"كانت الإعلانات خلال جولة الـ (Super Bowl) الليلة الماضية واضحة: السيارات الكهربائية هي المستقبل. تقوم إدارتي باستثمارات تاريخية في السيارات الكهربائية، وتبني شبكة وطنية من أجهزة شحن المركبات الكهربائية، وهو ما يخلق وظائف نقابية جيدة الأجر."
سيصعب عليك مشاهدة مباراة فريقك المفضّل بعيدًا عن الأحداث السياسية
تلك كانت تغريدة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2022، عقب مباراة السوبر بول والتي انتهت بتتويج فريق (لوس أنجلوس رامز) باللقب الثاني له في تاريخه، عقب الفوز بنتيجة 23-20 بملعبه على (سينسناتي بنجالز). لم يلتفت الرئيس لنتيجة المباراة، ولكنه علق مباشرةً على الإعلانات التي كانت تملأ جنبات الملعب، والتي تخص السيارات الكهربائية التي تنتجها إدارته.
The ads during last night’s Super Bowl were clear: The future of the auto industry is electric. My Administration is making historic investments in electric vehicles and is building a nationwide network of EV chargers — creating good-paying, union jobs.
— President Biden (@POTUS) February 14, 2022
لم تعد الإعلانات الشهيرة عن البيرة وأدوية تحسين القدرة الجنسية التي اعتاد مشجعو الرياضة على رؤيتها في الملاعب الرياضية هي المنتج الوحيد المُروج له، بل أصبح هناك ضيفًا جديدًا يغمر جنبات الملاعب، حيث أصبحت الأحداث الرياضية بشكل متزايد هدفًا رئيسيًا للحملات السياسية، مما يعني أن أيام المشجعين الذين يتطلعون إلى مشاهدة مباريات فرقهم المفضلة -بحثًا عن ملاذ آمن من الأحداث الجارية سواء الحياتية أو السياسية- آخذة في التلاشي.
وفي الرابع والعشرين من فبراير/ شباط 2022، اندلع ما يُسمى بالحرب الروسية الأوكرانية. الحدث الذي لاقى صداه في العالم بأسره، فباتت الحكومات تنتظر نتاج تأثير هذه الأحداث سياسيًا واقتصاديًا على دولها. الأمر الذي طال الرياضة في ملاعبها المختلفة، وكذلك عند صانعي القرار الرياضي العالمي عامةً والأوروبي خاصةً. يأتي هذا الترويج السياسي داخل الملاعب الرياضية بشكل رسمي من الساسة ومسؤولي الرياضة نفسهم، وهم الأشخاص ذاتهم الذين ادعوا لعقود طويلة أن الرياضة مجردة، ولايجب أن تتصادم مع سياقات أخرى كالسياسي والديني وغيرهما. والسؤال الآن لماذا أًصبحت الملاعب والعروض الرياضية بمثابة لوحة إعلانات سياسية في أمريكا وأوروبا؟ وما مدى تأثير هذه الحملات على السياسة الأمريكية والأوروبية؟ وما هو الحال بالنسبة للملاعب العربية؟
المباشر.. لأنه لا يوجد زر تخطي
يقول الخبيرالاستراتيجي والمستشار الإعلامي السابق الأمريكي (جيسي ليرش) لشبكة (NBC NEWS) تعقيباً على الموضوع: "يستهلك الأشخاص مقاطع الفيديو بشكل مختلف عما اعتادوا عليه. تشاهد برامجك المفضلة على (Netflix) أو ما يماثلها من تطبيقات، لذا أصبحت هذه الأحداث الرياضية الضخمة الآن نوعًا من تلك اللحظات النادرة، حيث تكون الغالبية العظمى من الجماهير واقفة بالفعل أمام التلفزيون لمشاهدة المبارة مباشرةً، وهو ما يجعل الساحات الرياضية مطمعًا لأصحاب الحملات السياسية"
أصبح الأمر أكثر شيوعًا مع تحول عادات المشاهدة نحو البث المباشر، والابتعاد عن التلفزيون التقليدي، لأن الأحداث الرياضية هي إحدى الأنواع القليلة من البرامج التي من المرجح أن يشاهدها المشاهدون مباشرة، مما يعني أن المشاهدين غير قادرين على تخطي الإعلانات التجارية.
قال كيسي فيليبس مستشار إعلامي جمهوري ولاعب كرة قدم جامعي سابق لشبكة (NBC NEWS): "إن القدرة على إيصال رسالتك إلى أي شخص - ناخبين أو مستهلكين أو أي شيء من هذا القبيل - أصبحت أكثر صعوبة بكثير مع تصدع المشهد الإعلامي. لطالما كانت الرياضة الحية مكانًا رائعًا لاستهداف الأشخاص، خاصةً خلال فترات الراحة في المباريات"
لم يعد ما يهم القنوات الرياضية هو بث البطولات الكبرى وأخبار الرياضيين فقط، ولكن أصبحت هذه القنوات تبث جرعات سياسية أكبر لمشاهديها. شبكة (ESPN) وهي أحد أكبر الشبكات الرياضية في العالم، تقول إنها أصبحت تبيع الوقت للمرشحين السياسين وللحملات السياسية الخاصة بإدارة الدولة.
لم تعد الإعلانات الشهيرة عن البيرة وأدوية تحسين القدرة الجنسية هي المنتج الوحيد المُروج له في الملاعب، هنالك ضيف جديد حاضر وبقوّة
يقول( Ed Erhardt ) رئيس المبيعات في الشبكة: "أصبحت الرياضة وثيقة الصلة ثقافيًا، وقد جعلت الطبيعة الحية للبرامج لدينا في ESPN جذابة للغاية لمجتمع الإعلانات، عبر جميع أنواع المنتجات، بما فيهم المرشحين السياسيين. لن تظهر الإعلانات السياسية المحلية فقط في أبرز العروض الليلية في جولات السوبر بول ؛ سيظهرون أيضًا في كل ما يبث عبر ESPN. يمكن أن تثبت هذه الألعاب أنها لا تقاوم بالنسبة للمرشحين الذين يتطلعون إلى جذب مجموعة واسعة من الناخبين"
أكثر من مجرد حملات إعلانية
لم تكن إعلانات بايدن للسيارات الكهربائية خلال جولة السوبر بول لهذا العام هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الرياضة للترويج لنفسه أو لسياساته، ولكن أصبح مؤخرًا من الطبيعي استخدام الأحداث الرياضية الكبيرة في الترويج للحملات الرئاسية للمرشحين، بل استخدام قواعد البيانات لهذه القنوات لمعرفة التوقعات المحتملة للأصوات من كل ولاية، ومدى شعبية المرشح في الولايات المختلفة، وبناءً على هذه الأرقام يتعين على كل مرشح العمل من أجل جذب أصوات أكثر من الولايات التي من المُتوقع أن يحصد فيها أصواتًا أقل من منافسه.
تقدر شركة ( Advertising Analytics ) المتخصصة في التحليل الإعلاني أن الحجوزات المسبقة لبايدن قبيل الانتخابات الرئاسية وصلت إلى 25 مليون دولار، وتشير أن هذه كانت المرة الأولى التي نشاهد فيها شيئًا بهذا الحجم، عندما يتعلق الأمر بإعلانات الحملة الرئاسية خلال موسم اتحاد كرة القدم الأميركي.
مع إنفاق المرشحين للرئاسة أكثر على الإعلانات السياسية أثناء البث الرياضي التلفزيوني، وزيادة النشاط السياسي المرئي للرياضيين، ودعم عشاق الرياضة لحق الرياضيين في تأييد المرشحين، تبدو الرياضة والسياسة متشابكة أكثر من أي وقت مضى.
وفقًا للإحصائيات، اشترى الرئيس السابق دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي للرئاسة حينها جو بايدن حوالي 2801 إعلانًا للبث، جنبًا إلى جنب مع البث الرياضي من 17 أغسطس/آب - اليوم الأول من المؤتمر الوطني الديمقراطي 2020 - إلى يوم الانتخابات في 3 نوفمبر/تشرين الثاني2020. وهو ما يقدر بـ 41.1 مليون دولار لموسم الانتخابات هذا.
من بين جميع الألعاب الرياضية التي ينفق المرشحون عليها أموالاً إعلانية، شكلت كرة القدم الأمريكية الجزء الأكبر منها، حيث مثلت 84٪ من جميع الإعلانات المحلية التي اشتراها المرشحون. فاشترى المرشحان ما قيمته 11 مليون دولار من إعلانات دوري كرة القدم الأمريكية. إلى جانب اتحاد كرة القدم الأميركي، اشترى المرشحون أيضًا إعلانات كرة قدم جامعية بقيمة 2.5 مليون دولار و 800 ألف دولار من مواقع الدوري الاميركي للمحترفين، وفقًا لبيانات من iSpot.tv.
من بين المرشحين الرئاسيين، أنفق بايدن 14 مليون دولار في البث الرياضي الوطني ، حيث أنفق كلا المرشحين ما يقرب من 25 مليون دولار على جميع الإعلانات الرياضية.
و مع اقتراب موعد الانتخابات، وبعد أن يكون قد حسم العديد من الناخبين رأيهم بشأن من ينوون التصويت له، تنفق كلتا الحملتين الكثير لإقناع النسبة الصغيرة من المواطنين الذين ما زالوا مترددين. عندما يتعلق الأمر بالرياضة ، يقدم اتحاد كرة القدم الأميركي فرصة مثيرة لكلتا الحملتين للتحدث إلى المشجعين، إما عن طريق الإعلان داخل الملعب، أو من خلال البث التلفزيوني.
أصبح أيضًا من الممكن قياس الانتماء السياسي لجماهير الرياضات المختلفة، وهو ما يمكن للحملات السياسية استغلاله، حيث تشير إحصائيات (New Media Measure) أن 40٪ من مشجعي اتحاد كرة القدم الأميركي هم في الغالب ليبراليون أو ديمقراطيون مقارنة بـ 34٪ معظمهم من المحافظين أو الجمهوريين. إن الفجوة البالغة 6٪ بين الانتماءات السياسية بين قاعدة المعجبين ليست عالية كما هي بالنسبة لـ NBA (46٪ ديمقراطي ، 26٪ جمهوري) أو NASCAR (49٪ جمهوري ، 29٪ ديمقراطي) ، لذا فإن الإعلانات السياسية خلال الموسم الرياضي تحظى بفرصة التأثير في بعض الناس، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن 26٪ من مشاهدي اتحاد كرة القدم الأميركي غير مرتبطين بأي من الحزبين السياسيين الرئيسيين.
والسؤال الآن، هل تتوقف هذه الإعلانات السياسية في السنوات التي لا تُقام فيها الانتخابات؟ في السنوات الأقل إثارة سياسيًا، لا تبتعد السياسة عن ملاعب الرياضة، ولكنها تتواجد بشكل ومواضيع مختلفة طبقًا للمناخ السياسي العام، فنجد أن أغلبية الإعلانات المسيطرة في مثل هكذا سنوات ذات طابع تقدمي، وذلك من خلال ما تتبناه من دعم لقضايا الأقليات، وقضايا ضد التمييز.
نشاط الشركات الرياضية.. قضايا سياسية تقدمية أم تسويق مستقبلي؟
امتد الإعلان السياسي من خلال الرياضة في أمريكا إلى الشركات الرياضية، هي الأخرى التي تولت قضايا سياسية تقدمية، كدعم السود في قضية (BLM)، ودعم المثليين، وتبني قضايا التمييز ضد المرأة.
ربما لا توجد شركة أكثر وعياً بقوة النشاط السياسي الشعبي أكثر من شركة (نايكي). والتي يمتد تبنيها للقضايا السياسية وخلطها بالرياضة إلى تسعينيات القرن الماضي، كقضية دعم العمال، ومؤخرًا قضايا كدعم حركة(BLM).
ينقسم خبراء التسويق حول حكمة الشركات الرياضية التي تشارك في العمل السياسي. يمكن أن يُظهر النشاط للمستهلكين أن الشركات تهتم بالأرباح أكثر من أي شيء ، ولكن كما يظهر رد فعل المحافظين على الشركة ، فإن اتخاذ موقف قد يكون محفوفًا بالمخاطر، كتقويض عملهم من قبل الحكومة إذا لم يكن هذا الدعم على هواهم.
ربما واجهت شركة نايكي أيضًا ضغوطًا كبيرة من الرياضيين الذين يستخدمون علاماتهم التجارية الشخصية بشكل متزايد للانخراط في السياسة. لاعب كرة السلة ليبرون جيمس ، أكبر المتحدثين باسم نايكي في الدوري الأمريكي للمحترفين ، تنازع مع دونالد ترامب وأدان سياساته باعتبارها عنصرية. مايكل جوردان وقف إلى جانب جيمس ضد الرئيس السابق، ولكن على المدى الطويل، ربما تأمل شركة نايكي في الاستفادة من هذا الموقف، وخاصة من التركيبة السكانية الرئيسية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم الأصغر سناً .
يُقال إن الأمريكيين الأصغر سنًا يدعمون بقوة احتجاج (BLM)، وهم أكبر مستهلكين لمنتجات نايكي. تعلم نايكي أيضًا أن المستهلكين يطورون ولاءهم للعلامة التجارية في وقت مبكر من حياتهم ويحافظون عليه لفترة طويلة.
هل تجنبت الأنظمة العربية "عسل" الرياضة خوفًا من "لدغة" روابط الألتراس؟
تعتمد العلاقة بين الرياضة والسياسة على طبيعة النظام السياسي الحالي للبلد. غالبًا ما تمارس الأنظمة الاستبدادية والديكتاتوريات نوعًا من السيطرة على الأنشطة الرياضية أو حتى تحتكرها لخدمة مصالحها السياسية.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المليئة بالصراعات السياسية والفقيرة، عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية. لعبت الرياضة دورًا سياسيًا فعالًا داخليًا وخارجيًا إلى حد كبير.
على سبيل المثال، مارست معظم الدول العربية ضغوطًا سياسية باستخدام الرياضة في صراعها مع إسرائيل، كونها كيانًا يحتل الأراضي الفلسطينية. منعت هذه الدول لاعبيها من مواجهة الرياضيين الإسرائيليين في المحافل الدولية سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية. قرارات المقاطعة يمكن أن يتخذها الاتحاد الرياضي نفسه. في بعض الأحيان يكون قرارًا فرديًا يتخذه الرياضيون أو الفرق بناءً على الخلفيات السياسية.
واستناداً إلى الخلفية نفسها، تم رفع العلم الإسرائيلي على أراضي عربية في منتديات غير الرياضة. حدث ذلك على الرغم من السخط الشعبي الذي أثارته بعض القوى السياسية . واعتبرت هذه القوى السياسية هذا الوجود الإسرائيلي القوي في الرياضة بداية لتطبيع سياسي حر. وهي عملية بدأت تؤتي ثمارها مؤخرًا في سياق ما أطلق عليه الشرق الأوسط الجديد.
على المستوى المحلي، أصبحت مجموعات "الألتراس" أو مجموعات مشجعو الأندية الرياضية جزءًا لا يتجزأ من المجال السياسي المصري منذ ثورة 25 يناير 2011. حتى أنهم تعرضوا لمحاولات واشتباكات مع قوات الأمن في مصر لممارسة الضغط على الحكومات المتعاقبة، بهدف تلبية مطالبها بالحرية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر مجموعات الألتراس في المغرب رمزًا للشباب الباحثين عن فرص حياة أفضل. كما أنها منصات للتعبير عن مخاوف جيل مهمش لا يرى أي أفق آمن لتلبية احتياجاته المستقبلية. أصبح الألتراس نقطة انطلاق للأغاني والهتافات التي تعبر عن آمال هؤلاء المهمشين.
خلال مباراة للنادي الأهلي المصري لكرة القدم في دوري أبطال أفريقيا بمارس/آذار 2018، سُمح لعدد قليل من المشجعين بدخول الملعب. ومن المعروف أن مصر أيّدت حظر الجماهير في الدوري المحلي الخاص بها منذ فبراير 2012 ، عندما قُتل 72 من مشجعي الأهلي في مذبحة استاد بورسعيد، لكن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم طالب البلاد بالسماح للجماهير في الملعب خلال المباريات الدولية.
"حرية ، حرية"، هتف مشجعو الأهلي في الملعب مذكرين بهتافات المتظاهرين أثناء وبعد انتفاضة البلاد في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وانتشر فيديو الجماهير وهم يهتفون على موقع يوتيوب بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي. تم القبض على معظم شباب هذه المباراة، وبعدها بأسبوعين تم حل رابطة ألتراس أهلاوي في بيان رسمي من شباب الرابطة، وحذت مجموعة (وايت نايتس) ألتراس نادي الزمالك حذو مجموعة ألتراس أهلاوي. ولا زالت تُلعب المباريات دون جماهير حتى الآن، وهو ما يعني أن الحكومة تخلت عن الترويج السياسي داخل جنبات ملاعب المباريات، اتقاءً لأي شغب قد يحدث من هذه الجماهير.
في النهاية، لايبدو أن الديناميكيات ستتغير قريبًا، أو أنه سيتم فصل السياق السياسي عن الرياضي بطريقة ما، بل تخبرنا المؤشرات بالعكس، فالرياضة والملاعب الرياضية مكان موثوق لوصول رسائل الجميع والترويج لمنتجاتهم، بما فيها المنتجات السياسية، العاطفة الرياضية لدى الجمهور قوية جدًا، فيقول الساسة "ما المانع من إضفاء بعض التوابل السياسية على الوجبة الرياضية؟"