ألترا صوت - فريق التحرير
لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي العراقية في الأسبوعين الماضيين، مشابهة للمعتاد. إذ لم تأخذ المباراة النهائية لكأس العالم الاهتمام الأكبر، كما لم ينشر كتَّاب الخواطر مقطوعاتهم الغزلية، وكانت كلمتا "ثورة" و"تظاهرة" الأكثر تكرارًا على صفحات الجميع، إلى أن قُطعت خدمة الإنترنت، وهي الخطوة التي جسدت المخاوف التي أثارتها هاتان الكلمتان في أوساط السلطة العراقية.
تمكن الناشطون العراقيون من كسر الحظر والترويج للتظاهرات وتبادل الصور والمقاطع المرئية التي توثق الانتهاكات
48 ساعة من انقطاع خدمة الإنترنت، لجأ فيها الناشطون إلى موقع "سينمانا" غير المشمول في قطع الخدمة على إحدى الشبكات الداخلية، المخصص لعرض الأفلام والمسلسلات، ليجعلوا من التعليقات فيه منصة جديدة يُحشد فيها للتظاهرات المندلعة في المحافظات الوسطى والجنوبية، ثم عاد الإنترنت مصحوبًا بحظر لوسائل التواصل ومحرك بحث غوغل ومتاجر التطبيقات الرسمية على نظامي أندرويد وآي أو أس.
تمكن الناشطون وبالاستعانة بتطبيقات VPN من كسر الحظر والترويج للتظاهرات وتبادل الصور والمقاطع المرئية التي توثق الانتهاكات، التي تعرض لها المتظاهرون وأسفرت عن 13 قتيلاً، كان آخرهم اثنان قتلا يوم الجمعة الـ20 من شهر تموز/يوليو الجاري في محافظتي النجف والديوانية، كما أشارت أنباء إلى مقتل متظاهر آخر بالديوانية متأثرًا بجراح أصيب بها الجمعة، بالإضافة إلى مئات المصابين بحسب مصادر غير رسمية، واعتقال المئات من المتظاهرين بحسب ناشطين.
أنقذوا الشعب العراقي
وانتشر وسم save_the_iraqi_people# كالنار في الهشيم على وسائل التواصل العراقية، ليطالب كل من يستطيع بإنقاذ العراقيين من حكومتهم، ونقل ما يحدث داخل العراق إلى العالم، بعد أن أدى قطع شبكة الإنترنت ثم حجب مواقع التواصل إلى عزل وتحويل البلد المنتفض على انعدام الخدمات وفرص العمل، إلى زنزانة كبيرة يقبع معتقلوها تحت الأحكام العرفية التي فرضها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي.
اقرأ/ي أيضًا: حلف المليشيات وسلطة المحاصصة.. جدار الحرس القديم ضد الشارع العراقي
وتم من خلال هذا الوسم تبادل عناوين البريد الإلكتروني وأرقام هواتف وكالات الأنباء العالمية والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كما وجه العديد من المثقفين والكتاب المعروفين ومنهم الروائي أحمد سعداوي، رسائل إلى المجتمع الدولي لتوضيح الصورة عن إجراءات الحكومة العراقية بالتصدي للتظاهرات وقمعها.
وكان من إحدى ثمار هذا الوسم، تقرير لمنظمة العفو الدولية ينقل عددًا من حالات الاعتداء على المتظاهرين السلميين، من مصادر وصفتها المنظمة بـ"الموثوقة"، كما اتهمت الحكومة العراقية باستخدام قطع الإنترنت للتغطية على الانتهاكات ومنع تسريب الشواهد إلى الإعلام، ومنح القوات الأمنية "تخويلًا مطلقًا" بقمع التظاهرات السلمية.
تظاهرات 20 تموز
وبحسب الإعلامي حيدر حمزوز، فقد استخدم وسم #مظاهرات_عشرين_تموز أكثر من 20 ألف مرة على تويتر رغم حجب الموقع. وقد بدأت التظاهرات في ذي قار مع ساعات الصباح الأولى، وفي الوقت نفسه كان هناك ترقب كبير لخطبة الجمعة التي يلقيها ممثل المرجع الديني علي السيستاني في كربلاء، والتي كان من المتوقع أن تدين قتل المتظاهرين واعتقالهم بشكل تعسفي وتدعم مطالبهم، لكن الخطبة لم تتطرق إلى التظاهرات مما أثار امتعاض المحتجين في وسط وجنوب البلاد.
ورغم ضيق الوقت بين موعد التظاهرة وخطبة الجمعة، إلا أن اليافطات التي أدانت تجاهل المرجعية الدينية العليا في العراق للمتظاهرين كانت متواجدة في جميع التظاهرات، فأشارت إحدى اليافطات في محافظة النجف حيث يسكن المرجع السيستاني إلى إحدى فتاواه السابقة المثيرة للجدل، حول تحريم إحدى الألعاب الإلكترونية على الهواتف المحمولة، وكُتب عليها: "يحكى أن رجلًا حرم لعبة clash of clans ولم يحرم قتل المتظاهرين"، فيما رفع محتج آخر يافطة يطالب بها السيستاني أن يتضامن مع متظاهري العراق كما فعل مع متظاهري البحرين والسعودية.
وفي بغداد شهدت التظاهرات هتافات تطالب بإسقاط النظام، وأخرى تدعو الجيش إلى تنفيذ انقلاب عسكري وعدم اصطفافه مع الظالم، وتم تفريق التظاهرات في بغداد والنجف بالقنابل المسيلة للدموع وملاحقتهم واعتقال العشرات منهم، فيما أطلق سراح معظمهم بحسب ناشطين، وأدى الغاز إلى وفاة متظاهر في النجف. أما في الديوانية فأطلق مسلحون يعتقد أنهم تابعون لمنظمة بدر التي يرأسها نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وزعيم تحالف الفتح الانتخابي، هادي العامري، النار على أحد المتظاهرين وأردوه قتيلًا.
غياب القادة
وكان من أبرز مظاهر التظاهرات في العراق أنها بلا قيادة معروفة، الأمر الذي جعل عملية مساومة الحركة الاحتجاجية بالغة الصعوبة، كما دفع هذا الأمر إلى متابعة الناشطين المحرضين على التظاهرات في جميع المحافظات من قبل الأجهزة الأمنية، وإصدار المئات من مذكرات القبض بحقهم.
أصر الكثير من المتظاهرين العراقيين على بقاء التظاهرات بلا لجان تنسيقية لتجنب ملاحقتهم والتأثير على ديمومة التظاهرات
وتسربت وثيقة في محافظة الديوانية تسمي عددًا من الناشطين الفاعلين على وسائل التواصل الاجتماعي قبيل انطلاق تظاهرات 20 تموز/يوليو الجاري، وتتهم ثلاثة منهم بإطلاق وسم save the Iraqi people.
وأصر الكثير من المتظاهرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على بقاء التظاهرات بلا لجان تنسيقية لتجنب ملاحقتهم والقبض عليهم والتأثير على ديمومة التظاهرات، بالإضافة إلى تجنب انحرافها لصالح تيارات سياسية معينة.
وأدى غياب القيادة الواضحة للتظاهرات إلى اصطباغ حكومة العبادي المنتهية ولايتها بالصبغة البوليسية بعد تفعيل جهازي الاستخبارات والأمن، على أعلى مستوى بخصوص التظاهرات. إذ حذر ناشطون المتظاهرين من التواجد في المقاهي بسبب الحضور الكثيف لعناصر الأمن بالثياب المدنية فيها.
رفع سقف المطالب
ورغم اقتصار المطالب في بداية الاحتجاجات على توفير الخدمات وفرص العمل، إلى أن المتظاهرين في أغلب المحافظات الآن بدؤوا يطالبون بشكل واضح باستقالة المحافظين ونوابهم ورؤساء مجالس المحافظات، كما بدأ هتاف "إسقاط النظام" يأخذ حيزًا من التظاهرات وقد يتحول إلى مطلب موحد في الأيام القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات البصرة في العراق.. النار لا تأتي إلا بالنار!
وتشير دلائل كثيرة إلى أن سقف المطالب مستمر بالارتفاع، وأهمها إصدار العبادي للعديد من البيانات التي تتحدث عن إطلاق الآلاف من فرص العمل، والبدء بصيانة وتنفيذ العديد من المشاريع الخدمية بما يلبي حاجة المحافظات المنتفضة، والتي تجاهلها المحتجون بشكل تام، لا سيما بعد رصد الآلاف من ملفات التقديم على وظائف في حاويات النفايات، بعد أن كان قد أُعلن عنها في محافظة البصرة.
أما المحتجون فقد أخذوا يطلقون مصطلح الثورة على احتجاجاتهم، كما أن المتظاهرين في بغداد، قبل قمعهم، كانوا يحاولون الدخول إلى المنطقة الخضراء حيث يتواجد مقر مجلس النواب ورئاسة الوزراء ويسكن معظم أفراد الطبقة السياسية، مؤكدين بهتافاتهم أن ما يحدث هو "ثورة شبابية".
ويترقب العراقيون يوم الجمعة القادم، بعد استمرار التظاهرات بشكل غير مسبوق، في أيام غير الجمعة، في الديوانية وذي قار، وبدء التلويح بالعصيان المدني، بينما تناقل ناشطو بغداد رسالة يوم الأحد، للتحشيد لتظاهرات الجمعة القادمة تحت عنوان "جمعة الحقوق".
اقرأ/ي أيضًا:
تظاهرات البصرة.. نار القمع والإفقار تأكل عاصمة اقتصاد العراق!