11 مليون وثيقة سرية وضعت 72 من رؤساء وقادة الدول العربية والأوروبية وحاشياتهم في مرمى رصاص الشعوب، بعدما كشفت تسريبات "وثائق بنما" تورطهم في عمليات غسيل أموال وتهرب ضريبي. تضمنت "وثائق بنما"، التي نشرها الصحفي المصري هشام علام، ممثلًا عن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين إشارات إلى شركة "بان وورلد للاستثمارات"، المسجَّلة في الجزر العذراء البريطانية، ويملكها علاء مبارك، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، واصفًا إياه بـ"عميل فائق الخطورة".
تضمنت "وثائق بنما"، في علاقة بالشأن المصري، وإلى حد الآن، إشارات إلى شركة مسجلة في الجزر العذراء البريطانية، ويملكها علاء مبارك
وحتى الآن، في الموجة الأولى للتسريبات، لا يزال اسم "علاء" الحالة المصرية الوحيدة ضمن قائمة طويلة تضرب استقرار عدد كبير من السياسيين والرؤساء والملوك والنصابين في العالم، لكن "عدد المتورّطين في العمليات من مصر يصل 21 مسؤولًا ورجل أعمال وشخصية كبرى، وكلهم وردت أسماؤهم في الوثائق، ووفق توقعات، فإن من سيرد أسماؤهم في الموجة المقبلة هم: "حسني مبارك، ونجليه، وأحمد عز، رجل الحديد، وسوزان مبارك، وحسين سالم".
اقرأ/ي أيضًا: تسريبات بنما ترعب العدالة والإعلام في الجزائر
علاء مبارك.. أخطر عميل في مصر
بحسب الوثائق، فإن علاء مبارك يمتلك شركة "بان وورلد انفيستمنت" في جزر فيرجينيا البريطانية، التي كان يديرها بنك "كريدي سويس" السويسري، من خلال شركة "موساك فونسكا البنمية"، وتذكر الوثائق أنه بعد تنحي مبارك وتقديمه للمحاكمة مع نجليه، طلبت السلطات في الجزر من شركة "موساك فونسكا البنمية" تجميد حسابات شركة علاء مبارك، وبسبب عدم الاستجابة فُرضت عليها غرامة في 2013 بقيمة 37.500 دولار، لعدم تحققها من ممتلكات مبارك قبل السماح له بإقامة شركة على أراضيها.
واعترفت شركة "موساك فونسكا" بوقوعها في بعض الأخطاء خلال الإجراءات، وهي أنها لم تبحث وراء علاء مبارك بما فيه الكفاية، لكن بنك "كريدي سويس السويسري" كتب إلى شركة "موساك فونسكا" أن شركة "بان وورلد" لا تندرج تحت قرار التجميد الذي يطال حسابات عائلة مبارك في سويسرا.
ويرتبط اسم الشركة التي أظهرت الوثائق ملكيتها لعلاء مبارك بمجموعة من صناديق الاستثمار، المؤسسة في عدة ملاذات ضريبية، والتي يتشارك في معظمها مع شقيقه الأصغر جمال، وهي الصناديق التي امتلكت لسنوات حصصًا مباشرة وغير مباشرة في عدد من الشركات التي استثمرت في مصر، خلال حكم والدهما مبارك.
امتلكت شركة "بان وورلد انفستمنت"، المؤسسة في جزر العذراء، 50 في المئة من شركة "بوليون" المؤسسة في قبرص، والتي يملكها كل من جمال وعلاء مبارك، بحسب ما أعلنه جهاز الكسب غير المشروع، كما يوضح أسامة دياب، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لـ"أصوات مصرية". وامتلكت "بوليون" بدورها 35 في المئة من صندوق "إيه أف جي هيرمس" للاستثمار المباشر، التابع للمجموعة المالية "هيرمس"، أحد أكبر بنوك الاستثمار في المنطقة.
من ناحية أخرى امتلكت الشركة التي وردت في "وثائق بنما" حصة في صندوق مصر للاستثمار المسجل في جزر الكايمان (Egypt Fund)، والذي شاركتها فيه شخصيات بارزة من رجال أعمال عصر مبارك مثل حسين سالم وأحمد عز، وهو الصندوق الذي امتلك حصصًا في 18 شركة عاملة في مصر في مجالات مختلفة. فيما كشفت مصادر أن علاء مبارك كان يتنكر خلال تعاملاته بالبورصة المصرية في 19 شركة "أوفشور" تتستر وراء أسماء أجنبية.
كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أصدرت تقريرًا العام الماضي، يؤكد أن مصر تفقد سنويًا خمسة مليارات جنيه مصري بسبب سماحها بلجوء شركات مصرية إلى استخدام جزر لتهريب وإخفاء الأموال من قبل أثرياء مصريين يحوّلون أرباحهم خارج البلاد ثم يعيدون استثمارها في مصر كـ"أموال أجنبية". وتعرف الجزر باسم "الملاذ الضريبي"، وهي دولة أو منطقة تابعة لدولة تفرض ضرائب منخفضة جدّا، أو لا تفرض ضريبة على الإطلاق، ويقوم نظام تأسيس الشركات فيها على ضمان سرية البيانات، وهو ما يتيح لأصحاب الشركات الاستثمار في دول أخرى وتحويل أرباحهم للملاذات الآمنة دون الخضوع للضرائب.
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرًا العام الماضي، يؤكد أن مصر تفقد سنويًا 5 مليارات جنيه مصري بسبب تهريب الأموال في ملذات ضريبية
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. مرزوق وآخرون في شراك "وثائق بنما"
حسين سالم.. الهارب لن يعود
الشخص الثاني، الأكثر بروزًا في عالم الـ"أوفشور"، ومتوقع ظهوره في الموجة المقبلة من "تسريبات بنما"، هو حسين سالم، رجل الأعمال المصري الهارب إلى إسبانيا، حيث أنه من المستفيدين من الشركات المؤسسة في الملاذات الضريبية، ويمتلك حصة في شركة غاز شرق المتوسط ، التي كانت مسؤولة عن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن وإسبانيا، عن طريق شركة أخرى مسجلة في جزر العذراء البريطانية Mediterranean Gas Pipeline المملوكة لشركة أخرى مسجلة في بنما Clelia Assets Corp، التي تمتلك حصصًا في 18 شركة مصرية عن طريق صندوق استثمار مسجل في جزر الكايمان تحت اسم Egypt Fund بحصة تقدر بـ٣ ملايين دولار، ويشارك عائلة سالم في هذا الصندوق الاستثماري السري أحمد عز بشخصه وجمال وعلاء مبارك من خلال صندوق آخر مسجل في ملاذ ضريبي آخر وهي جزر العذراء البريطانية.
أتقن "سالم" فن التخفي، في حين كانت أملاكه العقارية والسياحية والبترولية تتركز في مصر بشكل أساسي، فإن مراكز الإدارة لإمبراطوريته المالية تقع في جزر النعيم الضريبي البريطانية والسويسرية. وتظهر الوثائق التي سبق نشرها أن حسابات حسين سالم تمر في سلسلة من الإجراءات التمويلية التي تتمتع بسرية تامة، وتحميها أنظمة المناطق الحرة، التي تجعل من حقها عدم الكشف والإفصاح عن ملاكها وممتلكاتها، غير أن سجلات أوروبية كشفت جانبًا من شركات سالم المخفية. ظهور اسم حسين سالم، الذي كان على وشك التصالح مع السلطات المصرية للعودة مقابل الحصة الأكبر من أمواله "المعلنة" يربك عملية عودته إلى القاهرة مرة أخرى.
ظهور اسم حسين سالم، الذي كان على وشك التصالح مع السلطات المصرية للعودة مقابل الحصة الأكبر من أمواله "المعلنة" يربك عملية عودته مرة أخرى
القضاء يتجاهل لـ"صعوبة تتبع مسار الأموال"
السؤال الآن.. هل يقدم القضاء المصري المتورطين للمحاكمة من جديد؟
أشار مصدر قضائي إلى أن مصر موقعة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وهذه الاتفاقية ملزمة لجميع الدول الموقّعة عليها، والمحاكمة لابد أن تشمل الاتفاقية في هذه القضية وتطبقها، وكذلك قانون الكسب غير المشروع، ولكن التسريبات لم تندرج حتى الآن ضمن هذه الاتفاقية من خلال إعلان رسمي.
وعن سر تجاهل "وثائق بنما" قضائيًا حتى الآن، قال: "رفضت مصر السعي وراء التأكد من صحة وثائق بنما، لأنها تحتاج إلى جهة قانونية دولية تخاطب النيابة للتأكد من وجود الشركات وجمع المعلومات عنها، وهي تحتاج إلى خطاب قضائي دولي يؤكد صحة هذه الوثائق".
وأوضح ان الأسماء الواردة في "وثائق بنما" وعلى رأسهم علاء مبارك وغيره لن تستطيع مصر محاسبتهم قانونيًا على شاكلة قضية الأموال المهربة للخارج إبان ثورة 25 يناير، لعدم قدرة الأجهزة المصرية على تتبع هذه الأموال. وأضاف المصدر، أن السنوات الأربع الماضية، التي حاولت خلالها اللجنة استرداد هذه الاموال، فشلت في التوصل إلى حقيقة الأموال لتكوينها شبكة علاقات دولية لا يمكن تتبعها بسهولة إلا عبر تعاون من الدول المستقبلة للأموال وهو أمر يصعب تحقيقه رسميًا.
اقرأ/ي أيضًا: "وثائق بنما"..تسريبٌ بريء أم ماذا؟
"المركزي للمحاسبات": "وثائق بنما" تعطل استرداد الأموال المنهوبة
رغم الخلاف "المصري - المصري" حول التسريبات، تعترف مصادر رسمية بوجود مستندات تفيد تورط نجل مبارك الأكبر في العمليات المشبوهة، التي أكدتها "وثائق بنما"، لدى السلطات المصرية، وأجهزة الرقابة، من بينها مباحث الأموال العامة، وإدارة التعاون الدولي بوزارة العدل.
وقالت مصادر لـ"الترا صوت" إن "مصر لديها تقارير وتحريات أمنية تؤكد امتلاك علاء مبارك للشركة التي ذكرت في تقرير حول "وثائق بنما"، وأن أسهم وأصول علاء مبارك بالشركة متحفظ عليها من الاتحاد الأوروبي بناء على طلب رسمي من جهاز الكسب غير المشروع"، مضيفة: "التسريبات لا تتعارض مع تقارير مصرية حول حصول نجلي مبارك على كسب غير مشروع".
يخفي "المركزي للمحاسبات" رد فعله حيال "وثائق بنما"، في محاولة أخيرة لتصفية وإتمام 35 قضية تصالح مع رجال أعمال من رموز نظام مبارك
وكشفت أن الجهاز المركزي للمحاسبات، يبحث حاليًا الوثائق المسربة، حيث تم تشكيل لجنة داخل الجهاز لمعرفة حقائق هذه الأموال التي تم تهريبها وبعض الاتهامات حول بعض الوثائق التي أصدرتها لجنة الخدمات المالية للشركة العملاقة "بريتيش فيرجين أيلاند" في عام 2011. فيما رفض "المركزي للمحاسبات"، عبر تسريبات لمقرَّبين منه، الاعتراف بما جاء في وثائق بنما أو تأكيده، واعتبره "تقريرًا مشبوهًا هدفه تعطيل استرداد الأموال".
يخفي "المركزي للمحاسبات" رد فعله، أو تعليقه حيال "وثائق بنما"، في محاولة أخيرة لتصفية وإتمام 35 قضية تصالح مع رجال أعمال من رموز نظام مبارك في قضايا كسب غير مشروع وتهريب أموال للخارج. وقالت المصادر إن من مصلحة الدول المودع ببنوكها الأموال المهربة، الاستمرار في تجميد ممتلكات المتهمين، لأن تلك الأموال تدعم اقتصاد تلك الدول، بالإضافة إلى تدخل مخابرات بعضها لمنع حصول مصر على الأموال المهربة وأغلبها بالدولار والإسترليني واليورو.
اقرأ/ي أيضًا: