القومي، أثار موجة عنيفة من اﻻنتقادات والتهكم على مواقع التواصل اﻻجتماعي؛ حيث كشف عدد من النشطاء والحقوقيين أن بعض المتهمين، الذين ظهروا في المقطع المصور، اختفوا قسريًا قبل بث الفيديو بأكثر من شهر، مثل صهيب سعد وعمر محمد، اللذين اختفيا في اﻷول من حزيران/يونيو 2015، بعد تناولهم الطعام في مطعم في منطقة الزمالك، وكذلك أحمد أمين الغزالي -أحد الذين أحيلت أوراقهم إلى المفتي-، الذي اختفى قسريًا، في 28 آيار/مايو 2015، ثم ظهر في فيديو وزارة الدفاع بعدها بأكثر من أربعين يومًا.
وأكد المحامي محمد الباقر أن "المتهمين تم إخفاؤهم قسريًا في مقار الأمن الوطني والمخابرات الحربية، قبل ظهورهم في فيديو وزارة الدفاع، وأن جميع المتهمين اعترفوا تحت التعذيب والإكراه المادي والمعنوي في مقارات الأمن الوطني والمخابرات الحربية طبقًا لأقوال المتهمين التفصيلية في أوراق القضية".
وأضاف الباقر، في صفحته على موقع "فيسبوك"، أنه "ﻻ يوجد أي واقعة قتل أو تخريب محددة منسوبة إلى القضية، وأن القضية تم بناؤها على التحريات فقط"، وأن المتهمين "حضروا تحقيقات النيابة العسكرية بدون محام، وكانوا معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي من الخلف، وأنه لم يتم سماع أقوالهم أو عرض الأحراز عليهم". وأوضح أن هناك "تعطيل لطلب عرضهم على الطب الشرعي لإثبات آثار التعذيب، من ضرب وكهرباء، على أجسامهم".
المحاكمات العسكرية للمدنيين
في 27 تشرين اﻷول/أكتوبر 2014، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قانونًا بتكليف الجيش بحماية المنشآت والمرافق العامة، وإحالة من يعتدي عليها للقضاء العسكري. ووسع القانون دائرة اختصاص المحاكم العسكرية؛ حيث عرّف القانون المنشآت الحيوية بأنها أبراج ومحطات الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها، دون تحديد.
ويبيح الدستور المصري عملية محاكمة المدنيين عسكريًا، لكنه قسرها على "الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم".
وردت هيئة قضايا الدولة -الجهة القانونية المختصة بالدفاع عن الحكومة-، على دعوى تطعن بعدم دستورية القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 -الخاص بخضوع المنشآت العامة لحماية الجيش والشرطة- بأن المحاكمات العسكرية للمدنيين، التي تتم تطبيقًا لهذا القرار، تنطبق مع الدستور المصري؛ حيث أن نص المادة 204 من الدستور يجيز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو ما في حكمها، وأن القانون رقم 136 جعل المنشآت العامة في حكم العسكرية.
واعتبرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية أنّ "المحاكم العسكرية في مصر تفتقر إلى ضمانات المحاكمات العادلة، حتى تلك الهشة التي توفرها المحاكم العادية"، مشيرة إلى أن القانون الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحماية الجيش لمؤسسات الدولة المدنية، يهدف إلى "عسكرة ملاحقة المتظاهرين والمعارضين للحكومة".
ورصدت مجموعة "ﻻ للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، في تقريرها الصادر في 24 آذار/مارس 2015، أي بعد خمسة أشهر فقط من صدور القانون، إحالة ثلاثة آﻻف مدني إلى المحاكم العسكرية بموجب هذا القانون.