بفوز عبد المحسن سلامة، مرشح الدولة، بمنصب النقيب في انتخابات الصحفيين المصريين المنقضية يوم الجمعة الماضية، تدفع النقابة ثمن احتجاجاتها العابرة للأنظمة والرؤساء.
بفوز عبد المحسن سلامة، مرشح الدولة، بمنصب نقيب الصحافيين المصريين، تدفع النقابة ثمن احتجاجاتها العابرة للأنظمة والرؤساء.
فالنقابة التي لطالما دافع أعضاؤها عنها بكونها ملاذ معارضي كل الأنظمة السياسية رغم اختلاف العصور، يبدو أن الدولة لا تريد السماح لها بالاستمرار في ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: قبل حبس نقيب الصحفيين المصريين بقليل.. من ينقذه؟
لا يمكن فصل معركة الانتخابات عن سياقها، الذي دارت رحاها فيه، فالدولة لا تريد فقط منح النقابة كوجبة ساخنة وجاهزة وسريعة لمرشحها، القادم من صحيفة الأهرام الحكومية ووراءه إرث طويل من الفساد والموائمات والخدمات في بلاط صاحبة الجلالة، إنما هناك ما هو أبعد من ذلك.
قتل روح نقابة الصحفيين، بالنسبة للنظام المصري، خطوة فاصلة في مهمة غلق المجال العام، وإخماد الصحف التي تبدي ميلًا للنقد، وليس حتى المعارضة، وذبح الصحفيين الذين لا يراعون البدل قدر مراعاتهم وجه المهنة، فلا تزال ذكرى أول احتجاج ضد اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير على سلالم النقابة تؤلم من يعيدون رسم خرائط الصحافة الآن، ونسف معنى ورمز السلالم التاريخية بتولي سليل الأهرام مسؤوليته هو المهمة الأولى، وبعدها سيأتي كل شيء.
هل ينجح عبد المحسن سلامة في إدخال الصحفيين الحظيرة؟
قبل الإجابة على السؤال لا بد من العروج إلى استراتيجيات دعاية مرشح الدولة أولا، قال إنه سيرفع البدل، ويخصص 50 عضوية مجانية للصحفيين في مركز شباب الجزيرة، ويعيد سيطرة النقابة على نادي الصحفيين، ويبني مستشفى استثماري توسع دائرة علاج الصحفيين، وقدم وعودًا أخرى توحي بأنه يريد أن يعيد تجربة نقيب الخدمات، الذي يتعامل مع البدل باعتباره رشوة للصحفيين، وينفذ بالخدمات مثل (اطعم الفم تستحِ العين)، ومن هنا تبدأ الموائمة.
ستتدخل النقابة في وضع قوانين تدهس الحريات وتحولها إلى ذكرى جميلة تضاف إلى كشكول الحنين مقابل أن يعيش الصحفيون حياة رغدة ينعمون فيها بالخدمات، أو هكذا يرجو أنصار النقيب الجديد.
لا يميل غالبية الصحفيون إلى ذلك فيما عدا بعض صحفيي المؤسسات الحكومية والطاعنين في السن.
أكثر من ذلك فإن أعضاء مجلس النقابة الآخرين، الذين نجحوا أمس وعلى رأسهم عمرو بدر، سيرفضون أجندة عبد المحسن سلامة لتدجين النقابة والصحفيين وتبدأ المعركة، نقابة بلا موقف، وصحفيون مقصوفي الأفلام.. هذا ما تريد أن تصل إليه الدولة، تخريب البيت الصحفي من الداخل بعدما بدا مرتبًا، وعلى قلب رجل واحد، وهذا لا يناسب الأنظمة السياسية التي تحافظ على أن يكون الجميع متفرقين، فها هو مجلس النقابة، أكثر من نصفه معارضون، لكن النقيب من قلب الدولة العميقة.
قتل روح نقابة الصحفيين، بالنسبة للنظام المصري، خطوة فاصلة في مهمة غلق المجال العام، وإخماد الصحف التي تبدي ولو ميلًا للنقد
من المعروف أن عمرو بدر ومحمد سعد عبد الحفيظ وجمال عبد الرحيم، والذين فازوا بمقاعد في مجلس النقابة، أقرب للمعارضة، الأول خرج من السجن مؤخرًا على خلفية اعتراضه على اتفاقية تيران وصنافير، والثاني له آراء معارضة واضحة، والثالث ينتمي للمجلس القديم، الذي انتفض االنظام المصري لسحقه، بينما أيمن عبد المجيد وحسين الزناتي ومحمد خراجة بلا أنياب، هم أيضًا رجال خدمات لن ينخرطوا في معارك السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: كيف يتم غسل أدمغة المصريين؟
هنا يكمن الفرق بين المجلسين القديم والجديد، فالحالي، الذي يرأسه عبد المحسن سلامة لن يورّط نفسه في مشكلات سياسية أو حتى نقابية، سيكتفي بإغراق الجمعية العمومية في حديث لا ينتهي عن الميزانية والنادي ويقدم حصر بأسماء الصحفيين ويمرر قوانين "تسليم الصحفيين" في هدوء طبقًا لما تطرحه الدولة من طلبات ورغبات ومقترحات على طريقة "شبيك لبيك، عبدك بين يديك" بعد عدّة مناوشات - ستمرّ - من أعضاء مجلس النقابة المشاغبين.. هذا السيناريو المنتظر، الذي كان من المستحيل تمريره في عهد يحيى قلاش.
ما الذي يتوقعه الصحفيون من مجلس عبد المحسن سلامة؟
لا شيء على مستوى السياسية.. كل ما ينتظرونه منه خدميًا، فقد أرسل رسائل على الموبايل قبل الانتخابات بساعات يعد فيها بزيادة البدل، وتوفير امتيازات خاصة، فهم يعرفون أن النقابة لن تدخل معارك جديدة لأجل أحد حتى لو كان صحفيًا، وبدأت المهمّة ببشائر وبوادر طلب سلامة من علي عبد العال العفو عن إبراهيم عيسى، وسحب البلاغ المقدَّم ضده، وإحالة المسألة إلى نقابة الصحفيين لتتولى عقابه!
هذا موسم انسحاق نقابة الصحفيين أمام الدولة، الكل يعرف ذلك، ويتوقعه، وأغلب من انتخبوا عبد المحسن سلامة كانوا يريدون أن يَدَعوا ما للنقابة للنقابة وما لقيصر لقيصر بمنطق حتمية أن فيعود النقابي إلى دوره الخدمي، ويعود المجال إلى العام إلى فراغه إلا من صحف وقنوات النظام.
اقرأ/ي أيضًا: