لم تقتصر تحقيقات "وثائق باندورا"، التي كشفت عن ثروات سرية ضخمة وعمليات تهرب ضريبي وغسيل أموال، على الشخصيات السياسية والاقتصادية فقط، بل شملت أيضًا عددًا من المشاهير في مجالات فنية وترفيهية مختلفة، مثل المغنية الكولومبية - اللبنانية شاكيرا، والبريطاني جون إلتون، واﻹسباني خوليو إغليسياس، وعارضة اﻷزياء اﻷلمانية كلوديا شيفر، وعازف الدرامز السابق في فرقة "بيتلز" رينغو ستار، وآخرين غيرهم ممن أظهرت المستندات المسربة، التي قدِّرت بنحو 12 مليون مستند، تورطهم في إخفاء ملايين الدولارات عبر شركات "أوفشور"، بهدف التهرب الضريبي.
استخدم ماريو بارغاس يوسا شركة "أوفشور" باسم "ميلك للاستثمارات" ﻹدارة عائداته من حقوق نشر أعماله اﻷدبية وبيع عقارات مختلفة في مدريد ولندن
إلى جانب هذه اﻷسماء، حضر أيضًا الكاتب والروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، الذي ورد اسمه في "وثائق بنادورا" بصفته المالك الرئيسي لشركة "ميلك للاستثمارات" (Melek Investments)، وهي شركة "أوفشور" مسجلة في جزر العذراء البريطانية، أحد أشهر الملاذات الضريبية في العالم، سنة 2015.
اقرأ/ي أيضًا: ماريو فارغاس يوسا: الصوابية السياسية عدوة الحرية
استخدم ماريو بارغاس يوسا هذه الشركة، وفقًا لما جاء في الوثائق، ﻹدارة عائداته من حقوق نشر أعماله اﻷدبية، وبيع عقاراتٍ مختلفة في العاصمة اﻹسبانية مدريد، والبريطانية لندن. ورغم دقة مضمون الوثائق، نفت "وكالة كارمن باسيلس اﻷدبية"، المسؤولة عن تمثيل يوسا، امتلاك اﻷخير للشركة، حيث ذكرت في تصريح لصحيفة "إل باييس" اﻹسبانية، أن الروائي البيروفي لم يكن مقيمًا في إسبانيا أو البيرو، البلدين اللذين يحمل جنسيتهما، عندما أُنشأت الشركة. وأن المحفظة الاستثمارية التي أطلع سلطات الضرائب اﻹسبانية على مضمونها، بعد انتقاله إلى اﻹقامة في إسبانيا عام 2017، كانت باسمه وليس باسم شركة "ميلك للاستثمارات".
وأضافت الوكالة في تصريحاتها، أن الشركة عبارة عن "هيكل مالي"، أنشأه بنك الاستثمار اﻷمريكي "Jefferies Group LLC"، المسؤول عن إدارة استثمارات يوسا، بعد طلاق اﻷخير من زوجته السابقة باتريشيا يوسا ﻷسبابٍ تتعلق بالخصوصية. كما وأشارت أيضًا إلى أن الشركة المذكورة في "وثائق باندورا"، أدارت ولمدة قصيرة محفظة استثمارية، أسهم وسندات، فقط. وأنها، رغم فك جميع الارتباطات بينها وبين استثمارات يوسا، واصلت العمل بالاسم نفسه.
لا تنفي تصريحات "وكالة كارمن باسيلس" امتلاك الروائي البيروفي للشركة فقط، بل تؤكد أيضًا أن لا علم لها بها، وأنها أدارت بعض شؤونه المالية لمدة قصيرة تحت إشراف "Jefferies Group LLC". وهذا بالضبط ما تنفيه الوثائق التي حصلت عليها صحيفة "إل باييس"، من "OMC Group".
تكشف الوثائق عن وجود شركة "ميلك للاستثمارات" منذ نحو 6 سنوات. إلا أن اﻷهم من ذلك، هو العثور على جواز سفر يوسا وتوقيعه، إلى جانب عنوان سكني في مقاطعة بارانكو في العاصمة البيروفية ليما قدّمه بنفسه، بين رسائل البريد اﻹلكتروني والملفات التي تحتفظ بها شركة "OMC" حول شركة "ميلك". وبحسب الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة اﻹسبانية، تشير المحادثات المتبادلة بين محاميّ مجموعة "OMC"، ونظرائهم في مجموعة "RBC" ﻹدارة الثروات، إلى أن إنشاء شركة "ميلك للاستثمارات" كان ضروريًا لفتح حساب مع مجموعة شركات "Jefferies". وأن يوسا احتاج إلى رسالتي توصية طلبتهما منه مجموعة "OMC"، للتوقيع على إنشاء شركة "ميلك للاستثمارات".
وقعت ليانا هـ بلات، وهي نائبة رئيس إدارة الثروات في "Jeffeeries"، على التوصية اﻷولى التي قدّمت فيها معلومات كافية حول يوسا. وهو ما فعلته أيضًا وكيلته اﻷدبية، كارمن باسيلس، التي وقعت على رسالة التوصية الثانية المؤرخة في تموز/ يوليو 2015، قبل وفاتها بمدة قصيرة. مما يعني أن الروائي الحائز على جائزة نوبل للآداب، كان مطَّلعًا على جميع تفاصيل إنشاء شركة لـ "أوفشور" الخاصة به.
والملفت للانتباه، وفق ما ذكرته الصحيفة، أن هذه ليست المرة اﻷولى التي تظهر فيها وثائق تكشف امتلاك ماريو بارغاس يوسا لشركات "أوفشور" في ملاذات ضريبية مختلفة، حيث ذكر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائين "ICIJ"، برفقة صحيفة "Süddeutsche Zeitung" اﻷلمانية في عام 2016، استنادًا إلى ما كشفته تحقيقات "وثائق بنما"؛ أن يوسا وزوجته السابقة، باتريشيا، رتبا ﻹنشاء شركة "أوفشور" عبر شركة المحاماة البنمية "Mossack Fonseca"، عام 2010.
كشفت تحقيقات "وثائق باندورا" عن امتلاك ماريو بارغاس يوسا شركة "أوفشور" مسجلة في جزر العذراء البريطانية عام 2015 تحت اسم "ميلك للاستثمارات"
يدفعنا ما كشفته "وثائق باندورا"، إلى استعادة شخصية زوجة الدكتاتور في رواية يوسا الشهيرة "حفلة التيس"، ذلك أن أول ما فكرت به اﻷخيرة بعد اغتيال زوجها، هو تهريب أموالها إلى خارج البلاد بعدما عرفت، بحدسها، أن عهد أسرتها في حكم الدومينكان قد انتهى، وأن أفضل ما تفعله اﻵن هو القفز من الجمهورية بالمال، بدلًا من الخروج منها بخفي حُنين.
اقرأ/ي أيضًا: يوسا.. هل السياسة أقرب إليه من الفن؟
يقوم بالاغير، "الرئيس الدمية" كما كان يُلقب، كونه قضى سنوات طويلة يلعب دور الواجهة التي لا تحل ولا تربط، بهدف الحفاظ على شكليات الديمقراطية في بلاد تقوم وتقعد بإمرة الرئيس تروخيو، الحاكم الفعلي للبلاد؛ بمساعدة اﻷرملة على تهريب أموالها بعدما رأى في ذلك أول خطواته السياسية الذكية باتجاه حكم البلاد فعليًا هذه المرة. بينما رأت اﻷرملة في مساعدته فرصة لها كي تنجو بما يمكن النجاة به. السؤال الذي يحضر هنا: هل قرر يوسا، حين أنشأ شركة "أوفشور" خاصة به من أجل التهرب الضريبي، اتخاذ خيار شخصية من شخصيات رواياته؟
اقرأ/ي أيضًا:
رواية "حرب نهاية العالم" لماريو بارغاس يوسا.. لماذا تحدث الثورات؟