أدى اجتياح الاستعمار الغربي للمنطقة العربية إلى طمس معظم جذورها الثقافية والتراثية، ما جعل تاريخها الحضاري مشوهًا، أو مكتوبًا من وجهة نظر جوقة مؤرخي الاستعماري، ويبرز في هذا الجانب التاريخ الفلسطيني، الذي طمست أغلب معالمه، بعد أن أفرد الاحتلال الإسرائيلي في إعادة كتابة تاريخ أرض كنعان، منذ عام 1948 بدعم من عدة بلاد غربية.
بدأت عجلة التوثيق والبحث في الجذور الحضارية للماضي الفلسطيني تخف شيئًا فشيئًا
وفي الوقت الذي بدأت عجلة التوثيق والبحث في الجذور الحضارية للماضي الفلسطيني تخف، برزت "مؤسسة وثق فلسطين"، التي انطلقت من داخل الأراضي المحتلة عام 2014 بإمكانات بسيطة، وبرامج تطوعية محاولة أن تقدم أعمالًا موثقة، للباحثين والمؤرخين المعنين في البحث في تاريخ فلسطين.
اقرأ/ي أيضًا: إبراهيم جوابرة.. تلوين السعادة العائلية
تعرف "وثق" نفسها بأنها "مؤسسة افتراضية"، أي تنطلق من عملها من داخل الأراضي المحتلة، ومن فلسطيني الشتات، حيثُ تضم كادرًا من المتطوعين، الذين يسعون جاهدين لتوفير "مادة أولية لمؤرخي فلسطين المعاصرة، وعموم الباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية"، إضافة إلى محاولتها المساهمة في حفظ وتوثيق تراث فلسطين "خصوصًا المقاوم والمهمش".
وتؤكد المؤسسة عبر موقعها الرسمي بأن كافة أعضاء الإدارة والمشرفون على المشاريع التي تعمل تنفيذها هم مجموعة من الباحثين المتطوعين، يعملون على تنفيذ المشاريع ضمن برنامج أطلقوا عليه اسم "عونة"، بالاشتراك مع عدد من الجامعات الفلسطينية، المعنية بعمل المؤسسة.
وتهدف "وثق" من خلال عملها لإكمال المشاريع التي عمل على توثيقها "مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية"، الذي تعتبره "المحاولة المؤسسية الأولى لجمع تراث فلسطين الوثائقي"، إلا أن اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لبيروت عام 1982، جعل جميع الوثائق التي عمل المركز على أرشفتها وحفظها تقع تحت يد الإسرائيليين. من هذا المنطلق تقول المؤسسة إن فكرتها تأتي بالتزامن مع الثورة التكنولوجية، التي تساعد أرشفة الوثائق والمصادر الأولية رقميًا، لذا تعتبر أن مهمتها الأولى هي "الأول تأسيس قواعد بيانات إلكترونية تتيح المصادر الأولية مجانًا للباحثين"، من دون أن تغفل أن عملها سيكون استكمالًا لما بدأته المؤسسة المعنية بالقضية الفلسطينية قبلها.
تهدف "وثق" من خلال عملها لإكمال المشاريع التي عمل على توثيقها مركز الأبحاث الفلسطيني
تتيح المؤسسة لأي من متصفحي الموقع فرصة التعرف على مشاريعها التي تعمل على إنجازها، ومنها مشروع "مستودع الأنيس الرقمي"، الذي سينطلق ضمن موقع إلكتروني خاص في 12 تموز/يوليو المقبل، بهدف حفظ الوثائق التي عمل عليها "مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية"، وذلك من خلال "توفير صور رقمية لإصدارات مركز الأبحاث وإتاحتها للباحثين".
اقرأ/ي أيضًا: غزة تسير حافية على "السجادة الحمراء"
في حين حمل المشروع الثاني عنوان "طبقات فلسطين المعاصرة"، والذي ينطلق من استمرارية التاريخ وضرورة وصل المستقبل والحاضر بالماضي، ويهدف المشروع إلى "بناء قاعدة بيانات إلكترونية توفر للباحثين مرجعًا موثقًا يختصر عليهم الجهد والوقت"، بالإضافة إلى توفير نافذة للباحثين المهتمين بالتراجم والسير الذاتية ودراسة فكر الأشخاص وتأثيرهم.
أما المشروع الثالث فيحمل اسم "ذاكرة مرئية"، ويبدو من الاسم أن الهدف من إطلاقه أرشفة التسجيلات التلفزيونية المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني نصيًا، بعد أن يعمل الفريق على تفريغها كتابيًا، ومن ضمن التسجيلات التي سيقدمها المشروع نصيًا، مثلًا حوار مع مؤسس رابطة العمل الإسلامي سليمان الحمد، ورئيس الجناح الشمالي للحركة الإسلامية رائد صلاح.
وخصصت المؤسسة بوابة في الموقع للراعبين بالعمل معها تطوعيًا بعنوان "عونة"، وهي تطلق من خلاله دعوة مفتوحة لمن يريد المساهمة في عملية التوثيق الفلسطيني، في كل من مجالات "إدخال البيانات، تصوير الكتب، التدقيق اللغوي"، ما يعني أن كلمة "غير ربحية" التي تؤكد عليها وثق، صحيحة طالما أنها تبحث عن كادر أكبر تطوعيًا.
اقرأ/ي أيضًا: