انتهى أول أمس السبت 3 أيلول/سبتمبر، في العاصمة السورية دمشق، معرض "عرض مكتبة الأسد للكتاب" في نسخته الجديدة، بعد أن كان يسمى "معرض دمشق الدولي للكتاب. المعرض افتتح في الـ23 من آب/أغسطس الفائت، وسط مقاطعة لعدد من دور النشر السورية، ومشاركة لدور نشر عربية.
تحول اسم "معرض دمشق الدولي للكتاب" إلى "معرض مكتبة الأسد للكتاب"
ووفق ما كتب من مقالات تيسر لنا الاطلاع عليها، أكد معظم كتابها على غياب دور النشر ممن اتسمت بالاتجاه "العلماني"، وكان الحضور الأكبر لدور النشر الإسلامية، حسب التصنيفات الملازمة دائمًا لأي من معارض الكتب المنتشرة في مدن مختلفة من العالم العربي، إضافة لأن الحضور هذا العام، وبعد غياب دام خمس سنوات، تمثل بمشاركة 75 دار نشر، من بينها "المركز الثقافي الروسي"، بكتب دار "التقدم" الاشتراكية، وإصدارات "المستشارية الإيرانية"، الضيف الدائم لأي نشاط ثقافي ترعاه مؤسسات النظام.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. خرائط الحرية
في دردشة سريعة مع أحد الأصدقاء، الذين ما زالوا يقيمون في دمشق، قال إن المعرض كان "إسلاميًا بحتًا"، بمشاركة سورية، ومصرية خجولة، وغياب تام لدور النشر اللبنانية العريقة باستثناء دار الفارابي، مشيرًا أن أرخص كتاب بلغ ثمنه 3,500 ليرة سورية، ما يعادل 17 دولار أمريكي تقريبًا، وهو مبلغ كبير، قياسًا بما تشهده الليرة السورية عمومًا من انهيار، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تشهدها المناطق المسيطر عليها من قبل النظام السوري، وهي الشريحة المستهدفة من المعرض.
اللافت أن موقع "مكتبة الأسد" كان قد تحدث عن "منع الكتب التي لا تتوافق مع توجه الدولة وأعراف وتقاليد المجتمع العربي السـوري"، ضمن "شروط الاشتراك"، ما يذكرنا بالدورات السابقة التي سبقت عام 2011، العام المفصلي الأبرز في تاريخ السياسة السورية، وهذا البند تحديدًا يحمل أهواء وأمزجة "الرفاق الرقباء"، الذين تم انتدابهم من القيادة القطرية لحزب البعث لهذه المهمة.
وللتذكير مرة جديدة، في عام 2008 تفاجأ الناشرون، عند عودتهم من استراحة الظهيرة، بمصادرة الكتب التي تحمل "إيحاءات جنسية" من أجنحتهم أثناء غيابهم، ودون الرجوع إليهم، إدارة المعرض عللت المصادرة، بأن مضمون الكتب لا يتناسب مع أخلاقيات المعرض، وأنه ورد إليها العديد من الاحتجاجات حول المواضيع المتطرق إليها في صفحات الكتب المصادرة، في تلك الفترة كانت دمشق اختيرت عاصمًة للثقافة العربية، لكنها كانت تتجه لأيام أكثر قتامة في ظل سياسة المنع المحببة عند مؤسسات النظام الثقافية.
كان لكتب تجريم الربيع العربي، وكتب تحليل "تنظيم داعش"، المساحة الأوسع في "معرض مكتبة الأسد للكتاب"
وبحسب الصديق عينه، كان لكتب تجريم الربيع العربي، والتحليل والتفكيك حول طبيعة ظهور "تنظيم الدولة الإسلامية"، ودور النشر صاحبة المنشورات الإسلامية، وهذ الأخيرة تطبع كتبها بعد الحصول على موافقة خطية من "وزارة الإعلام"، كي تجنب نفسها عناء المساءلة الأمنية؛ المساحة الأكبر في أرف الأجنحة، مع حضور خجول لدور النشر اللبنانية التي تقف إلى صف "الممانعة" في حربها، إن كان من ناحية الإصدارات أو التحليلات، لذا ليس غريبًا سماع أن كتاب هيثم مناع "خلافة داعش"، صاحب التحولات الدراماتيكية في مواقفه المعارضة، من الكتب المسموح عرضها.
اقرأ/ي أيضًا: علي ذرب.. أتصفح تصاوير من قمتُ بقتلهم
ولعل الرسالة التي أراد توجيهها النظام السوري من خلال تنظيمه لهذا المعرض "الهزلي"، تأكيده أنه منفتح على الفكر المعتدل، لذا ليس لديه أي مشكلة في تنظيم معرض تسيطر عليه الدور الإسلامية، لكنها معتدلة من وجهة نظر الأحادية، فهو ملتزم بمحاربة "الفكر الإسلامي المتطرف"، أو "المجموعات الإرهابية"، شاغل ومالئ بال "وكالة سانا" الرسمية.
والفكرة الثانية أن تنظيم المعرض، بالتزامن مع عرض الفيديو الترويجي للاصطياف في مدينة طرطوس الساحلية، محاولة أخرى لتثبيت فكرة سيطرته على كامل مفاصل الحياة السورية، وإعادة تدويل لوجوده من بوابة "سوريا المفيدة"، الرؤية الأبرز لحلفائه الغربيين، رغم عدم مصداقيتها، فهو ليس لديه أدنى شك بأن السفارات الأوروبية المتواجدة في دمشق، لمتابعة مصالح الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معه، سوف ترسل تقريرًا مفصلًا عن ديمقراطية النظام الإسلامية.
عمليًا هي محاولة جديدة من النظام السوري، لإثبات أن "سوريا بخير"، شعار دورة عام 2011 على ما أذكر، أيضًا كان موعده في آب/أغسطس، لكن هذه المحاولة تثبت من جديد فشل النظام السوري في تصوير نفسه على أنه راعٍ للثقافة المنفتحة، بما أن الدور المشاركة دفعت جمركها، ومنحت "مكتبة الأسد"، و"وزارة الإعلام" 11 نسخة للحصول على موافقة عرضها، بعد أن تبيّن عدم نقدها لمبادئ القومية العربية والقضية الفلسطينية حسب فهم الأسد لهما، وأنها غير متضامنة مع انتفاضة الربيع العربي.
اقرأ/ي أيضًا: