"ولي العهد لم يكن لديه سابق معرفة"، إجابة مختصرة دون الولوج في التفاصيل اللازمة، قالتها النيابة السعودية خلال مؤتمر صحفي عقد اليوم الخميس، لإعلان آخر التطورات في التحقيقات السعودية المتعلقة باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وكانت الإجابة ردًا على سؤال: هل كان لدى ولي العهد محمد بن سلمان علم باغتيال خاشقجي؟
عقدت النيابة العامة السعودية مؤتمرًا للإعلان عن آخر تطورات تحقيقاتها حول مقتل خاشقجي، لم يخلُ من التضارب في سرديته
ما جاء في المؤتمر وفي البيان الصادر عنه، لم يكن مقنعًا في تضاربه، فمن جهة أكدت المعلومات السعودية المعلنة رسميًا أغلب التسريبات والروايات التي دأبت السعودية وولي العهد نفيها في السابق، بينما تحاشت النيابة إعلان أسماء المتورطين، كما لم تعط تفاصيل حول مدى قرب هؤلاء سواء الشخصي أو بحكم المنصب، من ولي العهد.
اقرأ/ي أيضًا: السعودية أمام سؤال خاشقجي.. تناقضات وخطوات إلى الخلف
وأضاف المؤتمر مزيدًا من دواعي السخرية والرفض للشكل السعودي المفضوح في محاولة الدفاع عن ولي العهد محمد بن سلمان. واتهمت حسابات معارضة لحكومة السعودية، النيابة العامة والسلطات السعودية بالكذب والتضليل، ومحاولة تبرئة متورط حقيقي هو محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.
وفي المقابل، كان الترحيب المعتاد من مؤيدي ولي العهد، وترديد نفس الاتهامات بتورط تركيا وقطر في العملية وكذب الجزيرة والإعلام، رغم أن أغلب ما جاء في بيان النيابة العامة لم يكن إلا تأكيدًا لروايات الإعلام!
وقد طالبت النيابة العامة السعودية بتوقيع عقوبة الإعدام بحق خمسة أشخاص من 11 متهمًا متورطًا بشكل مباشر في الجريمة، من أصل 21 موقوفًا، غير أنها لم تعلن عن أسماء أيٍّ منهم.
أبرز نقاط البيان وملاحظات على التضارب
بدلًا من تهدئة الرأي العام، ساهم المؤتمر والمعلومات والإجابات غير المقنعة فيه، وغيرها من المعلومات التي أعلنت عنها النيابة السعودية، في طرح المزيد من الشكوك والاتهامات للمملكة، بعدم الإعلان عن نتائج التحقيقات الحقيقة، واستمرار إخفاء حقائق لا تعلن إلا بعد تسريبات صحفية أو رسمية.
وأكد البيان في معظم بنوده العديد من التسريبات التي خرجت عبر وسائل الإعلام حول قتل وتقطيع جثمان خاشقجي، ووجود فريق تحرك من السعودية إلى إسطنبول لتنفيذ الجريمة، ووجود متعاون محليّ تركي.
وجاءت أبرز نقاط البيان على لسان شلعان بن راجح الشلعان وكيل النيابة العامة السعودية، وفقًا للتحقيقات التي جرت مع الموقوفين الـ21، في عدة نقاط، هي:
- نائب الاستخبارات العامة السابق، أحمد العسيري، أصدر أمرًا باستعادة خاشقجي بالإقناع، وإن لم يقتنع يعاد بالقوة. وتم تشكيل فريق من 15 شخصًا لاحتواء واستعادة خاشقجي، وتم تقسيم الفريق إلى ثلاث مجموعات: تفاوضي واستخباري ولوجستي، وتم تكليف ضابط يعمل مع مستشار سابق، إشار لسعود القحطاني، ليقوم بترأس مجموعة التفاوض، وفقًا لطلب من رئيس الفريق الموكل من العسيري.
- اجتمع سعود القحطاني مع الفريق ليطلعهم على بعض التعليمات والمعلومات بحكم تخصصه الإعلامي، وبررت النيابة موقف القحطاني بأنه اعتقد أن المجني عليه تلقفته منظمات ودول معادية للسعودية، على حد تعبير البيان. وتواصل قائد المهمة التي لم يذكر البيان اسمه، لكن يتوقع أن يكون ماهر مطرب، مع أخصائي في الأدلة الجنائية، بهدف مسح الآثار الحيوية المترتبة من العملية، في حال تطلب الأمر إعادته بالقوة. كما تم التواصل مع متعاون في تركيا لتجهيز مكان آمن في حال تطلب إعادة خاشقجي بالقوة.
- وقالت النيابة العامة السعودية إن رئيس مجموعة التفاوض -التابع للقحطاني- اتخذ قرار القتل قبل دخول خاشقجي، وبعد معاينة القنصلية، في حال لو رفض خاشقجي التفاوض والسفر للسعودية. وبعد عراك وشجار وتقييد وحقن خاشقجي بإبرة مخدرة بجرعة كبيرة أدت إلى وفاته، تم تقطيع الجثة من قبل المباشرين بالقتل، وهم مجموعة التفاوض المكونة من خمسة أفراد، ثم نقلت بقايا الجثة إلى خارج مبنى القنصلية.
أبرز الملاحظات على بيان النيابة العامة هي غياب أي دورٍ لابن سلمان في عملية قادتها مستشار في الديوان ونائب رئيس المخابرات، وكأن ابن سلمان لا يحكم ولا علاقة له بمرؤوسيه المباشرين وتحركاتهم!
ما يزيد من صعوبة تصديق عدم علم ابن سلمان بالعملية من أولها لآخرها، هو الدور الكبير الذي قام به سعود القحطاني في العملية، فقائد التفاوض الذي تولى القتل هو ومجموعته تابعٌ للقحطاني بشكل مباشر، كما أن القحطاني اجتمع بالفريق، كل ذلك ولا يعرف ابن سلمان باعتباره وليًا للعهد وحاكمًا فعليًا للبلاد، أي شيء عن العملية، بحسب بيان النيابة السعودية! علمًا بأن القحطاني هو مستشاره الخاص الذي يؤكد ويعلن دائمًا أنه يكتب ويفعل وفقًا لما يمليه عليه "سيده ولي العهد". فهل يُعقل أن يأخذ قرارًا بخطف وقتل شخصية بارزة كخاشقجي دون أي علم لابن سلمان؟!
وهناك ملاحظة أخرى على مؤتمر وبيان النيابة السعودية، تلك الخاصة بالمتعاون المحلي، فرغم السؤال المتكرر من الجانب التركي على كافة مستوياته، حول هوية المتعاون المحلي الذي تسلّم الجثة، إلا أن النيابة السعودية، لم تشر للمتعاون المحلي إلا في موضعين فقط، دون أن تذكر اسمه أو أي معلومات عنه، رغم أنه بطبيعة الحال معلوم لدى منفذي جريمة القتل. ومع ذلك لم تجب النيابة عن سؤال "من هو المتعاون؟"، وبدلًا من ذلك قالت إن لديها "صورة تقريبية" له ستسلمها للجهات التركية!
ولي العهد متورط
حسابات معارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأخرى لصحفيين، قللت من قيمة بيان النيابة العامة، وسخرت منه، تحت وسمي "#بيان_النائب_العام" و"#النيابة_العامة"، اللذين تصدرا الترتيب على تويتر في السعودية، ومن المتوقع أن يدخلا ضمن الأعلى تفاعلًا عالميًا خلال إعداد هذه المادة.
وغرد الناشط السعودي عمر بن عبدالعزيز، قائلًا: "أثبت البيان كذب محمد بن سلمان وكذب الحكومة السعودية سبع مرات، وكذب خالد بن سلمان، وكذب المدعي العام حين أنكر قصة المتعاون، وكذلك صحة التسريبات التركية، وصدق قناة الجزيرة، وافتضاح الأبواق التويترية والطبول، والأهم أن محمد بن سلمان قاتل يقود مافيا من القتلة والسفاحين".
فيما سخر حساب معتقلي الرأي من ادعاء عدم معرفة ولي العهد بجريمة قتل خاشقجي، فغرد: "لعل ولي العهد لا يعرف أيضًا بمعتقلي أيلول/سبتمبر، ولا يعرف بأن النيابة العامة تُطالب بقتل العودة والقرني والعمري. ولعله لا يعرف أيضًا أن جمال خاشقجي كان صحفيًا".
وغرد المعارض تركي الشلهوب: "سعود القحطاني وأحمد عسيري وآخرين، كانوا ينفذون أوامر محمد بن سلمان. ابن سلمان هو المجرم الحقيقي، فلا تضحكوا على أنفسكم بهذه المسرحية المفضوحة".
في المقابل دافع مؤيدو السلطات السعودية وولي العهد ابن سلمان، عن رواية النيابة العامة، خاصة الجزئية المتعلقة بعدم معرفة ابن سلمان بجريمة القتل قبلها.
تفاعل المعارضون مع بيان النيابة السعودية بالسخرية من تعزيزه لتضارب الرواية الرسمية ما قد يؤكد تورط ابن سلمان في جريمة خاشقجي
الدفاع المتكرر عن أي فعل للسلطات السعودية، دفع الحسابات المعارضة للسخرية من ذلك، لما يتأتى عليه ركوب موجة التضارب الذي عرفته السردية السعودية الرسمية منذ أول كشف عن اختطاف خاشقجي. فغرد شلهوب عن ذلك: "عندما قالت الحكومة خاشقجي خرج من القنصلية، صرخ المطبّلون قطر هي التي قتلت خاشقجي، وعندما اعترفت الحكومة بأن خاشقجي قُتِل داخل القنصلية، صرخ المطبلون: يا سلام.. شفافية ومصداقية عالية. ما أحقركم يا عبيد".
اقرأ/ي أيضًا: