تثير مشكلة الأطفال في السجون الأمريكية، أي أولئك الذين يولدون داخل السجن لأمهات مدانات، جدلًا كبيرًا، حيث يولد حوالي 2000 طفل كل عام في سجون الولايات المتحدة، وتقبع 100 ألف امرأة في السجون. ويشغل هذا الوضع المنظمات الحقوقية الأمريكية، إذ تحتوي كل الحلول الممكنة على مآزق حقوقية، فإبعاد الأطفال عن أمهاتهم يحرمهم من الرعاية، كما أن إبقاءهم في السجن يجعلهم يعيشون أول فترات حياتهم في مكان غير مصمم لبقاء الأطفال. في هذه المقالة المترجمة عن موقع "أميركان كونسيرفيتف"، توضح كاترينا جاليفر تفاصيل هذه المشكلة، وفرص حلها.
مع تصدر خبر احتجاز الأطفال من قبل سلطات الهجرة، يجب علينا أن نتذكر أن هناك حوالي 2000 طفل يولدون في سجون الولايات المتحدة كل عام.
هناك حوالي 2000 طفل يولدون في سجون الولايات المتحدة كل عام
يبقى العديد منهم هناك ويقضون أشهرهم الأولى في المؤسسة الإصلاحية. هذه مشكلة حديثة، ولدت من رحم ثقافة الاحتجاز والرؤى المعاصرة حول حقوق الأبوة والوصاية، وهي مشكلة لم يتمكن أحد من إيجاد حل عادل لها رغم المحاولات التي استمرت 150 عامًا.
أولًا يجب علينا أن نقر بأن نظام العدالة الجنائي لطالما صمم بمقاييس الرجال. ترتكب النساء جرائم أقل وهناك نساء أقل في السجون (عادة ما تكون هناك إصلاحية نسائية واحدة في كل ولاية مقابل عدد أكبر من الإصلاحيات للرجال). في الفترة التي سبقت القرن التاسع عشر، احتوت السجون عادة على الرجال والنساء. كانت ثقافة المؤسسات العقابية آنذاك مختلفة عما هي عليه اليوم، ووبالرغم من إيقاع عقوبات قاسية على الجرائم التي نراها اليوم تافهة، إلا أن الناس لم يكونوا يُحتجزون لفترات طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: جحيم ترامب ضد المهاجرين.. 1995 طفلًا سُرقوا من ذويهم على الحدود
قد تبدو هذه الأنظمة العقابية القاسية مخالفة للمنطق والعقل عندما نتخيلها. لكن هذه القسوة عنت أن الجريمة إما كانت جسيمة ويستحق المدان عليها الشنق، أو صغيرة وفي تلك الحالة يعاقب عليها المدان أو المدانة بقضاء فترة قصيرة في السجن. (كان الشنق يتم سريعًا في غضون شهر من الإدانة عادة. فكرة انتظار تنفيذ عقوبة الإعدام لم تكن موجودة أيضًا). أما فترات الاحتجاز القسري طويلة الأمد فكانت من اختصاص منظومة أخرى: ملاجئ المجانين.
وبالفعل، كانت فترات الاحتجاز التي تمتد لعقود للسجناء غير المجانين غير متصورة وغير مسبوقة. في بريطانيا وفرنسا كان هناك أيضًا خيار نقل المدان أو نفيه خلال جزء من تلك المدة، وأبقيت بعض النساء في السجن بانتظار نقلهن إلى المستعمرة العقابية. كان الحمل هو السبب الآخر الذي قد يؤدي إلى احتجاز النساء لمدة طويلة. سُمح للنساء الحوامل المحكوم عليهن بالموت بالبقاء أحياء حتى الولادة (إذا لم تكن الولادة في سجن في القرن الثامن عشر سببًا للوفاة في حد ذاتها). سيتذكر أولئك الذين قرأوا رواية دانيال ديفو المسماة مول فليندر، كيف تحججت بطلة الرواية المولودة لنزيلة في سجن نيوغيت، بحملها لتتجنب موعدًا مع حبل المشنقة.
اختلفت بيئة السجن كذلك في مدى رسميتها وشدة السيطرة داخلها. كان بإمكان السجناء الأغنياء أن يحصلوا على طعامهم الخاص ومتاعهم الشخصي داخل السجن (احتوى سجن نيوغيت على أقسام للفقراء وأقسام لمن يمكنهم تحمل تكلفة إقامة أفضل). في نفس الوقت كان بإمكان السجناء على ذمة قضايا المديونية (عادة ما يكونون من الرجال) إحضار عائلاتهم بأكملها معهم. استلهم تشارلز ديكنز تجربته الخاصة مع والده في سجن المدينين في روايته دوريت الصغيرة التي حكى فيها عن فتاة ولدت ونشأت في سجن مارشالسي. واستقبلت بعض إصلاحيات الأحداث عائلات بأكملها أيضًا. أنهت إجراءات إصلاح وتحديث نظام العدالة التي شهدها منتصف القرن التاسع عشر كل تلك الأنواع من المعاملة غير الرسمية وجلبت لنا نظام السجون كما نعرفه اليوم. لا يسمح نظامنا العقابي للنزلاء بإحضار مرافقين. يذهب الناس إلى السجن بمفردهم. وهذا هو مفرق الأمر كله.
لكن ما الذي يحدث للنساء اللاتي يدخلن السجن بمفردهن مع احتمال كون إحداهن حبلى؟
بحلول ستينات القرن التاسع عشر احتوت إصلاحية النساء بسجن سينغ سينغ على حضانة للنزلاء الإناث وأطفالهن الذين ولدوا بالداخل. واحتوت إصلاحية بيدفورد هيلز للنساء في نيويورك على حضانة منذ افتتاحها في 1901. حتى في تلك الآونة لم يكن من المتوقع بقاء الأطفال في الداخل لمدة طويلة، فقط ما يكفي ليصلوا إلى سن مناسبة للتبني. اكتسبت الحضانات التي بقي فيها الأطفال مع أمهاتهم شعبية أكبر في منتصف القرن العشرين، لكنها خسرت شعبيتها اليوم.
لن تفوت النساء اللواتي يواجهن أحكامًا بالسجن واللواتي يُمنحن فرص الانتقال إلى زنازين أفضل والعيش مع أطفالهن حديثي الولادة، تلك الفرصة
أينما وجدت هذه الحضانات، كان لزامًا على الأطفال البقاء طوال فترة حضانتهم داخل السجن. هل هذا أفضل من أخذهم بعيدًا؟ يتفق معظم الناس على أنه من الأفضل للطفل تلقي رعاية أمه في أشهره الأولى. لكن من ناحية أخرى، لا يعد السجن مكانًا جيدًا لإقامة طفل. لم يأخذ تصميم المؤسسات العقابية للبالغين الأطفال والرضع في الحسبان. أقام مناصرو حقوق السجناء حملات لمنح النساء السجينات فرصة أطول للبقاء مع أطفالهن، وبحسب قانون ولاية واشنطن بإمكان الأطفال المولودين في السجن البقاء فيه حتى سن الثالثة. أما الأندر من ذلك فهو وجود برامج مثل تلك التي تقيمها ولاية كاليفورنيا والتي تسمح لبعض النساء بإحضار أطفالهن الصغار إلى السجن معهن.
اقرأ/ي أيضًا: سجون أمريكا.. فضيحة الديمقراطية
تساءل باحثون مثل جيمس دواير عن قيمة مثل هذه البرامج، مؤكدين على أنها تُقدم حقوق الأمهات على حقوق الأطفال. فالبقاء في السجن في وصاية أم قد يكون لديها تاريخ من إساءة معاملة الأطفال، ليس بالضرورة في صالح الطفل. كما أن هذا الأمر يبقي الأطفال في موقف محير، ما بين إمكانية بقائهم في السجن فقط أثناء الرضاعة والطفولة المبكرة ثم نقلهم إلى أقاربهم ليحصلوا على رعاية مؤقتة إلى حين انتهاء فترة محكومية الأم. يرى دواير، أنه بالنسبة للنساء اللواتي يقضين فترات حكم طويلة ربما يكون التبني أفضل خيار لمثل هؤلاء الأطفال. لكن نموذج الحضانة داخل السجن لا يشجع على مثل هذا الخيار.
كما يكتب دواير:
في أي حال من الأحوال، ستعوق برامج الحضانة غالبًا إمكانية التبني. على الأرجح لن تفوت النساء اللواتي يواجهن أحكامًا بالسجن لمدة عام أو أكثر واللواتي يُمنحن فرص الانتقال إلى زنازين أفضل والعيش مع أطفالهن حديثي الولادة، تلك الفرصة.
لذا إن كان الطفل بمثابة تذكرة لإقامة أفضل، من منهن سترغب في رفض هذا الخيار؟ لكن دواير محق في أن كل هذه الأطر تتركز على حقوق المرأة بدلًا من حقوق الطفل. وتركز خصوصًا على حقوق النساء اللواتي يلدن أطفالهن في الداخل وليس أولئك اللواتي يتركن أطفالهن في الخارج حين يُحتجزن.
تعد الولايات المتحدة مسؤولة عن 30% من عدد السجينات في العالم، حيث تقبع بها 100 ألف امرأة خلف القضبان. ولا يبدو أن مشكلة كيفية تقديم الرعاية والاحترام الأفضل لأطفالهن في طريقها للحل قريبًا.
اقرأ/ي أيضًا:
الشرطة الأميركية..العنف الفائض
ماركو روبيو.. أوباما الحزب الجمهوري