شهدت كرة القدم على الدوام أحداثاً مأساوية وجولات شغب وعنف راح ضحيتها الكثير من القتلى والجرحى. تعددت الأسباب وتداخل فيها ما هو كروي بما هو سياسي، إجتماعي، ديني وثقافي. فهناك خلافات سياسية انعكست وتُرجمت على المدرجات وأدت إلى نتائج مؤسفة ، كأحداث استاد بور سعيد المريعة في مصر في 2012 المعروفة باسم مذبحة بورسعيد" والتي راح ضحيتها 73 قتيلاً بعد اقتحام الجماهير للملعب. لاحقاً أصدرت محكمة الجنايات في بور سعيد حكماً بالإعدام والمؤبد على عدد كبير من المتهمين، أدينوا حسب المحكمة.
نجمت الحرب بين السلفادور وهندوراس عن تراكمات عقود من النزاعات والخلافات، وملعب كرة القدم ليس إلا المكان الذي انطلقت منه شرارة الحرب الأولى
وفي حالات أخرى معاكسة، يكمن الخلاف كرويًا في البداية ثم يتحول إلى مشكلة مدينتين أو حتى دولتين، فعلى سبيل المثال شهد العام 2009، وعلى إثر إقامة مباراة فاصلة لتحديد المتأهل الى مونديال 2010 بين مصر والجزائر، اضطرابًا غير مسبوق بين جمهور البلدين، تتطور مع الوقت وظهرت مصطلحات الكراهية والتعابير العنصرية في صحافة البلدين وفي البرامج التلفزية الساخرة، حتى بتنا على مشارف أزمة دبلوماسية.
وتبقى الأحداث التي رافقت مباراة منتخبي هندوراس والسلفادور في العام 1969، في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970 في المكسيك هي الأشهر على هذا الصعيد، وقد عُرفت بإسم "حرب كرة القدم" و"حرب المئة الساعة". الخلاف بين الدولتين ليس وليد مباراة كرة القدم بطبيعة الحال، بل هو نتيجة للعديد من المحطات والأحداث التي حكمت وأثرت على العلاقة بين البلدين الجارين لفترة طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: الساحر رونالدينيو.. ضحك ولعب وجد وحب
شهد مطلع القرن العشرين موجات هجرة كثيفة من السلفادور إلى الهندوراس بحثاً عن فرص عمل وعن حياة أفضل. وكما في جميع حالات الهجرة بين الدول المجاورة، وُلدت مشاكل ناجمة عن التزاحم على فرص العمل والمنافسة إضافة الى المشاكل الحدودية. في العام 1962 سنّت السلطات الهندوراسية قانونًا لإصلاح الأراضي الزراعية، وتم تنفيذه بالكامل في العام 1967 فنجح الهندوراسيون في انتزاع الأراضي التي استملكها المهاجرون السلفادوريون مع الوقت، الأمر الذي زاد التوتر بين الدولتين.
في حزيران/يوني 1969 وعشية حرب "المائة ساعة" كان 300 ألف سلفادوري يعيش ويعمل في هندوراس. تقابل المنتخبان في مباراتين ضمن تصفيات الكونكاكاف المؤهلة للمونديال. لُعبت مباراة الذهاب في هندوراس وشهدت أحداث شغب من جمهوري الفريقين الذين تبادلا الهتافات والشتائم. لتفوز هندوراس 1-0 في النهاية.
كانت الأجواء أكثر سخونة في مباراة الإياب في السلفادور في 15 حزيران/يونيو 1969. أطلق الجمهور السلفادوري صافرات استهجان أثناء إلقاء النشيد الوطني الهندوراسي. شعر الهندوراسيون بإهانة كبيرة. انتهت المبارة بفوز السلفادور 3- 0، لكن مفاعيلها لم تنته. شهدت الأيام التالية عنفًا كبيرًا وأحداثًا دموية، تعرض السلفادوريون العاملون في الهندوراس لاعتداءات فردوا عليها. اتهمت الحكومة السلفادورية لاحقًا نظيرتها الهندوراسية بعدم اتخاذ الإجراءات الكافية للجم وردع الاعتداءات على المواطنين السلفادوريين على أراضيها. نجحت الوساطات في إقناع الجهتين بإقامة مباراة فاصلة لتحديد المتأهل. لُعبت المباراة في المكسيك في 26 حزيران/يونيو وفازت السلفادور 3-2 بعد تمديد الوقت.
اقرأ/ي أيضًا: قصة كأس العالم 1954.. 25 معلومة غريبة (5-5)
لم يزل التوتر مع انتهاء المباراة. استمرت المناوشات والاستفزازات المتبادلة بين الطرفين إلى أن اندلعت الحرب بين الجارين اللدودين. في 14 تموز/يوليو قامت الطائرات السلفادورية بقصف الأراضي الهندوراسية. بينما قامت القوات الهندراسية بالرد وقصفت مصافي بترول سلفادورية. قُتل خلال الحرب 250 جنديًا هندوراسيًا إضافة إلى 2000 مدني، أرقام قتلى السلفادور كانت مشابهة. أجبر 130 ألف سلفادوري يعملون في هندوراس، بُعيد الحرب على العودة إلى بلادهم، وقد شكلت عودتهم عبئًا كبيرًا على اقتصاد بلدهم، فمن جهة توقف ضخ الأموال التي كانوا يرسلونها إلى ذويهم من هندوراس، ومن جهة أخرى بات غالبيتهم عاطلًا عن العمل في ظل انعدام الفرص المتوفرة في السلفادور.
ما تشي به حرب المائة ساعة أن كرة القدم ليست نشاطًا هامشيًا في المجتمعات، بل هي في صميم تشكيل هوياتها وخياراتها السياسية والاجتماعية والتعبير عنها
نجحت الوساطات الدولية في وقف الحرب الدموية بعد أربعة أيام من اندلاعها، إلا أن معاهدة الصلح لم توّقع قبل العام 1980. المعاهدة التي نصت على تنظيم الأعمال الحدودية والإجراءات الروتينية لم تنجح في محو آثار الحرب من نفوس مواطيني البلدين. العلاقات التجارية لم تُستأنف حتى العام 2013.
يُنظر باستمرار إلى حرب المائة ساعة أو حرب كرة القدم Football War على أنها الحرب التي اندلعت بسبب مباراة كرة قدم، لكنها في الحقيقة حرب لها مسوغاتها ومقوماتها، وناجمة عن تراكمات عقود من النزاعات والخلافات، وملعب كرة القدم ليس إلا المكان الذي انطلقت منه شرارة الحرب الأولى.
اقرأ/ي أيضًا: