يُسمّي الجزائريون وجبة الضرب التي ينالونها في المدرسة "الفلقة"، وهي تسمية موروثة من عهد الكتاتيب القرآنية، حيث كان الشيخ يربط رجلي "القندوز"، هكذا يسمّى طفل الكتّاب، وينهال عليه بالعصا. وأخذت "الفلقة أشكالًا مختلفة في المدارس الحديثة، بعد الاستقلال الوطني، 1962، ولم تختف حتى اليوم، حيث أمرت وزيرة التربية نورية بن غبريت، قبل أيام قليلة، بتشكيل لجان تفتيش في المؤسسات التربوية، لمعاينة حالات العنف التي يعانيها التلاميذ.
صُدم الرأي العام الجزائري بحادثة المعلمة التي فقأت عين أحد تلاميذها بخاتمها بينما كانت تعاقبه ولقيت إدانة واسعة
مع مطلع نيسان/ أبريل الحالي، استيقظ الرأي العام، في محافظة الجلفة، 300 كيلومترًا إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، على خبر صادم مفاده أن المعلمة حليمة المريني أصابت بخاتمها تلميذًا لها يُسمّى عبد الحميد صالحي، بما أفقده عينه، وهو في عمر الزهور، وهي الحادثة التي تحوّلت إلى بؤرة حديث المجالس في الواقع، وعلى جدران موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
اقرأ/ي أيضًا: من جعل الغش ثقافة عامة في الجزائر؟
في البداية، أجمع الجزائريون على استنكار الأمر، خاصّة أنه تعلّق بطفل صغير من عائلة فقيرة، ثمّ اختلفوا عليه بعد إلقاء القبض على المعلّمة، والحكم عليها بستة أشهر سجنًا نافذًا، بين مؤيّد للإجراء، ومتحفّظ على الحكم المخفّف ورافض له، لأن المعلّمة أمّ لثلاثة أطفال واحد منهم لا يزال رضيعًا، وهو الموقف الذي تبنّته النقابات المستقلّة للمعلّمين، التي رفعت شعار "كلنا المعلمة حليمة المريني" في تجمّع حاشد، منذ يومين، أمام مقر مديرية التربية للمحافظة. فيما طرح نشطاء حقوقيون وجامعيون وأعيان قبائل، فكرة الصّلح بين أسرتي المعلمة والطفل، "ذلك أن الطرفين ضحية منظومة تربوية واحدة"، بحسب النفسانية زبيدة كسّال.
يرى مختصون في الشأن التربوي جزائريًا أن من الضروري معالجة ظاهرة العنف في المدارس من جهة التلميذ والمعلم على حد سواء
من جهتها كتبت الجامعية ريان بن إبراهيم: "إن ردود الفعل التي تتعاطف مع المعلمة وتُقر بضرورة استعمال العصا في المدرسة ردود كارثية تُخفي خلفها طبقاتٍ متراكمة من الاضطرابات وعلينا أن نعي جيّدًا أن مكان المجنون في المصحة العقلية ومكان المضطرب في العيادة النفسية ومكان المجرم في السجن، أما المدارس وأقسام التلاميذ، فهي للنُبلاء الأصحاء العُقلاء، فتعليم الأطفال لا يمكن إلا أن يكون مهنة نبيلة".
ويقول المربّي فارس لوماسين لـ"الترا صوت" إن على الجزائريين أن يتناولوا المسألة بعيدًا عن الحساسيات الشخصية، والتعاطفات المربوطة بالأمزجة والعواطف، ويتخذوا منها منطلقًا لمعالجة ظاهرة العنف في المدارس، من جهة التلميذ ومن جهة المعلم معًا، بصفتهم مجموعة وطنية معنية كلها". يختم: "إدانة حالة واحدة من حالات العنف، دون إدانة السّياق العام الذي أفرزها، ومحاولة إيجاد علاجات شاملة له، ما هي إلا تشبّه بطريقة النعامة في حماية نفسها بدفن رأسها في التراب".
اقرأ/ي أيضًا: