حين يسمع المرء خبرًا عن "مطاردة دولية"، فإن الصورة التي من المرجح أن تتبادر إلى ذهنه عادة هي صورة مجرم قاسٍ أو محتال على مستوى عالميّ أو زعيم عصابة مارقة، ومن الصعب بطبيعة الحال تخيّل أن الإنتربول قد يصدر أمرًا باعتقال معلّمة في الخمسينات من عمرها أفنت سنواتها في العمل في مدرسة ثانوية.
صدر ت عن منظمة الشرطة الجنائية الدولية، الإنتربول، نشرة حمراء جديدة، تضمنت أمر اعتقال وتسليم لصالح سنغافورة، بحقّ سيدة في الخمسينات من العمر فرت من البلاد بعد تنفيذ عملية غش متقنة.
لكن هذا ما حصل فعلًا، إذ صدر ت عن منظمة الشرطة الجنائية الدولية، الإنتربول، نشرة حمراء جديدة، تضمنت أمر اعتقال وتسليم لصالح سنغافورة، بحقّ سيدة تدعى يوان ني بو، تبلغ من العمر 57 عامًا، وقد فرّت من سنغافورة بعد أن خطّطت ونفّذت عملية غش متقنة لمجموعة كبيرة من الطلبة خلال امتحان القبول الجامعي الرسمي، وهو المعادل لاختبار الثانويّة العامة المؤهّل للانتقال إلى المرحلة الجامعية أو الدراسة في الكليّات المهنية.
وقد صدر حكم على المعلّمة في سنغافورة بالسجن أربع سنوات، بتهمة تنفيذ عملية غش، بالتعاون مع ثلاثة معلمين آخرين، ساعدوا الطلبة في الوصول إلى الإجابات عبر استخدام نظام متقن من الكاميرات وسماعات الأذن وأجهزة البلوتوث.
وتعمل المعلّمة الفارّة من العدالة في أحد مراكز التعليم الخاصّة، والتي تعدّ من الأعمال الأكثر إدرارًا للربح في هذه الدولة الآسيوية التي تضع أعباء كبيرة على الطلبة في الدراسة والتحصيل العلميّ، وهو ما يدفع أولياء الأمور إلى تسجيلهم في مثل هذه المراكز الخاصّة التي تكلّف شهريًا ما معدّله 1500 دولار أمريكي على الأقل.
المعلمة وشركاؤها، وهم ابنة أختها، وصديقتها، ومواطن صيني، أقدموا على تنفيذ عملية الغشّ بعد الحصول على مبالغ نقدية من رجل صيني لمساعدة عدد من الطلبة في اجتياز الامتحان، كي يتمكّنوا من الالتحاق بالجامعات المحلية في سنغافورة، بشرط إعادة المبلغ في حال لم يجتز الطلبة الاختبار.
وتمثلت الحيلة بتزويد الطلبة بسماعات دقيقة تتماهى مع لون بشرتهم، مربوطة بأجهزة بلوتوث وهواتف محمولة مخبئة بشكل متقن تحت ثيابهم، وعلى نحو يتيح لهم تلقي الإجابات من شريك المعلّمة، الذي دخل إلى القاعة متظاهرًا بأنه طالب غير انتظامي. أما المعلّمة، فعبر كاميرا مثبتة على صدرها، قامت بنقل الأسئلة إلى المعلّمتين الأخريين، كي تقوما بالإجابة عليها خارج المدرسة، وإعادتها محلولة إلى قاعة الاختبار، لتنشر عبر البلوتوث والسماعات إلى الطلبة.
إلا أن الجريمة اكتشفت حين سمع مراقب في القاعة أصواتًا متكررة تصدر بالقرب من مجموعة بعينها من الطلبة، وهم الطلبة الستّة الذين كانوا يتلقون الإجابات عبر السماعات. وبعد استجواب أحدهم، اعترف أنه كان ضمن شبكة للغش، بمساعدة المعلّمة وشركائها.
ورغم أن القضيّة تعود إلى بضعة أعوام، إلا أن الحكم الصادر بحقّ المعلّمة صدر في العام 2020، وحكم عليها بالسجن أربع سنوات، بتهمة الاحتيال والمساعدة في عملية غش. كما ألقي القبض على الشركاء الثلاث في الجريمة، إلا أن يوان ني ظلت هاربة، وهو ما دفع شرطة سنغافورة إلى التقدم بطلب المساعدة من الإنتربول، لإلقاء القبض عليها وتسليمها.
بعد استجواب أحدهم، اعترف أنه كان ضمن شبكة للغش، بمساعدة المعلّمة وشركائها.
ووفق نشرة الإنتربول الأخيرة، فإن وحدات إنفاذ القانون ضمن المنظمة مطالبة بتحديد أماكن الأشخاص المطلوبين وفق النشرة التي تتضمّن أسماءهم وأوصافهم وصورًا حديثة لهم، بالإافة إلى التهم المسندة إليهم، كي يتم اعتقالهم لأغراض تسليمهم إلى دولهم أو انتظار الإجراءات القانونية الملائمة بحسب كل حالة.
ما هي النشرة الحمراء للإنتربول؟
النشرة الحمراء هي، بحسب تعريف موقع الإنتربول، "طلب يقدَّم إلى أجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم لتحديد مكان شخص واعتقاله مؤقتا في انتظار تسليمه أو ترحيله أو اتخاذ إجراء قانوني مماثل. وهي ليست مذكرة اعتقال دولية". ويكون هؤلاء الأشخاص مطلوبين من قِبل البلد الذي طلب إصدار النشرة أو إحدى المحاكم الدولية. وتبتّ البلدان الأعضاء استنادا إلى قوانينها الخاصة في اعتقال الشخص المعني أو عدم اعتقاله.