الجنرال يهدد، كما اعتاد أن يفعل دائمًا، لم تكن هذه المرة الأولى، وعلى ما يبدو لن تكون الأخيرة، لكن الجديد هذه المرة هو لمن يوجه السيسي هذه التهديدات؟ خاصة بعد أن انتهت ترتيباته للانتخابات الرئاسية المقبلة، فاعتقل مرشحين محتملين ودفع البقية للانسحاب، ثم وجد أخيرًا بعد بحث طويل، "الكومبارس" الذي سيحلل له رئاسته المقبلة.
رغم القبضة الحديدية التي يسيطر بها السيسي على الأوضاع في البلاد، إلا أنه بدا في آخر ظهور له متوترًا وعصبيًا
ورغم السيطرة التي يفرضها السيسي على الأرض، إلا أنه ظهر خلال افتتاح المرحلة الأولى من الإنتاج المبكر لحقل "ظهر" للغاز الطبيعي؛ متوترًا وعصبيًا. وتحدث عن الدولة ودورها وضرورة تماسكها، وعن غضبه من تحدث بعض الناس عند انقطاع الكهرباء، ثم تحول من الغضب للتهديد.
اقرأ/ي أيضًا: العثور على الكومبارس أخيرًا.. سارق أحزاب سابق "ينافس" السيسي في الانتخابات
قال السيسي خلال الافتتاح بلهجة امتزجت فيها السخرية بالتهديد: "احذروا. الكلام اللي حصل من 7 أو 8 سنين (يقصد ثورة 25 يناير)، اللي ما نجحش وقتها، هتنجهوه دلوقتي؟! انتو متعرفونيش صحيح"، ثم يضحك باستهزاء، ويضيف:" والله أمنك واستقرارك يا مصر، تمنه حياتي، وحياة الجيش".
اللافت أكثر قوله: "أنا مش سياسي. أنا مش سياسي". ثم تهديده بطلب تفويض ثانٍ، كالذي لحق بعزله لمحمد مرسي، والذي كان بداية عنف غير مسبوق وجهه ضد المتظاهرين من المعارضين الإسلاميين وغيرهم. وأنهى حديثه بـ"أنا بقالي 50 سنة بتعلم يعني إيه دولة"، ولم يخبرنا عمّا تعلمه تحديدًا.
التهديد للجيش؟
في الوقت الذي لا تبدو المعارضة المدنية مصدر قلق بالنسبة للسيسي، كونها في أضعف حالاتها ومنقسمة على نفسها، والمعارضة الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين لم تعد شوكتها كما كانت في الماضي، وأعضاؤها بين منفي ومعتقل ومطارد، وخارجيًا لم يعد لها دور فعال في ظل الاعتراف الدولي بالسيسي على كل الأصعدة.
إذًا فممن يخشى السيسي، لتوجيه كل تلك التهديدات؟ لم يتبقّ غير الجيش على الأغلب، فحديث السيسي لا يمكن تحليله بمعزل عن التحركات الجارية علي الساحة المصرية، والعنف في المواجهة الذي يستخدمه السيسي ضد معارضيه من نفس مؤسسة الجيش. وقد استطاع السيسي مواجهة اثنين من العسكريين، كانت لديهم رغبة في الترشح لانتخابات الرئاسة، بينهما اثنان كانا أصحاب نفوذ في الماضي، كما عزل رئيس الاستخبارات العامة خالد فوزي، ومن قبلها بشهور رئيس الأركان الذي هو صهره، محمود حجازي.
وإن اختلفت أسباب عزل أو إقصاء كل واحد منهم (أحمد شفيق وسامي عنان وخالد فوزي ومحمود حجازي) يبقى أن السيسي استطاع فعل ذلك، بلا صعوبات تذكر، ظاهريًا على الأقل. وفي حالة عنان، عندما رفض الأخير الانصياع لرغبة السيسي، دفع السيسي بالقوات المسلحة لتكون طرفًا في المعركة السياسية وتعتقل عنان بتهمة الترشح للرئاسة دون الحصول على إذن من الجيش، وأيضًا بتهمة التزوير في أوراق رسمية. وقد سبق وتكرر الأمر من جهة القوات المسلحة مع العقيد أحمد قنصوة.
وكان خطاب السيسي الذي كما امتلأ غضبًا وتهديدًا، بدا فيه مرتبكًا، والتهديد عمومًا يبدو أنه نابع من خوف عميق.. كان خطابه مثار حديث وتفاعل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
فقد غرد الناشط السياسي ممدوح حمزة على تويتر، قائلًا إن السيسي يقصد بما حدث من سبع أو ثمان سنوات "الانقلاب العسكري على مبارك الذي حدث أثناء الـ18 يومًا، وليس 25 يناير".
الصحفي المصري عبدالله كمال، أشار أيضًا لذلك الاحتمال، فقال في تدوينة على فيسبوك: "السيسي وقطاع عريض من الجيش شايف يناير خطة/مؤامرة عملها الجيش ضد مبارك ومشروع التوريث، أدت إلى التفاوض مع مبارك كسياسي على الخروج من السلطة". مُضيفًا: "السيسي بيشير غالبًا لتحرك سامي عنان الأخير، واللي يبدو إنه كان مدعوم من جنرالات في الجيش سابقين أو حاليين. وبيحذر بوضوح أن تكرار يناير ضده مش هيؤدي لمفاوضته كسياسي، ولكن لقتاله وجيشه حتى يموت هو شخصيًا قبل الخروج من السلطة".
تشير الدلائل إلى أن السيسي لم يكن يقصد بحديثه الأخير، المعارضة، وإنما بعض القيادات داخل الجيش نفسه يرى أنها تمثل تهديدًا له
اقرأ/ي أيضًا: دعابات السيسي المحرجة.. "أهلًا" بالتفاهة
الحديث عن توجيه السيسي حديثه لشخصيات كانت تعد لانقلاب لم يكن عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط، ولكن أيضًا على شاشات التلفاز، ومن إعلاميين مؤيدين له ومقربين من أجهزته الأمنية، مثل أحمد موسى الذي قال: "الرئيس كشر عن أنيابه. لديه معلومات بوجود مخططات للانقلاب على الدولة المصرية".
تحدي التفويض
وبالرغم من الخطاب العصبي، والطريقة المتوترة التي تحدث بها السيسي، إلا أن بعض النشطاء سخروا منه وطالبوه بأن يطلب بالفعل تفويضًا ثانيًا ليعرف حقيقة تضاؤل شعبيته.
الإعلامي المعارض أسامة جاويش علق على عصبية السيسي فقال: "هذا المجنون إما أنه سيقتل في وقت قريب وإما أنه سيحكم لسنوات فوق جثث الجميع".
المحامي والناشط والبرلماني السابق زياد العليمي، كتب على فيسبوك موجهًا حديثه للسيسي: "أرجوك ادعوا جماهيرك تنزل تعمل لك تفويض، أرجوك خلينا نشوف شعبيتك. ملاحظة أخيرة برة الموضوع: إمسك أعصابك واجمد كده، دا لسة مفيش حاجة حصلت، وماينفعش ناسك اللي إنت عامل عليهم عتريس يكتشفوا إنك رشدي دلوقتي". فيما سخر الصحفي المصري خالد البلشي من التهديد بطلب التفويض، قائلًا: "مبقاش عندنا انتخابات. نعمل إيه؟ خلاص بلاها انتخابات، يعملوا تفويض!".
السخرية حاضرة
وبالرغم من العصبية وخطورة التحليلات التي تبدو منطقية في حديث السيسي، إلا أن السخرية كانت حاضرة بقوة كرد فعل على ما قاله السيسي، تحديدًا جملته: "أنا مش سياسي".
اقرأ/ي أيضًا: