تختلف الصورة ما بين مجرى نهر الليطاني وروافده. فمن يزور نهر شمسين في بر الياس، وهو أحد روافد النهر، سيرى انعكاس انبهاره على صفحة المياه العذبة التي تحيطها خضرة يانعة وتخترقها زوارق الزائرين. الأمر نفسه في البردوني، الذي تظلّله أشجار باسقة حتى يكاد النهر بين المقاهي المنتشرة في زحلة يُظلم في وضح النهار... أما من يُتابع حال النهر في انسيابه عبر الأراضي اللبنانية، خصوصًا في البقاع سيُلاحظ تلك المياه العكرة، التي بلغ فيها التلوث مستويات جعلت منها غير صالحة لا للسباحة ولا للري ولا حتى للنظر.
بلغ التلوث في مجرى نهر الليطاني مستويات عالية ولا يزال الملف عالقًا بين جملتين واحدة شعبية وأخرى رسمية
ما بين الرافد والمجرى، قصة أكبر أنهر لبنان، الذي ينبع من أرضه ليصب في بحره، ويروي بين نقطة الانطلاق والمصبّ قرى ومدناً لبنانية بمياه الشرب والريّ.
السياق التاريخي للنهر اجتماعيًا لا يختلف عبر السنين عن كونه مقصداً لـ "السيران"، تلتئم حوله العوائل في نزهاتها الأسبوعية خلال أيام العطل منذ تفجّره من وعلى هذه الأرض وحتى اليوم. اقتصاديًا، يعيش عدد كبير من الأسر من الخدمات التي تقدّمها على جوانب النهر، عند روافده ومصبّاته. أما سياسياً، فقد شكّل النهر مطمعًا إسرائيليًا، إذ شنّ العدو الصهيوني حروبًا على لبنان للاستيلاء عليه. ففي عدوان تموز/ يوليو 2006، شنت إسرائيل حربًا على لبنان روجّت فيها لعزمها تشكيل منطقة أمنية عازلة بدءًا من جنوب الليطاني. هذه المنطقة لا تحمي مستوطناتها فحسب، بل تؤمن لها حاجتها من المياه عبر احتلال استراتيجي للأرض والمياه معًا.
اقرأ/ي أيضًا: موسم الصيد العشوائي في لبنان.. أين القانون؟
من التاريخ أيضًا، عملية الليطاني في العام 1978 والتي احتلّ فيها العدو الأراضي اللبنانية حتى نهر الليطاني من أجل القضاء على المنظمات الفلسطينية في جنوب لبنان، الأمر الذي جعل حينها من النهر حدودًا "غير طبيعية"، زالت خلال ثلاثة أشهر بانسحاب الجيش المحتلّ.
صورة الليطاني التي تختلف بين روافده ومجراه. وتختلف ما بين نظرة المحتلّ وأهل الأرض، الذين "بذخوا" على النهر في الاستصلاح غير الصالح لمياهه، فلوثّوها بـ"الرمول" عند غسلها وبنفايات المصانع والمداجن والمسالخ فضلًا عن الصرف الصحي، حتى غدت بحيرة القرعون التي يحفظ سدّها بعض مياه النهر للإفادة منها، مرتعاً للعكر والأوساخ.
السلطة التي بينها من يُتهم بتغطية "القيّمين" على التلوث، خصوصًا أصحاب المرامل وبالنظر إلى الإهمال المتمادي للموضوع، كانت قدّرت كلفة تنظيف النهر من المنبع إلى المصب في مشروع قانون بـ 880 مليون دولار أمريكي لا يزال حتى اليوم بانتظار إقراره من قبل مجلس النواب وتأمين التمويل اللازم له. لكن هل يحتمل الموضوع الانتظار؟. يُشير متابعون إلى أن التلوّث ليس وليد اليوم وقد مضت على "تراكمه" بمسبباته في النهر عقود، لذا بالإمكان الانتظار ريثما يتم تأمين المبلغ اللازم لعملية تنظيف شاملة من خلال الهبات والصناديق العربية والدولية، مع الإشارة إلى أن مبلغ 200 مليون دولار قد تم تأمينه حتى الساعة.
غير أن البعض الآخر يخشى أن يكون صرف النظر "حاليًا" وتحويله إلى مواضيع أخرى بحجة السعي إلى تأمين التمويل، شمّاعةً للتسويف والتأجيل الدائم، لاسيما وأن "التجربة مع السلطة مريرة"، وموضوع ملح كالنفايات التي تُهدد صحة المواطن مباشرة، تتعامل معه الطبقة السياسية بعدم مسؤولية جعلت معها الشوارع اللبنانية رهينة أكياس القمامة ومن خلفها المطامر "غير الصحيّة"، التي تُرقّع الإهمال بالإهمال، ومتى سقطت ورقة التوت ستُطمر معظم المناطق اللبنانية بالنفايات.
اقرأ/ي أيضًا:
القطاع الصحي الحكومي في لبنان.. اختلاسات وفساد!
الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان