على الأرجح أنك سمعت عن الجيوش التي خاضت وتخوض حروبًا مفتوحة ضد كارتيلات المخدرات في أمريكا اللاتينية، لكن ماذا عن تعاطي المخدرات أثناء الحروب من قبل الجيوش نفسها؟ في الواقع، سارت المخدرات والحروب جنبًا إلى جنب، على مر التاريخ، إذ إن الصراع العسكري هو بيئة مرهقة جسديًا وعقليًا، وقد يكون ضغط ساحة المعركة مصدرًا للصدمة والجنون بين الجنود، ومن ثمة فدخول المخدرات في صميم دينامية الحرب ليسا غريبًا، وإن بدا كذلك!
خلال فترة من التاريخ استخدمت المخدرات لإعطاء الجنود شجاعة لا تقهر في المعارك، فكان يعول عليها لإبقائهم في ساحة المعركة للنهاية
في وقت من التاريخ، كانت تُوظف المخدرات لإعطاء الجنود شجاعة لا تقهر في ساحة المعركة، واستخدمت أيضًا لتسكين آلام الجرحى من الجنود، كما كان يعول عليها لإبقاء المحاربين في ساحة المعركة حتى النهاية. أما الآن، فعلى الرغم من شيوع سياسة عدم التسامح في أوساط الجيوش النظامية عندما يتعلق الأمر بالمخدرات، إلا أن العديد من الأفراد العسكريين يتعاملون مع الضغط من خلال اللجوء إليها كعلاج ذاتي، في حين تستخدم على نطاق واسع داخل المليشيات المسلحة.
اقرأ/ي أيضًا: رغم تسليم "إل تشابو" والحرب على المخدرات.. المكسيك أرض العصابات الخصبة
بداية من المخدرات التقليدية، مثل الحشيش والهيروين والفطر المخدر والماريغوانا، إلى المركبات الكيميائية كالمورفين والكوكايين والميتافيتامين والفينيثيلين، كلها أصناف من المخدرات استعملت في الحروب ولا تزال تستعمل.
المخدرات في حروب هتلر
في رسالة مؤرخة بالتاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 1939، يكتب أحد الجنود الألمان إلى عائلته في كولونيا: "إن الأمر صعب هنا، وآمل أن تفهمي أني لا أعلم إن كنت قادرا على الكتابة إليكم مرة واحدة كل يومين أو أربعة أيام، واليوم أنا أكتب لكم الآن خصيصًا لترسلوا لي المزيد من البيرفيتين. مع حبي، هاين".
والبيرفيتين هو عقار مكون من الميتافيتامين بالأساس، يعمل كمنبه شديد للجهاز العصبي، حيث يمكن أن يبقي الجندي مستيقظًا لأيام، ويعزز من أدائه دون تعب أو إجهاد، بل يُدخل عليه نوعًا من البهجة الهيستيرية وسط سوداوية الحرب. وقد طرح عقار البريفيتين لأول مرة في السوق الألماني عام 1938، من قبل شركة تيملير للأدوية التي اتخذت من برلين مقرًا لها آنذاك.
تقول مجلة دير شبيغل الألمانية، إن الشركة استلهمت إنتاج هذا العقار، بناء على تجارب طبيب عسكري ومدير معهد علم وظائف الأعضاء والدراسات العامة في أكاديمية برلين، يدعى أوتو رانك، والذي وجد أن تأثيرات الأمفيتامينات تتشابه مع تأثيرات الأدرينالين الذي ينتجه الجسم، مما يؤدي إلى حالة من التأهب العالية، بحيث تزيد هذه المادة من الثقة بالنفس والتركيز والاستعداد للمجازفة، وفي نفس الوقت تقلل من الحساسية للألم والجوع والعطش والحاجة إلى النوم.
وكان العديد من جنود جيش ألمانيا النازية، يتعاطون بإفراط البيرفيتين عندما يدخلون المعارك، خاصة ضد بولندا وفرنسا، حينما كانت الحرب خاطفة وتعتمد على السرعة.
وخلال النصف الأول من عام 1940، تم تزويد الجيش الألماني بملايين أقراص الميتامفيتامين، وكانت هذه العقاقير جزءًا من الخطة الهيتلرية لمساعدة الطيارين والبحارة وقوات المشاة على القيام بأداء خارق.
في الحقيقة، يعزو البعض النصر النازي في معركة فرنسا، إلى المخدرات، فلم يكن هتلر مستعدًا للحرب، ولم يكن الجيش الألماني بنفس قوة الحلفاء، وكانت معداتهم سيئة وكان لديهم ثلاثة ملايين جندي فقط مقارنة بأربعة ملايين من الحلفاء. لكن الألمان المسلحين بالبيرفيتين تقدموا سريعًا من خلال التضاريس الصعبة، دون نوم لمدة 36 إلى 50 ساعة، حتى فاجأوا قوات الحلفاء الذين لم يكونوا يتوقعون وصولهم بهذه السرعة.
وكانت نهاية استهلاك النازيين لهذا العقار سنة 1945، عندما قُصف مصنع تيملير لإنتاج البيرفيتين من قبل الحلفاء.
المخدرات في كابوس فيتنام
في عام 1971، وجد تقرير صادر عن لجنة بالكونغرس الأمريكي، أن القوات المسلحة الأمريكية استخدمت حوالي 225 مليون قرص منبه بين عامي 1966 و1969، فقد كانت حرب الفيتنام أشد المعارك التي واجهها الجيش الأمريكي، مما حتّم على العسكريين استهلاك المواد ذات التأثير النفساني بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الأمريكي، حتى باتت تعرف تلك المعارك بـ"حرب العقاقير".
خلال ثلاث سنوات، استهلك جنود الجيش الأمريكي في فيتنام، 225 مليون قرص منبه، حتى سميت حرب فيتنام بـ"حرب العقاقير"
هذا ما يفسر سبب معاناة الكثير من المحاربين القدماء في تلك الحرب من اضطراب ما بعد الصدمة، حيث تظهر الدراسة الوطنية لإعادة تنظيم محاربي فيتنام القدامى التي نشرت عام 1990، أن %15.2 من الجنود الذكور و %8.5 من الإناث اللواتي اختبرن القتال في جنوب شرق آسيا عانين من اضطراب ما بعد الصدمة. ووفقا لدراسة أجرتها "JAMA Psychiatry"، وهي مجلة دولية تعتمد على مراجعة الأقران، فإنه لا يزال هناك قرابة 200 ألف شخص يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، بعد مرور نصف قرن من حرب فيتنام.
اقرأ/ي أيضًا: خسائر فادحة في صفوف الجنود الأمريكيين والسبب.. تعاطي الأفيون!
ونشرت "ذي أتلانتك" مقالًا مطولًا، قالت فيه: "لقد أسهمت إدارة المنشطات من قبل الجيش، في انتشار عادات المخدرات، وأحيانًا كانت لها عواقب مأساوية، لأن الأمفيتامين، كما يقول العديد من المحاربين القدامى، زاد من العدوانية واليقظة المفرطة لديهم، بعد أن عادوا إلى الوطن، ما سبب لهم الكثير من المشاكل في حياتهم". وتعد قضية المحاربين القدامى في الولايات المتحدة إحدى المشاكل الوطنية التي تلتهم مليارات الدولارات من الميزانية العامة، من أجل جبر الأضرار ومعالجة المشاكل النفسية للجنود.
مخدرات الجهاديين!
شهدت حروب الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة زيادة ملفتة في رواج الكبتاغون، وهو مخدر أمفيتامين يُنظر إليه على أنه عامل يؤجج الحرب الأهلية المستعرة في سوريا، خاصة وأن تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، رصد كميات ضخمة من هذا المخدر، تروج في الشرق الأوسط، وتنتج في غالبيتها من لبنان وسوريا.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، استولت السلطات التركية على 11 مليون قرص من الكبتاغون على الحدود السورية التركية، وفي حزيران/يونيو 2017 أعلنت الجمارك الفرنسية حجز 750 ألف قرص من مخدر الكبتاغون، بمطار شارل ديغول، وقالت إنه يتعلق بالصراع في سوريا، إذ يُعرف هذا المخدر بـ"مخدر الجهاديين".
في فيلم وثائقي لـ"بي بي سي"، بعنوان "مخدرات الحرب السورية"، يقول كالفن جيمس وهو طبيب أيرلاندي يعمل في سوريا لصالح الهلال الأحمر الكردستاني: "لم أصادف هذا العقار، لكني سمعت أنه شائع بين مقاتلي داعش وغيرها من الفصائل الجهادية"، مضيفًا: "في إحدى المرات حاول مقاتل من داعش تفجير نفسه، لكنه لم ينجح وأصيب بجروح بالغة، وعندما تم إحضاره، لاحظت أنه لم يكن يكترث كثيرا لألم جروحه، وتمت معالجته في المستشفى مع الجميع"، حينها عرف بتعاطيه لهذا المخدر.
وفي نفس الفيلم الوثائقي، يذكر رمزي حداد، الطبيب النفسي اللبناني، أنه رأى عن كثب التأثيرات التي يحدثها الكبتاغون في متعاطيه: "يجعلهم، على المدى القصير، يشعرون بالبهجة وتحدي الخوف، ويجعلهم ينامون بشكل أقل، وهي وصفة مزاجية مثالية للقتال في المعارك، ولكن على المدى الطويل، فإن هذا العقار يجلب الذهان والبارانويا والآثار الجانبية القلبية الوعائية".
ربما إذن تكون العقاقير المخدرة واحدة من الأسباب التي تفسر استعار الحرب في سوريا كل هذه السنوات، بدون كلل أو ملل، بالرغم من قلة الموارد والظروف الرهيبة في زمن الحرب.
اقرأ/ي أيضًا: