أكّدت صحيفة نيويورك تايمز ما بات معروفًا بفضل العديد من التقارير السابقة، وهو التعاون العسكري الحاصل بين مصر وإسرائيل في سيناء، والذي يرقى لدرجة تنفيذ إسرائيل غارات جوية على مواقع في سيناء. الكثير من الغارات الجوية في الحقيقة، وهو ما أكده لنيويورك تايمز، سبعة مسؤولين أمريكيين وبريطانيين، وفقًا لما ذكر في تقرير مُفصل نشرته الصحيفة الأمريكية، نعرضه لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.
قتل المسلحون المتطرفون مئات الجنود وضباط الجيش والشرطة في محافظة شمال سيناء بمصر، وبايعوا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما استولوا لفترة وجيزة على مساحات كبيرة من المحافظة، وبدؤوا في إقامة نقاط تفتيش مسلحة لتأكيد زعمهم بفرض سيطرتهم على تلك المنطقة. وفي أواخر عام 2015، أسقطوا طائرة ركاب روسية.
على مدار أكثر من عامين، نفذت إسرائيل أكثر من 100 غارة جوية على سيناء، بموافقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي
في المقابل بدت مصر عاجزة عن إيقافهم، ومن ثم اتخذت إسرائيل الإجراءات اللازمة، بسبب شعورها بالتهديد مما يحدث في سيناء. وعلى مدار أكثر من عامين، فإن طائرات إسرائيلية بدون طيار لا تحمل علامات مميزة، ومروحيات، وطائرات مقاتلة، شنت جميعها حملةً جويةً سريةً، ونفذت أكثر من 100 غارة جوية داخل الأراضي المصرية. وفي كثير من الأحيان كانت تُنفَّذ أكثر من غارة في الأسبوع الواحد، وكل ذلك كان بموافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
اقرأ/ي أيضًا: معاريف: إسرائيل تُسلّح أبوظبي وتقصف سيناء بمباركة مصرية
ويُمثل هذا التعاون الملحوظ مرحلة جديدة في تطور علاقتهما المشحونة بالتوتر بشكلٍ متفرد. فلقد كانا عدوين في ثلاث حروب، ثم صارا خصومًا في سلام غير مستقر، والآن أصبحت مصر وإسرائيل حليفتين سريتين في حرب سرية ضد عدو مشترك!
من ناحية القاهرة، ساعد التدخل الإسرائيلي قوات الأمن المصرية على استعادة توازنها في معركتها التي دامت خمس سنوات تقريبًا ضد الإرهابيين في سيناء. أما بالنسبة لإسرائيل، فقد عززت الغارات أمن حدودها، واستقرارها من جهة جارتها.
ويُمثل تعاونهما العسكري في منطقة شمال سيناء، دليلًا دامغًا على العملية الهادئة لإعادة تشكيل السياسة في المنطقة. إذ دفع وجود أعداء مشتركين، مثل داعش، وإيران، والإسلام السياسي، قادة العديد من الدول العربية إلى إجراء اصطفاف متزايد مع إسرائيل، حتى في ظل مواصلة مسؤوليها ووسائل إعلامها في توجيه الانتقادات العلنية لإسرائيل.
ويقول المسؤولون الأمريكيون، إن الحملة الجوية الإسرائيلية لعبت دورًا حاسمًا في تمكين القوات المسلحة المصرية من أن يكون لها اليد العليا في مواجهة المسلحين. لكن الدور الإسرائيلي تسبب في بعض العواقب غير المتوقعة للمنطقة، بما في ذلك مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، ويعزو ذلك جزئيًا إلى اقتناع كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن مصر الآن تعتمد عليها حتى في السيطرة على أراضيها.
وقد أكّد سبعة مسؤولين بريطانيين وأمريكيين سابقين وحاليين مهتمين بالشأن السياسي في الشرق الأوسط، وقوع تلك الهجمات الإسرائيلية داخل مصر، واشترط جميعهم عدم الكشف عن هويتهم نظرًا إلى حساسية المعلومات السرية التي يدلون بها. بينما رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ونظيره المصري، الإدلاء بأية تعليقات بهذا الشأن، وكذلك الحال مع وزارة الخارجية المصرية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتردد فيها حديث حول غارات إسرائيلية جوية على سيناء، أو تعاون عسكري بين مصر وإسرائيل ضد تنظيم داعش، فلقد سبق لصحيفة معاريف الإسرائيلية الإشارة إلى تنسيق عسكري واستخباراتي بين مصر وإسرائيل في سيناء، وأن إسرائيل نفذت غارات جوية على مواقع يفترض أنها تابعة لداعش، وأن السلطات الإسرائيلية تحظر النشر فيما يخص هذا الشأن.
كذلك أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، العام قبل الماضي، عن تنفيذ إسرائيل غارات جوية في سيناء، بطائرات بدون طيّار، يفترض أنها استهدفت مواقع لعناصر من داعش.
وقد سعت كل من مصر وإسرائيل، إخفاء دور الأخيرة في تلك الضربات الجوية، خوفًا من حدوث رد فعل عنيف داخل مصر، حيث يواصل المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الدولة فيها التحدث عن إسرائيل على أنها عدو ويتعهدون بالإخلاص والتشبث بالقضية الفلسطينية.
ووفقًا لبعض المسؤولين الأميركيين المطلعين على تفاصيل تلك العمليات، لم تحمل الطائرات الإسرائيلية بدون طيار علامات مميزة، كما غطت الطائرات والمروحيات الإسرائيلية آثارها، وحلق البعض منها في طرق غير مباشرة، والتي من شأنها أن تخلق انطباعًا أنها متمركزة في البر الرئيسي المصري.
بينما في إسرائيل، تفرض الرقابة العسكرية قيودًا على التقارير المعلنة التي تتناول الغارات الجوية. ولذا فإنه من غير الواضح ما إذا كانت القوات الإسرائيلية أو القوات الخاصة قد قامت بأي عمليات داخل الحدود المصرية، مما يزيد من خطر افتضاحها.
وقال المسؤولون الأمريكيون، إن السيسي قد حرص بشدة على إخفاء مصدر تلك الضربات عن الجميع، باستثناء مجموعة محدودة من الضباط العسكريين والاستخباراتيين. كما أعلنت الحكومة المصرية أن شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة، ما يمنع الصحفيين من جمع المعلومات هناك.
أما خلف الكواليس، فيزداد التقارب بين كبار القادة العسكريين المصريين ونظرائهم الإسرائيليين تزايدًا مطردًا منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978. وقد ساعدت قوات الأمن المصرية إسرائيل على فرض قيود على تدفق البضائع من وإلى قطاع غزة،. وطالما تبادلت أجهزة الاستخبارات المصرية والإسرائيلية المعلومات عن المسلحين على جانبي الحدود.
وانتاب المسؤولون الإسرائيليون القلق في عام 2012 عندما انتخبت مصر، بعد ثورتها ضمن الربيع العربي، محمد مرسي عن جماعة الإخوان المسلمين رئيسًا لها. وعلى الرغم من تعهد مرسي، باحترام اتفاقية كامب ديفيد، كان الإسرائيليون قلقين من العلاقة الفكرية التي تجمع جماعة الإخوان المسلمين مع حماس، ومن عداء الجماعة التاريخي للدولة اليهودية نفسها.
اشتكى مسؤولون إسرائيليون لواشنطن عدم التزام القاهرة بالترتيبات الأمنية بينهما وإخفاقها في إتباع الغارات بتحركات منسقة على الأرض
وبعد عام، أطاح السيسي، الذي كان حينها وزيرًا للدفاع، بالرئيس المنتخب مرسي في عملية انقلاب عسكري. ورحبت إسرائيل بالتغيير الذي حدث في نظام الحكم وحثت واشنطن على قبول ذلك. ما أسهم في تعزيز الشراكة بين القادة العسكريين على جانبي الحدود.
اقرأ/ي أيضًا: هل يشكل "تنظيم الدولة" في سيناء خطرًا على إسرائيل؟
أصبحت منطقة شمال سيناء -وهي منطقة صحراوية جبلية غير محكمة التنظيم- ملاذًا للمسلحين المتشددين، خلال العقد الذي سبق استيلاء السيسي على السلطة. وركزت الجماعة المسلحة الرئيسية، التي كانت تعرف باسم أنصار بيت المقدس، على مهاجمة إسرائيل، ولكن بعد سيطرة السيسي على السلطة بدأت تشن موجة من الهجمات الشرسة ضد قوات الأمن المصرية، بعد أن بايعت تنظيم داعش وأصبحت تعرف باسم "ولاية سيناء".
وبعد أسابيع قليلة من استيلاء السيسي على السلطة، في شهر آب/أغسطس عام 2013، أسفر انفجاران غامضان عن مقتل خمسة مسلحين مشتبه فيهم في أحد أحياء منطقة شمال سيناء لا تبعد كثيرًا عن الحدود الإسرائيلية. وذكرت وكالة أنباء أسوشيتد برس أن مسؤولين مصريين لم يكشف عن هويتهم قالوا إن الطائرات الإسرائيلية بدون طيار أطلقت الصواريخ التي قتلت المسلحين، ربما بسبب تحذيرات مصرية من أنهم كانوا يخططون لشن هجوم عبر الحدود على أحد المطارات الإسرائيلية، التي أغلقتها إسرائيل قبل الانفجارين بيوم.
بدوره نفى المتحدث باسم السيسي، العقيد أحمد علي ذلك. وقال في بيان في ذلك الوقت مُتعهدًا بإجراء تحقيق في الحادث “ليس هناك أي حقيقة شكلًا وموضوعًا تثبت حدوث أي هجمات إسرائيلية داخل الأراضي المصرية". وأضاف أن "الادعاءات بوجود تنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي بهذا الشأن هو أمر عارٍ تمامًا عن الصحة، ويخالف العقل والمنطق". بينما رفضت إسرائيل التعليق، ونُسي الحادث.
وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014، أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس أنها تُمثل رسميًا فرع داعش في سيناء. وفي الأول من تموز/يوليو 2015، سيطر المسلحون لفترة وجيزة على مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء، ولم يتراجعوا إلا بعد أن قصفت الطائرات والمروحيات المصرية البلدة، وفقًا لما ذكرته وكالات الأنباء الرسمية. ثم في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر، أسقط المسلحون طائرة ركاب روسية، ما أسفر عن مصرع 224 شخصًا، وهم جميع من كانوا على متنها.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن إسرائيل بدأت موجة غاراتها الجوية في وقتٍ قريب من هذه الحوادث، في أواخر عام 2015، ويرجع الفضل للغارات الإسرائيلية في قتل قائمة طويلة من قادة المسلحين في سيناء.
لكن ذلك لم يمنع ولاية سيناء من إنتاج قيادات أكثر وحشية، بدأت في تنفيذ عمليات نوعية بأعداد ضحايا أكبر، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2017، نفذ عناصر التنظيم مذبحة بحق مئات المصلين داخل مسجد في شمال سيناء، في واحدة من أكبر الحوادث الإرهابية في تاريخ مصر، من حيث أعداد الضحايا.
وبحلول ذلك الوقت، يقول المسؤولون الأمريكيون إن الإسرائيليين كانوا يشكون لواشنطن من أن المصريين لا يلتزمون من جانبهم بالترتيبات المتفق عليها. وقالوا إن القاهرة أخفقت في إتباع الغارات بتحركاتٍ مُنسقة لقواتها على الأرض.
وعلى الرغم من أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت وسائل الإعلام الإخبارية هناك من نشر تقارير حول تلك الضربات الجوية، فقد تحايلت بعض وكالات الأنباء على الرقابة، مستشهدةً بتقرير لوكالة بلومبيرغ الإخبارية، صدر في عام 2016، قال فيه مسؤول إسرائيلي سابق لم يُذكر اسمه، إنه ثمة طائرات إسرائيلية بدون طيار تشن هجمات جوية داخل مصر.
وقارن زاك غولد، الباحث المتخصص في شمال سيناء الذي عمل في إسرائيل، تلك الهجمات الجوية ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي؛ من حيث أن كليهما سر معروف.
وقال غولد إن "الضربات الإسرائيلية داخل مصر تكاد تكون على نفس المستوى، ففي كل مرة يتحدث فيها أي شخص عن البرنامج النووي، يتعين عليهم أن يضيفوا مُتهكمين عبارة (وفقًا للصحافة الأجنبية)".
أما داخل الحكومة الأمريكية، فقد أصبحت تلك الضربات الجوية معروفة على نطاق واسع لدرجة أن الدبلوماسيين ومسؤولي الاستخبارات يناقشونها في جلسات الإحاطة المغلقة مع المشرعين في الكونغرس. وأشار المشرعون في جلسات استماع مفتوحة إلى الموافقة على التعاون المصري والإسرائيلي الوثيق في شمال سيناء.
وفي مقابلة هاتفية مع السيناتور بنيامين كاردين عن ولاية ميريلاند، وهو عضو رفيع المستوى عن الحزب الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، رفض مناقشة تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية في مصر، غير أنه قال إن إسرائيل لم تكن تتصرف "من باب حُسن الجوار".
وأوضح: "إسرائيل لا تريد أن تمتد الأحداث السيئة التي تحدث في سيناء المصرية وتصل إلى أراضيها"، واصفًا الجهود المصرية لإخفاء دور إسرائيل عن مواطنيها بأنها "ليست ظاهرة جديدة".
ويشكو بعض الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل من أنه نظرًا لاعتماد مصر على الجيش الإسرائيلي، فإن المسؤولين المصريين والدبلوماسيين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة يجب أن تتوقف عن إدانة الدولة اليهودية بشكلٍ علني، وخاصةً في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
وقال إليوت إنجل، نائب في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية نيويورك، وهو عضو رفيع المستوى عن الحزب الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب: "عندما تتحدث مع السيسي تجده يُشيد بالتعاون الأمني مع اسرائيل، وعندما تتحدث مع الإسرائيليين تجدهم يشيدون بالتعاون الأمني مع مصر، ولكن بعد ذلك تستمر هذه اللعبة المزدوجة، إنها مسألة مُحيرة بالنسبة لي".
كما أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح للدبلوماسيين الأميركيين إلى الدور العسكري الذي تضطلع به إسرائيل في سيناء. وفي شهر شباط/فبراير 2016، على سبيل المثال، عقد وزير الخارجية جون كيري قمة سرية في مدينة العقبة الأردنية، مع كل من السيسي وعاهل الأردن الملك عبد الله، ونتنياهو، وفقًا لما ذكره ثلاثة مسؤولين أميركيين شاركوا في المحادثات أو اطلعوا عليها.
سخر نتنياهو من فكرة أن تحافظ مصر على أمن إسرائيل، كونها تعتمد على الجهود الإسرائيلية أصلًا في السيطرة على سيناء
واقترح كيري عقد اتفاق إقليمي تضمن بموجبه مصر والأردن الحفاظ على أمن إسرائيل كجزء من اتفاق يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية. إلا أن نتنياهو سخر من هذه الفكرة. وقال، بحسب ما صرح به الأمريكيون، إن الجيش الإسرائيلي يدعم بالفعل الجيش المصري، وإذا لم تستطع مصر السيطرة على الأرض داخل حدودها، فإنها في وضعٍ لن يسمح لها بضمان أمن إسرائيل، على حد تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا:
سيناء الممزقة بين العسكر وداعش.. هل نشهد ضربة عسكرية إسرائيلية قريبًا؟
في ذكرى كامب ديفيد.. علاقة أقوى وشراكة أوثق بين نظام السيسي وإسرائيل