ألقت السلطات الفرنسية القبض على مؤسس منصة "تليغرام"، بافل دوروف، بعد وقت قصير من هبوط طائرته الخاصة في مطار "لو بورجيه" على مشارف العاصمة الفرنسية باريس، بتاريخ 24 آب/أغسطس الجاري.
وقال بيان صدر عن الادعاء الفرنسي لاحقًا، إن الملياردير البالغ من العمر 39 عامًا، احتجز كجزء من تحقيق تجريه السلطات الفرنسية ضد منصة التواصل الاجتماعي "تليغرام"، ولدى القضاة الفرنسيين مهلة حتى، اليوم الأربعاء، لاتخاذ قرار بشأن متابعة التهم أو إطلاق سراحه، في توقيف وصل صداه مختلف دول العالم، وظهرت تصريحات عن مسؤولين بين مؤيد ومعارض، وفقًا لتقرير أعدته وكالة "الأناضول" التركية.
تغير في الاتجاه
يمثل اعتقال دوروف في فرنسا تغييرًا في الاتجاه، في جهود الجهات التنظيمية للحفاظ على ما تسميه "مواجهة التضليل والعنصرية المتفشية على وسائل التواصل الاجتماعي"، وهذه المرة مع فرض المسؤولية الشخصية على المالك.
يمثل اعتقال دوروف تغييرًا في الاتجاه، في جهود الجهات التنظيمية للحفاظ على "مواجهة التضليل والعنصرية المتفشية على وسائل التواصل الاجتماعي"
وفتح اعتقال دوروف الباب واسعًا أمام اعتقال أي رئيس منصة للتواصل الاجتماعي، قد تتهم بالعنصرية، والتضليل، والسماح بنشر معلومات كاذبة من قبل متداوليها.
التذكير بأمر آخر
ويعيد ذلك، التذكير بالتحقيقات والاعتقالات التي طالت أكبر رؤساء منصات للعملات المشفرة، والذين انتهى بهم الأمر في السجن، بصدارة مؤسس منصة "FTX"، سام بانكمان فرايد، ومؤسس ورئيس منصة "باينانس"، تشانغ بينغ تشاو.
وتحولت قضايا اعتقال مسؤولي منصات العملات المشفرة، التي كانت في يوم من الأيام إمبراطوريات بقيم سوقية تتجاوز 80 مليار دولار، إلى عوامل قلق لرؤساء منصات أخرى من نفس العواقب.
وبعد أن فشلت الحكومات، خاصة في الولايات المتحدة، بإحكام رقابتها على هذه المنصات، شرعت بموجة تحقيقات واسعة أفضت إلى اتهام رؤساء منصات العملات المشفرة بالاحتيال وغسل الأموال.
وفي نيسان/أبريل الماضي، حُكم على مؤسس "باينانس"، وهي أكبر بورصة عملات رقمية في العالم، بالسجن أربعة أشهر في الولايات المتحدة، بسبب سماح منصته بغسل الأموال.
واستقال تشانغ بينغ تشاو من منصبه في "بينانس" في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد شهور من التحقيقات، واعترف بانتهاك القوانين الأميركية.
ويأتي الحكم على تشاو بعد وقت قصير من الحكم على، سام بانكمان فريد، بالسجن لمدة 25 عامًا بتهمة الاحتيال المرتكب في منصة التشفير العملاقة "FTX".
وعُرف بانكمان على نطاق واسع باسم "ملك التشفير"، وقد تبيّن أنه سرق مليارات الدولارات من العملاء قبل فشل الشركة في إعادة الأموال لأصحابها والمقدرة بأكثر من ثمانية مليارات دولار.
وسارعت عديد المنصات العالمية، إلى الطلب بتنظيمها من الجهات الأميركية، في محاولة لجعلها منصات قانونية، تمتثل لقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال إخضاعها للرقابة التنظيمية.
مكافحة التضليل والعنصرية
تقول فرنسا، وعديد الحكومات والجهات التنظيمية في جميع أنحاء العالم، إنها تكافح من أجل السيطرة على ما تسميها "موجة التضليل والتحريض والعنصرية والذكاء الاصطناعي المزيف والعملاء الأجانب والمنظمات الإرهابية على منصات التواصل الاجتماعي".
والحقيقة أن هذه الجهود، فشلت حتى اليوم في كبح جماح نشر أية معلومات لا تقع في مزاج عديد الأنظمة حول العالم، رغم سنوات من الجهود والتشريعات والجلسات والتهديدات والغرامات التي قادتها عشرات الدول، وفقًا لـ"الأناضول".
وحتى اليوم، كانت المعركة ضد شبكات التواصل الاجتماعي تتم من خلال الدعاوى القضائية والغرامات الإدارية والمثول والجلسات أمام الهيئات المنتخبة والمحاكم.
بينما قامت أنظمة أخرى بمنع الولوج الطبيعي إلى بعض منصات التواصل، مثل الأردن الذي منع في كانون الأول/ديسمبر 2022، ولوج مستخدمي شبكات الإنترنت، إلى منصة "تيك توك"، بحسب "الأناضول".
وفي ذلك الوقت، أعلنت وحدة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام الأردني، أن الوحدة وفرق الجرائم الإلكترونية تتابع ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا "فيما يتعلّق بخطاب الكراهية والحض على التخريب والاعتداء على أجهزة إنفاذ القانون والممتلكات وقطع الطرق".
إيلون ماسك يتدخل
وتخوض منصة "إكس" التي يملكها الملياردير، إيلون ماسك، مواجهات وانتقادات من قبل صناع السياسات الأوروبيين، إذ أعلنت المفوضية الأوروبية في حزيران/يونيو الماضي، أن المنصة فشلت في مراعاة قانون الخدمات الرقمية الذي يتطلب من مالكي المنصات الكبيرة قمع المحتوى الكاذب والمضلل بشكل منهجي.
من جهته، لم يقف ماسك مكتوف اليدين أمام اعتقال دوروف، ودعا فرنسا، في منشور له على "إكس"، إلى إخلاء سبيله، محذرًا من أن اعتقاله يشير إلى "أوقات خطيرة قادمة للديمقراطية".
ويصور ماسك نفسه بشكل متزايد على أنه شخص يحاول وقف موجة الرقابة المتزايدة وتجاوزات الحكومات؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر، وجه إهانة إلى بروكسل بسبب نهجها القاسي المفترض في تنظيم منصات التواصل والذكاء الاصطناعي.
فيما طالب نشطاء على منصات التواصل، باعتقال ماسك الذي أعلن في أكثر من مناسبة أن حرية التعبير مفتوحة للجميع على منصة "إكس"، وهو ما رفضته المفوضية الأوروبية أكثر من مرة.