05-سبتمبر-2024
هيومن رايتش ووتش

لاجئون سوريون وصلوا إلى قبرص انطلاقًا من لبنان في نيسان/أبريل الماضي (رويترز)

اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، الجيش اللبناني والسلطات القبرصية بالعمل معًا لمنع اللاجئين السوريين من بلوغ أوروبا، ومن ثم ترحيلهم "ليواجهوا الخطر" في سوريا.

وتوثق المنظمة الحقوقية في تقريرها المكون من 90 صفحة، وصدر بعنوان "لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صد وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان"، سبب "سعي اللاجئين السوريين في لبنان اليائس إلى المغادرة ومحاولة الوصول إلى أوروبا، وكيفية اعتراض الجيش اللبناني لهم وإرجاعه لهم وطردهم فورًا إلى سوريا".

وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه بالتزامن مع ذلك، "قام خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى بإعادة السوريين الذين وصلت قواربهم إلى قبرص إلى لبنان، دون اعتبار لوضعهم كلاجئين أو خطر طردهم إلى سوريا"، وأضافت "طرد الجيش اللبناني العديد من الذين أعادتهم قبرص إلى لبنان إلى سوريا على الفور".

وثق التقرير المكون من 90 صفحة سبب سعي اللاجئين السوريين في لبنان اليائس إلى المغادرة ومحاولة الوصول إلى أوروبا

وقالت المنظمة الحقوقية إنها وثقت حالات الأشخاص الذين أعيدوا بين آب/أغسطس 2021 وأيلول/سبتمبر 2023، ووفقًا للمنظمة فإن لبنان أكد أنه طرد السوريين الذين أعادتهم قبرص في نيسان/أبريل 2024، فضلًا عن إعلانه عن عمليات إرجاع جديدة في آب/أغسطس الماضي.

وبحسب الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة الحقوقية، نادية هاردمان، فإنه "عبر منع اللاجئين السوريين من المغادرة لطلب الحماية في بلد آخر، ثم إعادتهم قسرًا إلى سوريا، ينتهك لبنان الحظر الأساسي على إعادة اللاجئين إلى حيث يواجهون الاضطهاد، بينما يساعد الاتحاد الأوروبي في دفع التكلفة"، وأضافت: " تنتهك قبرص هذا الحظر أيضًا من خلال دفع اللاجئين إلى لبنان حيث قد يتعرضون للإعادة إلى الخطر في سوريا".

وكان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه قد قدموا إلى مختلف السلطات الأمنية اللبنانية تمويلًا يصل إلى 16.7 مليون يورو بين عامي 2020 و2023 لتنفيذ مشاريع إدارة الحدود التي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز قدرة لبنان على الحد من الهجرة غير الشرعية.

كما خصص التكتل الأوروبي في أيار/مايو الماضي حزمة أوسع بقيمة مليار يورو للبنان حتى 2027، بما في ذلك أموال لتزويد "القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية الأخرى بالمعدات والتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب"، وفقًا لـ"هيومن رايتس ووتش".

وقالت المنظمة الحقوقية إنها شاركت النتائج التي توصلت إليها مع 12 جهة معنية، ودعتها إلى التعليق عليها، بما في ذلك حكومتي لبنان وقبرص ومؤسسات وهيئات الاتحاد الأوروبي وجهات خاصة، وأضافت أنه وردت إجابات من عشرة منها.

وقامت السلطات القبرصية بطرد "المئات من طالبي اللجوء السوريين بشكل جماعي دون السماح لهم بالوصول إلى إجراءات اللجوء، وأجبرتهم على ركوب سفن سافرت بهم مباشرة إلى لبنان"، وفي المقابل "قال الأشخاص المُبعدون إن عناصر الجيش اللبناني سلموهم مباشرة إلى جنود سوريين ومسلحين مجهولين داخل سوريا".

وأضافت "هيومن رايتس ووتش" أنه بمجرد وصول اللاجئين المبعدين إلى سوريا، تعرضوا "ليس فقط للاحتجاز من قبل الجيش السوري، بل للابتزاز من قبل مسلحين مقابل دفع المال لتهريبهم إلى لبنان مجددًا".

ويستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد السكان في العالم، بما في ذلك 1.5 مليون لاجئ سوري، في الوقت الذي يعاني فيه من أزمات متعددة ومتراكمة أدت إلى ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة لكل من يعيش هناك.

وبحسب المنظمة الحقوقية، فإنه "تساهم هذه الأوضاع في الظروف التي تدفع العديد من اللاجئين السوريين إلى المغادرة إلى أوروبا، نظرًا لعدم وجود مسارات هجرة قانونية وخوفًا من الاضطهاد في سوريا"، وقال العديد من الذين قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" إن "رحلات العبور غير النظامية بالقوارب هي السبيل الوحيد المتاح لهم لحياة آمنة وطبيعية".

وكانت المديرية العامة للأمن العام اللبناني، قد ذكرت أنها اعتقلت أو أعادت 821 سوريًا على متن 15 قاربًا حاولوا مغادرة لبنان بين الأول من كانون الثاني/يناير 2022 والأول من آب/أغسطس 2024.

ووصف الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات الذين تمكنت قواربهم من الوصول إلى المياه القبرصية "استخدام سفن خفر السواحل القبرصية مناورات خطيرة لاعتراض القوارب".

وتشكل عمليات الطرد بإجراءات موجزة هذه انتهاكًا لالتزامات لبنان كطرف في "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب"، وبموجب مبدأ القانون الدولي العرفي بعدم الإعادة القسرية للأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد، كما أن احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم وفصلهم عن أسرهم وغير ذلك من الانتهاكات ينتهك التزامات لبنان في مجال حقوق الطفل، وفقًا للمنظمة ذاتها.

وبحسب "هيومن رايتس ووتش"، تعتبر عمليات الصد في قبرص عمليات طرد جماعي محظورة بموجب "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، وتنتهك حظر الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية.

وتؤكد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، المكلفة بتوفير الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية للاجئين، أن "سوريا غير آمنة للعودة القسرية وأنها لا تُسهل ولا تُشجع العودة الطوعية".

وقالت هاردمان: "لطالما كافأ الاتحاد الأوروبي لبنان على منع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا بمشاريع إدارة الهجرة"، وشددت على أنه "بدلًا من الاستعانة بجهات خارجية لارتكاب الانتهاكات، يتعين على الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين أن ينشؤوا على الفور آليات مباشرة ومستقلة لمراقبة الامتثال لحقوق الإنسان في عمليات مراقبة الحدود اللبنانية".

وختمت "هيومن رايتس ووتش" تقريرها بالقول إن "الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء فيه قدموا تمويلات كبيرة لإدارة الحدود اللبنانية دون ضمانات حقيقية لضمان عدم استخدام أموال الاتحاد الأوروبي من قبل جهات مسؤولة عن الانتهاكات أو المساهمة في إدامة الانتهاكات".