لم يقتصر الخراب في سوريا على المنازل والبنى التحتية للبلاد، ولكنه تخطاها إلى كافة مناحي حياة السوريين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويومًا بعد آخر يتضح حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبلاد. ومع افتتاح العام الدراسي، بدأت تتكشف المصائب التي يزخر بها المنهاج الجديد والمعدل، الذي وزعته وزارة التربية على المدارس، وقد سارعوا بعد التفطن لذلك بتشكيل لجنة مهمتها كما قالوا "دراسة الملاحظات والمقترحات الواردة إلى الوزارة حول المناهج المطوّرة واتخاذ الإجراءات اللازمة حولها".
اعتبر أهالي الطلبة السوريين والمهتمين بالوضع التعليمي التغييرات على المنهاج التعليمي مغالطات وتشويهًا لذاكرة ومخيلة الطلبة
المناهج التي اعتبرها القرار "مطورة" استفزت أهالي الطلبة والمهتمين بالوضع التعليمي في البلد، وعبروا عن استيائهم الكبير من مغالطات وتشويه ذاكرة ومخيلة الطلبة، واستغرابهم من الأفكار التي تم طرحها في المنهاج على أنها تراث شعبي وهي لا تتعدى أن تكون أغاني للشارع، وكذلك الترويج لأفكار سلبية عبر "قصص فيسبوكية" تضمنها المنهاج، وقصائد شعرية بلا معنى واستعارات لا تليق بعقل الطفل ومستقبله.
اقرأ/ي أيضًا: فوضى المناهج التعليمية في الأردن
لا ثقة بلجان النظام
اللجنة التي ستدرس الشكاوى الواردة هي نفسها من أشرفت على وضع المنهاج المعدل، رئيسها نائب الوزير المعروف لدى كثير من الموجهين التربويين بالرجل الفاسد، وهي تضم الكثيرين من غير المختصين بمنهج الطفل، وهؤلاء هم، حسب النظام، من سيعيدون الأمر إلى حاله السوي؟
وعادة لا يثق السوريون باللجان التي توضع لدراسة أي شكوى مستعصية، واعتادوا على تشكيل لجان لدراسة أخطاء اللجان التي سبقتها وهذا يعني أن لا طائل سوى أن تقوم اللجنة بالرضوخ لطلبات الناس عادة، ويقتصر دورها على حذف ما يعتقدون أنه ضار بتربية أطفالهم وتاريخ بلدهم، الذي تحكمه اليوم ولاءات مختلفة.
أغاني الشارع.. تراث شعبي؟
الصور التي نشرها ناشطون وأهالي الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي فضحت المستور الذي لطالما كان التكتم عليه سر استمرار الأخطاء الفادحة، ولكن عصر التواصل السريع وضع المعنيين في (خانة اليك) كما يقول البعض، ويرى هؤلاء أن الأمر تعدى الخطأ إلى الابتذال والانحطاط والتشويه، وفي الثالثة يبدو الخطر الذي يحذرون منه.
فعلى سبيل المثال يحتوي المنهاج في الصف الرابع الابتدائي على أغان شعبية محلية يغنيها الناس في الأعراس والحفلات، ومعدّو الكتاب رأوا أن هذه الأغاني هي من التراث الشعبي وضعها موسيقيون غير محترفين أثناء قيامهم بطقوسهم اليومية (الحصاد، العرس، الحنة، عصر الزيتون).. وهنا مربط الفرس في أن هذه الأغاني لا تمت بصلة لما يشرحه المعدّ.
وهنا نضرب مثلاً على أغنية من تراث منطقة حوران في جنوب سوريا تقول كلماتها: "من مفرق جاسم للصنمين.. حاجي تهلي الدمع يا عيني"، وهي لا تعبر عن الحصاد والعرس والحنة وعصر الزيتون، بل من أغاني الأعراس الشعبية التي تعبر عن الشوق وانتظار المحبوب.
يؤكد سوريون أن أخطاء لغوية فادحة ومنهجية وسلوكية في المنهاج التعليمي الجديد وأنه يجب إيقافها لتجنب خطر التجهيل
اقرأ/ي أيضًا: التركية في مناهج تونس.. جدل السياسة في التعليم
سميرة توفيق والصبوحة
"يا بيتي يا بيوتاتي" للشحرورة صباح، و"بيت الشعر يلقوني ع ولدكم دلوني" لسميرة توفيق من ضمن المنهاج الجديد للمرحلة الابتدائية للتدليل على قيم البيت المستقر، حب المنزل، وهذا ما أطار صواب السوريين إذ رأوا أن هذا "الاستهتار"، حسب رأيهم، لا يمكن السكوت عنه، ولدينا من التراث الشعري وشعر الأطفال في سوريا ما يعبر عن هذه القيم، وترحم كثيرون منهم على أشعار سليمان العيسى وسمير ستيتية، الذين سيطرت قصائدهم على أناشيد أجيال متتالية من السوريين سابقًا.
أجيال في خطر
الأمثلة التي سقناها لاعتراضات السوريين على المنهاج الجديد هي الأكثر تداولاً فيما يتحدث آخرون عن أخطاء لغوية فادحة، وأخطاء منهجية وسلوكية يجب إيقافها فورًا وإلا أجيال سورية، نجت من آلة قتل النظام وحلفائه، ستغرق في خطر جديد من التجهيل و"تقتل" بمنهاجه.
اقرأ/ي أيضًا:
المناهج الدينية المصرية بحاجة إلى مناهج!
"المدنيات".. نكبة تعليمية في فلسطين