حلّت علينا منذ أيام الذكرى السنوية لوفاة الكاتب والقاص المصري الشهير يوسف إدريس، الذي ولد في أيار/مايو 1927، ودرس الابتدائية في محافظته الأصلية "الشرقية"، ثم انتقل بعدها إلى القاهرة ليدرس في كلية الطب، كان ذلك في عام 1945، تخرج في الكلية بعد ست سنوات تحديدًا في عام 1951. ثم عمل يوسف إدريس طبيبًا بالقصر العيني لحوالي عشر سنوات أخرى، تدرب خلالها واكتسب خبرة كبيرة، كما حاول أن يمارس الطب النفسي أيضًا، أما عن حياته الشخصية فتزوج يوسف إدريس عام 1957 من السيدة رجاء الرفاعي، وله ثلاثة أولاد وهم: سامح، وبهاء، ونسمة.
كان يوسف إدريس معروفًا في الوسط الصحفي بأنه رجل الدولة الناصرية
كانت الكتابة ملاذ يوسف إدريس الأهم، فكان يكتب حتى عندما كان طبيبًا، كلما أتيحت له الفرصة، وعمل صحفيًا بجريدة الجمهورية عام 1960، ثم عمل كاتبًا بجريدة الأهرام واشتهر بانتمائه الشديد للدولة.
اقرأ/ي أيضًا: أسرار دكتاتورية يوسف إدريس
كان يوسف إدريس معروفًا في الوسط الصحفي بأنه رجل الدولة الناصرية، أو بانتماءاته "الدولتية" الكبيرة، حيث كان رجال الناصرية يتمتعون بحماية خاصة، ولا يسمح لأحد أن ينافسهم أيًا كان المجال الذي يمكننا الحديث عنه سواء في الصحافة والإعلام أو غيرها، وربما كان ذلك سببًا أساسيًا في نظر البعض وراء حصوله على العديد من الجوائز مثل جائزة "وسام الجزائر" و"وسام الجمهورية"، و"وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى"، كما حصل على العديد من الجوائز الأخرى، مثل جائزة "عبد الناصر في الآداب"، وجائزة "صدام حسين للآداب" وغيرها، لكن إلى جانب انتمائه ذلك، لم يختلف كثيرًا حول موهبته الشديدة، وتفرده في انتقال القصة القصيرة العربية إلى مكانة أهم، في فترة عبد الناصر، وتحديدًا في أوائل الستينات وتصويره للحياة البسيطة التي يعيشها الفقراء، في القرى الصغيرة والمدن المصرية.
لدى يوسف إدريس مجموعة أدبية كبيرة مكونة من عشرين مجموعة قصصية، وخمس روايات، وعشر مسرحيات، ومن أشهر أعماله القصصية أرخص ليالي، وجمهورية فرحات، أليس كذلك؟ والبطل، وحادثة شرف، والنداهة، وبيت من لحم، وقاع المدينة، ومشوار، وآخر الدنيا. أما رواياته فكان أشهرها قصة حب، الحرام، العيب، العسكري الأسود، البيضاء، رجال وثيران، السيدة فيينا. ومن مسرحياته ملك القطن، اللحظة الحرجة، والمهزلة الأرضية، الجنس الثالث، الفرافير، المخططين، البهلوان، الفرافير. وقد أخرجت السينما المصرية عن مجمل أعماله الإبداعية حوالي 11 فيلمًا منها؛ "لا وقت للحب" الماخوذ عن روايته "قصة حب"، و"الحرام" و"العيب" و"حادثة شرف" و"الندّاهة" و"ورق سلوفان" عن رواياته التي تحمل المسمى ذاته. إلا أن آخر رواياته التي نقلتها السينما؛ كانت الرواية المثيرة للجدل عن قصة "الفتاة لي لي" التي تقوم بإغواء إمام المسجد المقابل لبيتها، والذي تم منعه من العرض.
لماذا سيطر يوسف إدريس على المشهد الثقافي إلى حدٍ ما رغم وجود مواهب عديدة إلى جانبه؟
لكن على ما يبدو يظل السؤال الأهم الذي ينبغي أن نسأله لأنفسنا وللآخرين عند الحديث عن صاحب "جمهورية فرحات"؛ لماذا سيطر يوسف إدريس خلال وجوده على المشهد الثقافي إلى جانب السياسي كاملًا إلى حدٍ ما رغم وجود مواهب عديدة إلى جانبه؟
اقرأ/ي أيضًا: هزيمتنا في الرواية المصرية
كان ذلك السؤال حاضرًا بقوة في الكتاب الجديد الذي صدر هذا العام عندما قام الكاتب شعبان يوسف بنشر كتابه "ضحايا يوسف إدريس وعصره" عن "دار بتانة للنشر"، حيث اعتبر شعبان أن يوسف إدريس العبقري والقاص المجدد كان ضحية تلك مرحلة وشعارها "ضحية اليوم هو جلاد الغد"، دون الإشارة الواضحة إلى العلاقات السياسية المعقدة التي كان يوسف إدريس أحد أفرادها.
ما نعرفه أنه عاش فى عصر العظماء أمثال توفيق الحكيم ومصطفى محمود وغيرهما، لكننا نعلم كثيرًا عن "عداوة" مصطفى محمود وانتقاده الذي لم يتوقف ليوسف إدريس، واعتباره أنه كان يغتال الكتاب المحيطين به و"يضغط عليهم من جميع الاتجاهات حتى لا يبرز أحدهم بأى شكل من الأشكال"، وهو ما نقله الكاتب أحمد بهاء الدين عندما أرسل إليه مصطفى محمود خطابًا يهاجم فيه يوسف إدريس "رئيس تحرير مجلة صباح الخير" آنذاك، عبّر خلاله عن أن الكتاب في مصر (في تلك الفترة) يعيشون عصر المماليك الأدبي، وأن الحقيقة تكشف عن نفسها لأن مصطفى محمود كان يبدو وكأنه يكتب عن مذبحة القلعة، ويقصد بهذا تنصيب يوسف إدريس وتلميعه وإبرازه على حساب ذبح جميع الكتاب الذين عاصروه فوجود مثل هذه الشخصية اغتالهم تمامًا.
اقرأ/ي أيضًا: