قبل بضعة أيام من إعلان وزير الصحة في حكومة النظام السوري نزار يازجي تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، قام موقع بوسطة دراما الفني بنشر تقرير مصور يستطلع آراء الفنانين السوريين بالأزمة التي سبّبها الفيروس التاجي على مستوى العالم، غير أن الضجة التي أحدثها التقرير بسبب تصريحات الفنانين غير المسؤولة أو اللامبالية بطريقة تعاطيهم مع الأخبار المأساوية بسبب انتشار الفيروس، كانت على ما يبدو السبب وراء حذف الموقع للمقطع من منصات التواصل الاجتماعي.
لعل أكثر ما ميّز تصريحات الفنانين الذي استطلع التقرير آراءهم أنها جاءت منسجمة مع حالة انفصال سوريا عن الواقع العالمي الذي يكافح لمنع الفيروس من الانتشار، لأن الحال من بعضه طالما أن حالة الإصابة الوحيدة بدأت تتماثل للشفاء بعد مضي ساعتين على تشخيصها، والجانب الثاني على ما يظهر انفصال الفنانين أنفسهم، حتى يخال لنا أنهم معزولون تمامًا عن شبكات التواصل الاجتماعي، أو لربما انشغالهم بتصوير أعمال الموسم الرمضاني جعلهم يسهون عن متابعة الأخبار.
تندرج تصريحات عباس النوري وغسان مسعود بخصوص الكورونا في سياق نظرية المؤامرة التي يغذيها أنصار الأحزاب الشعبوية
كانت الردود المدرجة بالاستطلاع المصور تشير بيقين تام لتصدير الفنانين السوريين على أن الفيروس مجرد مؤامرة أمريكية كما يصفها غسان مسعود بما أن "عدد ضحايا حوادث السير أكثر من عدد ضحايا كورونا"، وهو ما يتوافق تقريبًا مع رأي عباس النوري الذي يرى أن "هناك حملة إعلامية كبيرة جدًا" وراء الفيروس، الذي سيواجهه "بإطلاق الرصاص" عليه في حال قدومه، إلى جانب آراء أخرى تكذب التقارير الإخبارية المرتبطة بالفيروس، على مبدأ المثل الشعبي القائل: "حولينا.. ما علينا".
اقرأ/ي أيضًا: النظام السوري وفيروس كورونا.. حالة إنكار تهدد أكثر من مئة ألف معتقل
يمكننا في طبيعة الحال تفّهم تصريحات النوري أو مسعود بما أن سياقهما العام يُدرج في سياقات مختلفة لنظريات المؤامرة التي يغذيها أنصار الأحزاب الشعبوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أنحاء العالم، بمن فيهم الملياردير الشعبوي دونالد ترامب الذي وصف الفيروس بـ"الصيني"، نسبةً لنظريات المؤامرة التي تقول إنه فيروس مركب بيولوجيًا في مختبر للأبحاث بمدينة ووهان، لا أحد يعرف ماذا يريد أصحاب نظريات المؤامرة، هل علينا الاستسلام للفيروس بانتظار قدومه؟ أم مواجهته؟ أم ربما علينا دعوته لمشاهد إحدى حلقات "ترجمان الأشواق" الفانتازية حتى نعرف ذلك؟
لكن الأكثر دهشةً في الاستطلاع كان رأي جلال شموط الذي قلل من أهمية الفيروس التاجي، قبل أن يستدرك ذلك بذكر أن الفيروس له علاقة "بالناس الذين وضعهم الصحي كذا.. أعمارهم كذا" رافضًا اتخاذ أي من إجراءات الصحة المتوافق عليها عالميًا، يتقمّص شموط في تصريحه شخصية تاجر للجملة في أحد الأسواق الشعبية يبدو أنه يجسدها في أحد الأعمال الجاري تصويرها، نظرًا لوجود عادة مستحبة عند التجار الشوام تتمثل بتقبيل كف اليد ووضعها على الجبين كتعبير للشكر على الصحة والحياة الاقتصادية، ويمكن ملاحظتها في مجمل أعمال البيئة الشامية.
وفي مقابل ذلك، يبرز عبر مواقع التواصل الاجتماعي من بين الفنانين السوريين مكسيم خليل الذي يستمر بالنشر عبر صفحته الرسمية على منصة إنستغرام ليتحدث عن مخاطر انتشار الفيروس التاجي، مع تعليقات على الإجراءات التي وضعتها الدول لمواجهة انتشار الفيروس، وما يمكن أن يؤثر على الاقتصاد المحلي في حال استمر لفترة أطول، رغم أن الصور المدرجة مع التعليقات غير متناسقة مع طبيعة القضية المُراد توجيه اهتمام المتابعين إليها.
إذا ما أجرينا جولةً سريعة في صفحات الصحافة الغربية سنجد عشرات التقارير التي تتحدث عن توجيه أبطال الأعمال الدرامية – التي انتشرت على نطاق واسع عالميًا – نصائح لمتابيعهم للحذر من الفيروس بمقاطع مصورة عبر منصة إنستغرام للتواصل الاجتماعي، تصف الإسبانية إيتزيار إيتونو إصابتها بالمرض بأنها "خفيفة"، لكنها ستكون "خطرة للغاية على الأشخاص الأضعف"، بينما حث كريستوفر هيفيو "الجميع على توخي الحذر"، لأن " هناك أشخاص أكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس يمكن أن يكونوا في مراحل متأخرة".
الأمر هنا لا يقف عند الفنانين أو المشاهير المصابين بتحويل الاهتمام العالمي لما يمكن أن يسببه انتشار الفيروس من مخاطر صحية، بل شمل مشاركة أسماء عالمية بتسجيلها مقاطع مصورة تحذر من خطورة الفيروس في حال قوبل بإهمال صحي أو عدم اهتمام للنظافة الشخصية، أو حتى محاربة التنّمر الذي يتعرض له الصينين على مستوى العالم بسبب انتشار الفيروس من أراضيهم، وما حيك حولهم من أساطير بتفننهم في أكل اللحوم.
هذه التطورات دفعت بعديد الأسماء العالمية بالتوجه للحديث مع متابيعهم عبر منصة إنستغرام، كما الحال مع المقطع الذي شاركه مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس للأمريكية كيتي بيتي تتضامن من خلاله مع الصينين، أو حتى إلغاء فرقة BTS لموسيقى البوب الكورية أربع حفلات لها في سيول بسبب تفشي الفيروس في كوريا الجنوبية، أخذين بعين الاعتبار "صحة وسلامة مئات الآلاف من الضيوف"، أو حتى إيقاف الشبكات الرقمية إنتاج الأعمال الدرامية بسبب تفشي الفيروس التاجي للفت الانتباه لما يواجهه العالم من كارثة صحية.
في العودة للفنانين السوريين، علينا ألا ننسى أن النوري أصبح واحدًا من الفنانين الذين لهم شعبية على المستوى العربي لا المحلي، بعد شخصية أبي عصام في سلسلة باب الحارة رغم تناقضات المسرد الدرامي للأحداث، أما مسعود فإنه دائمًا ما يقدم له بأنه "فنان عالمي" نسبة لتجسيده شخصية صلاح الدين الأيوبي في شريط "مملكة السماء" مع البريطاني ريدلي سكوت، والاثنان يتعاملان على أنهما نخبويان، من حيث الأيديولوجيا الفكرية والثقافة الشخصية.
أبطال الأعمال الدرامية العالمية يوجهون نصائح لمتابيعهم، عبر مقاطع مصورة على المنصات لأخذ الحذر من الفيروس
وفي كلا الفنانَين يمكن الجزم بأن تعاملهما مع أخبار انتشار الفيروس التاجي، جاء إما فوقيًا بما يعطي إيحاء أنهما يفكران خارج السياق العام للأحداث بطريقة نخبوية مفرطة بانسلاخها عن محيطها الاجتماعي، أو أنهما عكس ما يروجان له في الحياة الاجتماعية على أنهما تقدميان بأهواء يسارية في فكرهما، يدل إنما إن أرادا الدلالة على المقولة السائدة خالف تُعرف كما هو الحال في الأوساط النخبوية.
اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا يهدد الشمال السوري.. احتمالات مفتوحة على الكارثة
على الرغم من عديد النظريات التي تحدثت عن تطور الدراما على المستوى العالمي، فإنها لا تزال هدفًا يراد منه "التأثير على الكتل الجماهيرية والانتصار على الأحوال والظروف" بحسب جورج لوكاش، لكن الدراما السورية تحولت إلى "مصلحة" وفقًا للمنتج محمد قبنّض الذي يصف نفسه بأنه "حوت" لا يمكن لأي منتج سوري أن يتحداه، وأن الجميع "يشتغل عنده" بمن فيهم عباس النوري، سلاف فواخرجي، وأمل عرفة لأنه يستطيع "إحضار أي نجم كبير بأي وقت".
نهايةً، في مقاربة لتصريحات قبنّض مع الفنانين السوريين، لا نجد حرجًا من القول إن الدراما السورية تحوّلت إلى مصلحة أكثر من هدف "للتأثير على أكبر كتلة جماهيرية"، مثلما يجد الفنانين السوريين أنفسهم غير معنين بأخبار انتشار الفيروس حتى يظهر كأنه عمل درامي يسابقون الزمن على إنهاء إنتاجه قبل قدوم الموسم الرمضاني، وللمفارقة أكثر لم يكن غريبًا أن معظم الفنانين الذين جرى استطلاع آرائهم كانوا خلال فترة الاستراحة في موقع تصوير مسلسل "شيكاغو" من إنتاج شركة قبنّض نفسها، أو أمام دار الأوبرا للثقافة والفنون.. أو عفوًا المقصود هنا "دار الأسد للثقافة والفنون".
اقرأ/ي أيضًا:
فيروس كورونا.. من "مهزلة" الدولة المركزية إلى بروبغاندا اليمين الشعبوي