خسرنا، بإلغاء "الأكاديمية السّعودية للتدريب والاستشارات" دورةً تثقيفية للمستشار الأُسري، فهد عبد العزيز الأحمدي، مدير عام أكاديمية روافد للتدريب والاستشارات. كانت فرصة للإجابة عن هذا السّؤال المحيّر، "هل المرأة إنسان؟".. من يدري، لعل حلقة الإعلامي أحمد الشّقيري على "آرام تي في"، في العام 2011 تُجيب عن تساؤلاتنا، مع أنّ أحمد حاول تكريم المرأة وتصويب الصّورة، لكن إعادة طرح السّؤال اليوم بحدّ ذاته، جزءٌ من سلسلة سلبها حقوقها.
يرى أرسطو أن المعيار البشري هو الذكر، وما المرأة إلا ذكرٌ أصابه خلل، أي ذكر مُعيب. وارتُكبت المجازر بحق النساء بناء على ذلك
"فيما يختص بطبيعة الفرد، فإن المرأة مخلوق معيب وجدير بالازدراء"، جملةٌ تلخّص حال المرأة في عصر الجاهلية الأوروبية، جاهلية العصر الذي حكمت وتحكّمت فيه الكنيسة بالقارّة العجوز وسياساتها، وصولاً إلى شكل وطبيعة مجتمعاتها. صاحب المقولة هو "توما الأكويني"، الذي كان متحيرًا تمامًا، مثل سلفه أوغسطين من قبل، ليكمل: "ذلك أن القوة الفعالة في مني الذكر تنزح إلى إنتاج مماثلة كاملة في الجنس الذكري، بينما تتولد المرأة عن عيب في تلك القوة الفعالة، أو حدوث توعك جسدي، أو حتى نتيجة لمؤثر خارجي".
اقرأ/ي أيضًا: المرأة السودانية في مخيال البشير
نظرية أوغسطين وخلفه توما هذه، ليست إلّا نموذجًا عن ما حيّر بعض الفلاسفة اليونانيين في القرون الوسطى، ما هي المرأة، هل هي إنسانٌ أو روحٌ أم جسدٌ خاوٍ بلا روح، أو أداة تناسلٍ وتكاثر؟. في مجمع ماسون، في القرن السادس، كان على الأساقفة أن يصوتوا على مسألة: "ما إذا كان للنساء أرواح أم لا؟! ولقد فاز اقتراح الموافقة بأغلبية صوت واحد".
أرسطو هو من أوحى لتوما لاستخراج نظريته الفريدة، فأرسطو صاحب آراءٍ في علم الأحياء، منها آراءٌ اعتبر فيها أن المعيار البشري هو الذّكر، وما المرأة إلّا ذكرٌ أصابه خللٌ، أي ذكرٌ مُعيب. وارتُكبت المجازر بحقّ النّساء، تحت عناوين خرافية جاهلية فبدأ تعقب النساء وقمعهن، بسبب الجنون الشهير الذي تفجَّر في أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، خاصة بتعقب نساء السحر الأسود والتنكيل بهن.
لقد دمرت تلك الحملات، إلى أبعد حد، العلاقة بين الجنسين في المجتمع الغربي في تلك الفترة، ففي نهاية القرن الخامس عشر، كان واضحًا تمامًا أن الكنيسة قد طبعت أوروبا برعب من الأمور الجنسية، وكراهية للنساء، وتفجرت كلها في الحملات المتفرقة لتعقب "المتشيطنات" وقمعهن، وطوال هذه الحملات كان يعتقد أن هناك شيطانًا يمارس الجنس مع هؤلاء النسوة، وكانت تعرف تلك الروح الشريرة باسم: "الحضون".
احترام المرأة يكمن أولًا في إلغاء التساؤل "هل المرأة إنسان؟"، لا بطرحه لنفيه، فمجرد طرح الموضوع للنقاش، يعني تحميله فرضيتي الخطأ والصواب
على أيّ حال، يطرح الفنان السّوري ياسر العظمة أسئلة جدليةً طريفةً عن المرأة، ففي أحد المقاطع يتساءل: "إذا صرفت بتقول مبذّرة، وإذا ما صرفت بخيلة، إذا أكلت أكولة وإذا ما أكلت نحيلة، إذا ضحكت مايعة وإذا عبست متكبّرة، إذا حكت وقحة وإذا سكتت ساذجة"، ماذا تريدون من المرأة؟ أوروبا استطاعت شكليًا أن تنفض غبار التّمييز الجندري عن مجتمعاتها، من خلال قوانين وأنظمةٍ مستحدثة، ولو أن نسب العنف الأسري-المنزلي عالية في بعض البلدان الأوروبية، لكن القوانين تمكن المرأة من أخذ حقوقها، على النّقيض تمامًا لقوانين بلادنا".
اقرأ/ي أيضًا: السلطة الذكورية على هيئة أغنية ناعمة
قبل أن تسأل "الأكاديمية السّعودية" عن طبيعة المرأة كمخلوقٍ إنسيّ أم لا، وتمنّ على المرأة بصبغها بصفة الأنسنة، عليها ومن نظم معها هذه الدورات أن يعوا جيدًا أن احترام المرأة يكمن أولاً في مسح هذا التّساؤل من رؤوسهم، لا بطرحه لنفيه، فمجرد طرح موضوعٍ للنقاش، يعني بالتّالي تحميله فرضّيتين، فرضية الصواب والخطأ.
لتفكّر الأكاديمية وغيرها في بدء دوراتٍ تثقيفية للمرأة عن حقوقها المهدورة في السّعودية، في قيادتها السّيارة، في منعها من شراء فنجان قهوةٍ صباحيٍ إلّا إذا أرسلت سائقها أو ولي أمرها لإحضاره. في الحقيقة، يحتاج عالمنا العربي، أو معظمه منعًا للتعميم، لمئات السّنوات الضّوئية كي يكرّس المساواة الفعلية بين المرأة والرّجل، فهو، يموّه ذكوريته بشرقيّته، أو بشعار "تكريم المرأة"، كأن تكريم المرأة لا يكون إلّا بهضم حقوقها وهدم استقلالية كيانها.
اقرأ/ي أيضًا: