كان العام 2018، الذي ارتبط في التقارير الحقوقية حول العالم بصورة الصحفي القتيل الأشهر جمال خاشقجي، ضحية بطش النظام السعودي، عامًا دمويًا على شريحة واسعة من الصحفيين، الذين وصل تهديد الأنظمة الاستبدادية لهم، حد الاغتيال والإخفاء القسري، أو الاعتقال في أحسن الأحوال.
يؤكد تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" أن هناك 80 صحفيًا قتيلًا حول العالم هذا العام،استهدفوا لأسباب تتعلق بعملهم
تتحدث التقارير الحقوقية الدولية عن أرقام "مؤسفة" ووقائع شديدة الخطورة على الصحفيين على مستوى العالم، فيما تحولت دول بأكملها إلى معسكرات قتل وتعذيب واعتقال للعاملين في الصحافة، وتزامن صعود الاستبداد في دول عديدة، أو إعادة إنتاجه في دول أخرى، مع بطش مضاعف أصبح الصحافيون ضحيته الأولى.
الصحفيون هذا العام: اغتيال وإخفاء قسري
يورد تقرير لجنة حماية الصحفيين إحصائيات عديدة، عن تضاعف عدد الصحفيين الذين يُقتلون حول العالم بسبب ممارستهم لعملهم، من السعودية إلى أفغانستان ثم الولايات المتحدة. ويفيد التقرير أن 53 صحفيًا حول العالم قد لقوا مصرعهم أثناء قيامهم بعملهم بين كانون الثاني/ يناير وحتى منتصف كانون الأول/ ديسيمبر، بينما يؤكد تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" أن هناك 80 صحفيًا قتيلًا حول العالم هذا العام، مبينة أن حالات الاستهداف بالقتل تنوعت، بين أولئك الذين لاقوا حتفهم أثناء التغطية الإعلامية لمناطق صراع خطرة، أو بين آخرين قضوا لأسباب انتقامية بسبب أعمالهم، وتؤكد التقارير أن هذا العام يتفوق على العامين السابقين في عدد القتلى من الصحفيين بينما يسجل أرقامًا قياسية لعدد الصحفيين المعتقلين حول العالم.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تعاطى الإعلام العربي مع جريمة قتل خاشقجي؟
في هذا السياق، يقول كريستوف ديلوار الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، إن العنف ضد الصحفيين قد بلغ مستويات غير مسبوقة هذا العام، وأن الوضع أصبح حرجًا الآن. مضيفًا "أن كراهية الصحفيين التي يتم التعبير عنها، والتي يتم الإعلان عنها في بعض الأحيان بشكل صريح للغاية، من قبل السياسيين والقادة الدينيين ورجال الأعمال عديمي الضمير لها عواقب مأساوية على الأرض، وقد انعكس ذلك في هذه الزيادة المضطربة في الانتهاكات ضدهم".
كان من أبرز حالات القتل البشعة التي تعرض لها الصحفيون خلال 2018، حالة جمال خاشقجي الذي لقي مصرعه في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، وهي حالة القتل التي حركت ثقل الملف الحقوقي الإنساني ضد الإدارة السعودية، وكذا ملف حرب اليمن بصفته واحدًا من الملفات الأكثر إحراجًت للنظام السعودي بجوار انتهاكات عديدة، بدأها أو أكملها ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان.
شكل ملف مقتل خاشقجي أيضًا ضغطًا كبيرًا على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي انحازت إلى ولي العهد السعودي، بينما اجتمع الديمقراطيون والجمهوريون على إدانة الرياض بشكل مباشر وتوجيه نقد قاسِ له، ووضعت اسم ولي العهد السعودي في خانة المساءلة. وكانت المملكة قد صعدت من وتيرة العنف ضد الصحفيين حيث احتجزت ما لا يقل عن 16 صحفيًا وراء القضبان في الأول من كانون الأول/ديسيمبر، بالإضافة إلى أربعة من الصحفيات اللواتي ينشطن من أجل حقوق المرأة.
لم يقتصر انتهاك حياة الصحافيين على النظام السعودي، فقد فقد قُتل المراسل الصحفي يان كوسياك رميًا بالرصاص في شباط/فبراير الماضي هو وخطيبته بسبب ما قيل إنه عمل استقصائي كان يقوم به حول قضايا فساد في سلوفاكيا، وهو ثاني صحفي يُقتل بسبب عمله في دول الاتحاد الأوروبي، بعد الصحفية المالطية دافني غاروانا غاليزا التي قُتلت في تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، جراء انفجار قنبلة موضوعة في سيارتها، كما تعرضت صحفية أخرى في الاتحاد الأوروبي، وهي فيكتوريا مارينوفا، للاغتصاب والضرب ثم القتل خنقًا في بلدها بلغاريا في 6 تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام.
أفغانستان الأكثر دموية في الترتيب
اتفق كل من تقرير لجنة الصحفيين وتقرير مراسلون بلا حدود على أن أفغانستان هو البلد الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين، فبينما وصفها تقرير لجنة حماية الصحفيين على أنها تحتل موقعًا ثابتًا على المؤشر السنوي العالمي للإفلات من العقاب، ويحدد التقرير أعداد الصحفيين القتلى هناك بـ15 صحفيًا لعام 2018، وهي حصيلة تزيد عن أي سنة أخرى في هذا البلد، بما في ذلك سنة 2001 عندما هاجمت الولايات المتحدة البلاد، وقُتل في تلك السنة تسعة صحفيين.
تلت أفغانستان من حيث جرائم الاغتيال ضد الصحفيين سوريا بواقع 11 صحفيًا قتيلًا، والمكسيك حيث قتل تسعة صحفيين في عام 2018، وأدى إطلاق النارعلى خمسة موظفين من صحيفة "غازيت" في حزيران/يونيو إلى وضع الولايات المتحدة في مصاف الدول الأكثر دموية أيضًا.
بلدان تتحول إلى أكبر سجون للصحفيين حول العالم
ارتفعت أعداد الصحفيين المحتجزين حول العالم من 326 صحفيًا في العام الماضي إلى 348 هذا العام، أما الجدير بالذكر فهو أن أكثر من نصف الصحافيين المحتجزين حول العالم محتجزون في خمس دول فقط، هي الصين، وإيران، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وتركيا. ولا تزال الصين أكبر سجن للصحفيين في العالم، حيث يوجد 60 سجينًا حاليًا، بالإضافة إلى تركيا.
وقد ارتفع عدد الصحفيين المعتقلين بتهمة نشر أخبار كاذبة إلى 28 على مستوى العالم، مقارنة مع تسعة قبل عامين فقط. سجنت مصر 19 صحفيًا بذات التهمة، تليها الكاميرون بأربعة صحفيين، ورواندا بثلاثة، وصحفي واحد على الأقل في كل من الصين والمغرب. وتأتي هذه الزيادة وسط تصاعد الخطاب العالمي حول "الأخبار المزيفة"، التي يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصوت الأول العازف على أوتارها.
الصين.. رائدة اضطهاد الصحفيين عالميًا!
في الصين وحدها، يقبع عشرات الصحفيين خلف القضبان خاصة مع تصاعد الموجة الأخيرة للاضطهاد ضد الأقلية العرقية الأويغورية في منطقة شينجيانغ. حيث تم اعتقال ما لا يقل عن 10 صحفيين بدون تهمة، وجميعهم في شينجيانغ، فيما اتهمت الأمم المتحدة بكين بالمراقبة والاحتجاز الجماعي لما يصل إلى مليون شخص بدون محاكمة.
ارتفعت أعداد الصحفيين المحتجزين حول العالم من 326 صحفيًا في العام الماضي إلى 348 هذا العام
في واحد من الأمثلة البارزة على القمع الممنهج ضد الصحفيين في الصين، اختفى لو غوانغ، وهو مصور مستقل ومقيم في الولايات المتحدة كان يعمل في قضايا بيئية واجتماعية في الصين، كما حصل على جوائز من مؤسسة وورلد برس فوتو ومؤسسة ناشيونال جيوغرافيك، في شينجيانغ في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر. وأكدت السلطات الصينية في وقت لاحق خبر الاعتقال لعائلته، لكنها لم تكشف عن مكانه أو سبب احتجازه.
مصر: زنزانة الصحفيين على الخريطة
في مصر أيضًا، يقبع 25 صحفيًا على الأقل في السجون. من أبرزهم محمد إبراهيم، المدون المعروف باسم "محمد أوكسجين" الذي قام بتغطية مخالفات انتخابية وإساءات للشرطة، وهو واحد من أكثر من 40 متهمًا في قضية واحدة متعلقة بنشر أنباء كاذبة، بالإضافة إلى تهمة الانتماء إلى جماعة محظورة. وقد جدد المدعون العامون الأمنيون مرارًا وتكرارًا احتجاز محمد أوكسجين لمدة 15 يومًا قبل المحاكمة منذ اعتقاله في نيسان/ أبريل الماضي.
اقرأ/ي أيضًا: أبرز 4 صحفيين قتلوا خلال الأشهر الأخيرة
تركيا: استمرار اعتقال الصحفيين ورفع سقف القمع
حتى في الوقت الذي كان فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أشد منتقدي المملكة العربية السعودية بسبب مقتل خاشقجي، فقد استمرت حكومته في سجن عدد أكبر من الصحفيين أكثر من"أي بلد آخر على هذا الكوكب" وفق تعبير لجنة حماية الصحفيين، حيث وجدت اللجنة أن 68 صحافيًا على الأقل قد سجنوا بسبب عملهم في تركيا، وهو رقم أقل قليلًا من السنوات السابقة.
يبلغ عدد الصحفيين المتخذين كرهائن حول العالم 60 صحفيًا، بزيادة 11% عن العام الماضي، و يتم احتجازهم في ثلاث دول في الشرق الأوسط، هي: سوريا والعراق واليمن
الصحفيون كرهائن في مناطق الصراع
أما عدد الصحفيين المحتجزين كرهائن حول العالم فهم 60 صحفيًا، بزيادة 11% عن العام الماضي، و يتم احتجازهم في ثلاث دول في الشرق الأوسط، هي: سوريا والعراق واليمن، بينهم ستة صحفيين أجانب. وتذكر منظمة مراسلون بلا حدود أنه "على الرغم من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والتراجع في سوريا، لم تظهر سوى معلومات قليلة حول مصير هؤلاء الرهائن، باستثناء الصحفي الياباني جومبي ياسودا، الذي أطلق سراحه بعد ثلاث سنوات من الأسر في سوريا، بينما لا يزال هناك صحفي أوكراني محتجز في "جمهورية دونيتسك الشعبية"، حيث تتهمه السلطات بالتجسس. كما سجلت منظمة مراسلون بلا حدود ثلاث حالات جديدة من اختفاء الصحفيين في عام 2018 هناك، واثنتين في أمريكا اللاتينية وواحدة في روسيا.
الأخطر على الإطلاق في مجمل التقارير الوارد ذكرها، هو استمرار سياسة الإفلات من العقاب في جرائم قتل واعتقال وتعذيب الصحفيين على مستوى العالم، حيث غالبًا ما يكون الجاني هو السلطة نفسها.
اقرأ/ي أيضًا:
حرية الصحافة لعام 2018.. العداء ضد الصحفيين يزداد عالميًا ويتضاعف عربيًا