القصّة باختصار، كما ترويها نيويورك تايمز، هي أن مهندسًا للبرمجيات الحاسوبية، واسمه جوش ووردل (Josh Wardle)، اكتشف أن شريكته تعشق ألعاب الكلمات، فقرر تصميم لعبة جديدة ليلعبا بها معًا. ولم يلزمه التفكير طويلًا لاختيار اسمٍ لهذه اللعبة، وكل ما كان عليه فعله هو قلب حرفٍ في اسم عائلته، وهكذا ظهرت لعبة ووردل (Wordle) إلى الوجود.
لعبة ووردل ليست أول لعبة تشغل مجتمع الإنترنت، لكنّها تتميّز ببساطتها وقصّتها
لعب الحبيبان هذه اللعبة بضعة شهور معًا، ثم انتقلت عدوى اللعب بها إلى أفراد العائلة، على مجموعة واتساب، وحين لاحظ السيّد ووردل مقدار الاهتمام والهوس باللعبة ممن حوله، وجد أن بين يديه فرصة لنجاح كبير، فأطلق اللعبة لعموم الناس في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021.
في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر (أي بعد شهر فقط)، بلغ عدد اللاعبين، 90 شخصًا فقط.
ثم في مطلع الشهر التالي، تجاوز عدد اللاعبين 300،000 شخص.
شاهد: تغطية لهذا الملف والملفات الإخبارية الراهنة عربيًا ودوليًا على شاشة التلفزيون العربي أخبار
كانت القفزة هائلة لمثل هذه اللعبة البسيطة، يمكن ممارستها مرّة واحدة فقط كلّ يوم، وتقوم على مبدأ اكتشاف كلمة من خمس حروف، عبر ست محاولات، وفي كل محاولة قد تكشف لك اللعبة إن كان أي من الحروف المستخدمة في السطر متضمنة في الكلمة اللغز. وفي حال وضعت الحرف الصحيح في المكان الصحيح، يتحوّل المربع إلى اللون الأخضر، أما في حال استخدمت الحرف الصحيح في المكان الخطأ، فسيتحوّل إلى اللون الأصفر. أما المربع الرمادي فيعني أن الحرف ليس ضمن الكلمة المطلوبة.
ليس لدينا في عالم الإنترنت اليوم أمثلة عديدة تقترب ممّا فعلته لعبة "ووردل"، بالموقع المتواضع الذي صممه السيد ووردل نفسه، بلا إعلانات ولا بانرات ولا بهرجة تقنية لا داعي لها، ولا تنبيهات للاشتراك برسالة بريدية، ولا لتبرّع لصالح الموقع. ليس ثمة سوى اللعبة، على خلفية سوداء. الأثر الوحيد الذي قد تراه للعبة، هو تلك المربعات الخضر والصفر على تويتر، والتي يشاركها اللاعبون، مرّة في اليوم!
لعبة ووردل، استحوذت على كل هذا الاهتمام والزخم العالمي، لأنّها تحفّز جانب اللغة والمعالجة المنطقية في أدمغتنا، وذلك بحسب رأي عالم النفس البريطاني، لي تشامبرز، في حديثه مع مجلة "إنسايدر" الأمريكية. ومثلها مثل أية لعبة ذكية أخرى، فإنها تعطي شعورًا بالنشوة، بإفراز الدوبامين، وهو الهرمون الذي يساعدنا على الشعور باللذة والرضا.
صحيحٌ أن ووردل ليست أول لعبة تسيطر على الإنترنت، فكم من الألعاب قبلها شغلت الكوكب بأسره. فهنالك لعبة فارمفيل، وكاندي كراش، وغيرها، والتي سرقت أوقات الملايين من الناس من جميع الفئات العمرية، واستعادت ألقها في زمن الجائحة. غير أن ووردل تظل مختلفة عن كل ما سبق. فهي لعبة مخصصة للمتصفّح، فهي ليست تطبيقًا للهاتف أو الجهاز اللوحي، ولا لعبة يمكن ممارستها على أجهزة ألعاب الفيديو. أما الفرق الثاني والأهمّ، فهو أنّها لعبة محصورة بمحاولة واحدة كل يوم. فحين تصل إلى الكلمة المطلوبة، ينتهي اللغز اليومي، وعليك أن تنتظر لليوم الثاني من أجل لغز جديد.
من بين المسؤولين عن الانتشار الكبير للعبة أيضًا، إضافة إلى ما سبق، هو تويتر. فعند إنهاء كل لغز، يكون لدى اللاعب خيار مشاركة النتيجة على تويتر، حيث يظهر على الفيد لديه، لوحة اللغز في موقع ووردل، والنتيجة. والمنشورات التي تظهر على تويتر، تمتاز بملحوظية عالية، وذلك لأن البوست صغير، وبألوان لافتة، وتثير الفضول عند الآخرين، فيتوجهون إلى الموقع، ويبدأون بممارسة لعبة سريعة وبسيطة ومسليّة ولا تخلو من التحدّي، ويصبحون في لحظات جزءًا من مجتمع هذه اللعبة.
في حديثه مع نيويورك تايمز، يقول السيد ووردل، مصمم اللعبة، إنه يعتقد بأن الفكرة نالت تقدير الناس، لأنهم يبحثون عن شيء بسيط ومفيد ومسلّ، دون أن يشعر اللاعب بأن ثمة شيئًا مريبًا سيحصل، من دعاية أو سرقة بيانات أو رسائل بريدية مزعجة أو طلبات للتبرع. كما أنّ اللعبة مريحة للعينين، ولا يمكن الاستمتاع بها سوى مرّة واحدة يوميًا. فلعبة ووردل، فسحة لغوية ممتعة، لكنها غير مفتوحة بلا حدود.
هذه الفكرة، أي فكرة أن يكون للاعب لغز واحدٌ فقط يلعبه كل يوم، وينتظر حتى اليوم التالي لحلّ لغز جديد، مستوحاة ببساطة من ألغاز الكلمات المتقاطعة في الصحف، والتي ينتظرها بعض محبيها يومًا بيوم، وهذا ما يجعل للكلمات المتقاطعة في الصحف قيمتها، وهو بالتحديد ما أضاف قيمة فريدة على لعبة ووردل، في استلهامها لهذا النموذج.
لعبة ووردل لا تريد منك أن ترتبط بها بلا حدود. لن يصلك أي تنبيه يدفعك إلى لعب المزيد واكتشاف المزيد من الألغاز أو الاشتراك في نسخة مدفوعة من اللعبة
لعبة ووردل لا تريد منك أن ترتبط بها بلا حدود. لن يصلك أي تنبيه يدفعك إلى لعب المزيد واكتشاف المزيد من الألغاز أو الاشتراك في نسخة مدفوعة من اللعبة. مصمم اللعبة يدعوك إلى زيارة الموقع مرة كل يوم، لو أردت، وشعرت أن هذا النوع من الألعاب يروقك. ربّما تحفّزك منشورات أصدقائك على تويتر للعبها، لكن القائمين على اللعبة لم يستثمروا في أية تقنية آلية ولا تسويقية لزيادة أعداد اللاعبين على الموقع. لم يتطلب الأمر سوى بعض الذكاء والحظّ وحسن التدبير، والقدرة على الاختلاف عمّا هو في سوق الألعاب على الإنترنت.
كيف ألعب ووردل؟
اللعبة مخصصة للمتصفح، وليس لها تطبيق على متجر جوجل أو متجر آبل. وهي متوفرة على موقع https://www.powerlanguage.co.uk/wordle/.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "أصحاب ولا أعز" يثير جدلًا واسعًا ومنى زكي في مرمى انتقادات المصريين
قرعة الدور الحاسم المؤهّل للمونديال.. مواجهات نارية لعرب أفريقيا