داخل معرض الخرطوم الدولي للكتاب، تجلس غريزلدا ويليام، الفنانة التشكيلية الإنجليزية وزوجة العالم والأديب السوداني عبد الله الطيب، وحيدة في فناء جناح صغير منعدم التهوية. وقد قررت غريزلدا الطيب، أن تعيش شيخوختها في السودان، تحرس ذكرياتها إلى أن تدفن بجوار قبر زوجها الراحل، في وفاء نادر.
عانى الناشرون في معرض الخرطوم للكتاب من عديد المشاكل على رأسها غلاء إيجار مساحات العرض الأمر الذي تسبب في غلاء الكتب
كان أكثر ما يؤرقها أن عبد الله الطيب تعرض للظلم والتجاهل حيًا وميتًا، وهي تحاول اليوم أن تعوض ذلك من خلال إعادة طباعة مؤلفاته القيمة، والاعتناء بمساهماته التاريخية، ولذا كافحت من أجل تصميم جناح خاص به في معرض الخرطوم، يحتوي كل ما يتعلق بالرجل العالق في ذاكرة السودانيين.
اقرأ/ي أيضًا: معرض الخرطوم لـ"حظر" الكتاب
معاناة غريزلدا واجهت معظم الناشرين الذين يشاركون في دورة المعرض لهذا العام 2018، إن لم يكن جميعهم، فقد واجهتهم نفس المشاكل المتمثلة في الشحن والترحيل، وغلاء إيجار مساحات العرض، وضيق الوقت، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار الكتب المعروضة، على نحوٍ كاد يزهق تلك المقولة الشهيرة: "القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ".
غلاء وعزوف عن الشراء
وفي جولة قام بها "ألترا صوت" داخل ردهات المعرض، كانت نبرة الشكوى هذه المرة عالية جدًا، من قبل الناشرين والزوار أيضًا، إزاء التنظيم والترتيب لفعاليات المعرض الحالي، والذي يعتبر هو الأسوأ بالمقارنة مع الدورات السابقة، نسبة للغلاء، وفي المقابل العزوف عن الشراء، والاكتفاء بتصفح العناوين والأغلفة.
ووفقًا لحديث بعض الناشرين، فإن الغلاء ليس نتيجة لجشعهم، وإنما لضعف العملة السودانية مقابل الدولار، بجانب غياب دور عرض لبنانية ومصرية شهيرة، يعتمد معظم السودانيون عليها بصورة أساسية في الحصول على آخر الإصدارات.
وانطلقت فعاليات الدورة 14 لمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، بمشاركة 250 ناشرًا من داخل السودان وخارجه، يعرضون 24 ألف كتاب في مختلف فروع المعرفة الأدبية والعلمية والسياسية والاقتصادية والتاريخية. كما يحتفي المعرض لأول مرة بالأديب السوداني الراحل عبدالله الطيب، كشخصية لهذه الدورة.
إضافةً إلى ابتدار سلسلة من الندوات الفكرية والبرامج الثقافية المصاحبة للمعرض، والاهتمام لأول مرة تقريبًا بعملية تدشين الكتب وتوقيعات المؤلفين لإصداراتهم وكتبهم الجديدة، بهدف تسويقها، مع الأخذ في الاعتبار أن غالب المؤلفين خارج السودان لم يتم دعوتهم أو التكفل بنفقة إقامتهم داخل السودان.
وجهة سياحية
ورغم كثافة الحضور، إلا أن الإقبال على شراء الكتب كان ضعيفًا للغاية. فيما حافظت الرواية على سطوتها للعام الثاني، حيث قدمت دور النشر كتُابًا شباب في بواكير إنتاجهم الأدبي، ولجوا مجال الشعر والكتابة السردية مؤخرًا.
وتأتي بعدها كتب الاطفال وفن الطباخة، كنوع من اهتمام الأسر السودانية، ونتيجةً لذلك ازدهرت المطاعم والمقاهي الاستهلاكية داخل المعرض أكثر من الثقافية، وتحول المعرض إلى وجه سياحية، بخلاف ما كان عليه الحال في الماضي.
فضلًا عن المعارض الدينية، والتي تبيع الكتب والأشرطة الدينية بأسعار معقولة، مقارنة بالدور الأخرى، وأحيانًا تقوم بتوزيعها مجانًا، ولعل هذا مرده الدعم المالي الكبير والرعاية التي تجدها هذه الدور من بعض الدول الخليجية، تحديدًا السعودية والكويت.
تقصير وعدم اهتمام
من جانبه عبر الكاتب والروائي السودان عمر فضل الله -الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية 2018 عن روايته "أنفاس صليحة"- عن انزعاجه لتجاهل روايته. وقال عمر في تدوينة على صفحته بفيسبوك، إن هذه أول زيارة له لمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، وكانت لتوقيع الرواية الفائزة بجائزة كتارا للرواية العالمية هذا العام.
وأضاف: "أعلنت مسبقًا أنني سوف أشارك بتوقيع روايتي بمنصة دار مدارات للنشر، وقامت الأستاذة سناء أبوقصيصة صاحبة الدار بالتواصل مع إدارة المعرض أكثر من مرة، إلا أنني فوجئت بالتجاهل التام لإدارة المعرض لهذا الحدث، حيث لم تتواصل معي ولم يتم إدراجي ضمن الفعاليات".
وتساءل عمر فضل الله: "إن لم تحتفل إدارة المعرض بمن فاز بجائزة عالمية باسم السودان، فبمن تحتفل؟"، مبديًا استغرابه من أن الفعاليات التي ترعاها الجهات الحكومية، دائمًا تأتي "بمستوى سيء من الأداء"، بينما "تتميز الفعاليات الأخرى التي يرعاها القطاع الخاص بالنجاح والاهتمام"، معبرًا عن ضيقه بالقول: "إذا اعتاد الناس السكوت على التردي والتقصير فقد عودت نفسي أن أصدع بما أراه صوابًا ولا أخشى عاقبته مدى الدهر" .
"هيا بنا نعمل معرض"!
وفي ذات السياق، قال الناقد الثقافي هيثم الطيب لـ"ألترا صوت"، إن تنظيم المعارض "علم يدرس، لكن في السودان يتم على طريقة: هيا بنا نعمل معرض!".
وأشار الطيب إلى أن الأمور في المعرض "تتم على طريقة احتفالية فقط، وتأتي الفعاليات المصاحبة بشكل غير مخطط له بشكلٍ جيد". ولفت إلى أن شخصية المعرض لهذا العام، وهو عبدالله الطيب، لم تعطى حقها كما ينبغي.
ونبّه هيثم الطيب إلى ضرورة وجود "رؤية نحاكم بها وزارة الثقافة التي لا تعمل وفق رؤية علمية لتنظيم المعرض، ولا تعمل على حل الإشكاليات"، مضيفًا: "هذا العام المشاركة الخارجية ضعيفة بسبب الوضع الاقتصادي المتراجع، ولذلك دور النشر الخارجية لن تأتي بالشكل المفترض به".
عانى معرض الخرطوم للكتاب من سوء الإدارة والتنظيم بشكل ملفت، كما أثرت الظروف الاقتصادية على المشاركة الخارجية في المعرض
وتساءل الناقد الثقافي: "هل يمكن أن تأتي دار نشر وتخسر مصاريف عرض وإقامة لموظفين، وكل التكاليف، لتعرض كتاب ثمنه 100 جنيه، أي دولارين فقط!".
اقرأ/ي أيضًا: