الترا صوت – فريق التحرير
بدأ النظام السوري مؤخرًا باتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية للتضييق أكثر على السوريين المتواجدين في مناطق سيطرته، أو من قبلوا بإجراء "تسوية مصالحة" في المناطق التي استعاد السيطرة عليها اعتبارًا من عام 2016. أو حتى من لجؤوا إلى دول الجوار والعواصم الغربية، في محاولة لمنعهم من العودة إلى سوريا لما ينتظرهم من تعرضهم للاعتقال من قبل الأجهرز الأمنية بتهم متنوعة، تصب في خانة معارضتهم لرئيس النظام السوري بشار الأسد، والخروج بالتظاهرات السلمية التي نادت بإسقاطه في آذار/مارس 2011.
تندرج معظم القوانين الصادرة مؤخرًا عن النظام السوري، أو الأحاديث المثارة حول سحب الجنسية من السوريين، في إطار خلق سوريا بلا معارضين
الأشغال المؤقتة لمن ينشر أخبارًا كاذبة
قبل أيام تداول السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا مصورًا لرئيس النيابة العامة المختصة بجرائم المعلوماتية والاتصالات هبة الله محمد سيفو، تحدثت خلاله عن اتجاه النظام السوري لإصدار أحكام عقابية بالأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث سنوات إلى 15 سنة، لمن ينشر "إشاعات على فيسبوك حول التجنيد وزيادة الرواتب" لأنها "توهن نفسية الأمة" في "زمن الحرب".
لا يشمل القانون الجديد، بحسب سيفو، فقط رواد المواقع الاجتماعية المقيمين داخل سوريا، بل يشمل من يقيمون في الخارج، والصحفيين والإعلاميين كذلك الأمر، وهو ما يعني ملاحقة مئات الآلاف من السوريين الذين لجؤوا إلى دول الجوار والعواصم الغربية، واتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلًة للتعبير عن آرائهم المعارضة للنظام السوري. بعدما تمت ملاحقتهم من الأفرع الأمنية بسبب مواقفهم المؤيدة لإسقاط النظام السوري.
اقرأ/ي أيضًا: النسخة السورية من "قانون أملاك الغائبين" الإسرائيلي.. هندسة المجتمع "المتجانس"
كما أن القانون الجديد ياتي ضمن سلسلة من القوانين التي أصدرها النظام السوري اعتبارًا من عام 2012، عندما أصدر المرسوم التشريعي رقم 17 القاضي بإنشاء فرع خاص بإدارة الأمن الجنائي لمكافحة الجرائم المعلوماتية.
ويشير حديث سيفو في هذا الإطار إلى محاولة النظام السوري منع المقيمين في مناطق سيطرته في المرتبة الأولى من توجيه الانتقادات، والتعبير عن آرائهم نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرته. والتي كان آخرها أزمتي الغاز والكهرباء. ما دفع بالكثير منهم حتى من يعرفون بمواقفهم الموالية للنظام السوري بتوجيه الانتقادات لحكومة النظام نتيجة سوء إدارتها للأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مطلع العام الجاري.
النظام السوري يتجه لسلاح سحب الجنسية من السوريين
وفي ذات الإطار، لكن بصورة مختلفة، أثار أعضاء في مجلس الشعب التابع للنظام السوري قضية تجنيس السوريين في تركيا، حيثُ دعا النائب نبيل الصالح عبر صفحته على موقع فيسبوك قبل نحو أسبوعين لإعادة نقاش قضية سحب الجنسية من السوريين المجنسين في تركيا وباقي الدول، مقترحًا "طرح هذه القضية للمناقشة في لجنة الأمن الوطني واتخاذ إجراءات احترازية بخصوص اللاجئين المجنسين والمرتهنين لمشيئة التركي".
تأتي عودة سحب الجنسية السورية من السوريين المجنسين في تركيا ضمن سلسلة من الإجراءات بدأها النظام السوري لثني السوريين المهجّرين واللاجئين عن العودة إلى سوريا مستقبلًا، فقد أصدر في أبريل/نيسان الماضي القانون رقم 10 القاضي بمطالبة مالكي العقارات الذين غادروا سوريا بتقديم وثائق تُثبت ملكيتهم خلال عام واحد، وإلا ستسقط ملكيتهم للعقار تمهيدًا للبدء بإعادة إعمار المنطقة.
ويتيح القانون الجديد للنظام السوري السيطرة على ممتلكات السوريين الفارين من البلاد أو ممن هجّروا قسريًا من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية إلى الشمال السوري، أو المخفيين قسرًا ومن قضوا في سجون النظام السوري تحت التعذيب أو نتيجة القصف العشوائي الذي استهدف التجمعات المدنية من قبل المقاتلات الروسية والسورية.
ما الأسباب التي تدفع النظام السوري لإصدار هذه القوانين؟
تشير عدة تقارير صحفية في هذا الإطار لارتباط معظم القوانين الانتقامية الصادرة من النظام السوري ضد اللاجئين السوريين بثلاثة ملفات، هي عودة اللاجئين، وإعادة إعمار سوريا، وملف توطين عناصر الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران في المناطق التي استعاد النظام السوري السيطرة عليها، مثل الغوطة الشرقية.
لكن ملف عودة اللاجئين يصطدم بعدة عوامل تمنعهم من العودة إلى سوريا، يأتي في مقدمتها صعوبة ضمان عدم انتهاج النظام السوري لأي إجراء انتقامي ضدهم، فقد عمد النظام خلال الفترة الماضية إلى شن حملة اعتقالات في صفوف الشباب الذين وقعوا على "تسوية مصالحة"، وقام بإلحاقهم ضمن قواته للقتال إلى جانبه في معاركه ضد قوات المعارضة في الشمال السوري.
لخص معهد كارنيغي في بحث اعتمد على جلسات نقاش أجراها مع لاجئين سوريين الأولويات التي يضعونها كشرط للعودة إلى سوريا بضمان السلامة والأمن ووقف القصف العشوائي والاعتقالات العشوائية، وحل المجموعات المسلحة والميليشيات الأجنبية، وسحب الحواجز العسكرية من الطرقات، وتأمين السكن وتوفير الخدمات الحكومية، وبالنظر لجميع هذه الشروط يبدو أن توفيرها أو حتى ضمانها في الراهن يعد مستحيلًا.
كما أن ملف إعادة الإعمار يلعب دورًا بارزًا كونه مرتبطًا بملف عودة اللاجئين، ولذا فإن القوانين الأخيرة الصادرة عن النظام السوري تسعى لمنع اللاجئين من العودة إلى سوريا، بعدما وقع مع الشركات الإيرانية اتفاقيات مرتبطة بإشرافها على عملية إعادة الإعمار.
بالإضافة إلى ذلك فإن تقارير صحفية تحدثت عن الدور البارز الذي يلعبه المعمم الشيعي عبد الله نظام، رجل إيران الأول في سوريا، من خلال شرائه لعقارات واسعة في مدينة دمشق القديمة وخاصة في المناطق القريبة من الجامع الأموي، إضافة لمساهمته في دخول إيران إلى شركات التأمين الإسلامية في سوريا.
اقرأ/ي أيضًا: الدولة المفيدة تكتمل.. كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا؟
كذلك تحدثت تقارير صحفية عن مضي النظام السوري بعملية تجنيس عناصر الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران في سوريا، فقد تحدث موقع زمان الوصل نقلًا عن مصادر أن النظام السوري منح 200 ألف جواز سفر صادرة عن دائرة الهجرة والجوازات لأشخاص من إيران. كما تحدث مراقبون عن تجنيس النظام السوري لعناصر من الميليشيات الأجنبية، ومنحهم أماكن للسكن في مناطق الغوطة الشرقية وجنوب دمشق بعد تهجير سكانها الأصليين قسرًا.
يسعى النظام السوري، عبر سلسلة من القوانين المستقاة من تجربة إسرائيل في التهجير القسري للفلسطينيين، إلى منع عودة أكبر قدر ممكن من اللاجئين السوريين!
وعلى هذا الأساس فإن معظم القوانين الصادرة مؤخرًا عن النظام السوري، أو الأحاديث المثارة حول سحب الجنسية من السوريين الذين حصلوا على جنسية ثانية خلال الحرب السورية، يندرج في إطار محاولات النظام السوري منعهم من العودة إلى الأراضي السورية تحت التهديد باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، ويتيح له بذات الوقت المضي بالمخطط الروسي لبناء "سوريا المفيدة" خالية من المعارضة السياسية. علمًا أن مختلف هذه الإجراءات، بما فيها سحب الجنسية خصوصًا، تأتي ضمن باب الأعمال المنهجية الممنوعة وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات الجنيف الـ4 بما هي جرائم موصوفة تستوجب المساءلة والمحاسبة وفرض العقوبات على مرتكبيها.
اقرأ/ي أيضًا:
تقدير موقف: لماذا تعارض إسرائيل اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا؟