تثير عودة البنك الدولي إلى قطاع التعليم في لبنان جدلًا حول جدوى ما سيقدمه. فالكل يعرف أن هذا البنك حين يقدم تمويلًا، يطرح في مقابله شروطًا ما. فهل سيخضع التعليم في لبنان إلى شروط البنك الدولي؟ وما هي هذه الشروط؟، إذ درجت العادة أن تكون "سلة" المنح المقدمة مرتبطة بشكل أو بآخر، بأهداف، يحاول البنك الدولي الوصول إليها. بعضها يتعلق بالأمن ومحاربة الإرهاب وبعضها الآخر، في خلق "منظومة" قيم اقتصادية تصب في مصالح دول كبرى. فهل سيحتكم التعليم اللبناني إلى هذه القواعد؟.
تثير عودة البنك الدولي إلى قطاع التعليم لبنانيًا تساؤلات حول جدوى هذه المشاريع وشبهات فساد
في الواقع، يعيش لبنان أزمة تربوية واضحة. ليست جديدة، وبالطبع هي رهينة الصراع الداخلي والطائفي والمحاصصاتي القائم، ويرتهن التعليم إلى "نظام" يفيد القطاع الخاص، ويضعف التعليم الرسمي. وهنا تكمن خطورة هذا التمويل ومشروعيته. فهو لكونه يعمل على دعم المدارس الرسمية، فهو ضمنيًا يسعى إلى بلورة سياسة تربوية قد تكون "مشبوهة". لا سيما أن التمويل أيضًا له مصدر أكثر شبهة. فالوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، لها حصة من هذه الهبة.
اقرأ/ي أيضًا: 6 اختصاصات جدد في "اللبنانية": توجه نحو سوق العمل
وحين نقول هبة في أحد بلدان العالم الثالث، يعني بالتأكيد أنها هبة متعلقة بحزمة قواعد وارتباطات. ولا يخفى على أحد دور هذه الوكالة، منذ عملها في لبنان، وخصوصًا في القطاع التعليمي، وقيامها بفرض شروط أثارت عدة تساؤلات. وأحد هذه المبادرات، المنح التي تقدمها لطلاب الثانوية فور دخولهم الجامعات. يوقّع الطلاب المقبولون على العقد مع الوكالة، ومرفقاته للاستفادة من المنحة. وغالبًا لا يطّلع هؤلاء على الأحكام التي يوقّعون عليها، وليس لديهم حق تعديلها أو التحفّظ على بعضها. وبالطبع هم لا يستشيرون خبيرًا قانونيًا قبل التوقيع عليها.
في الواقع، لا يهتم طالب المنحة بكل التفاصيل، كل ما يهمه الفوز بالمنحة نفسها، التي تؤمن له دفع مصاريف دراسته الجامعية كاملة، وتأمين السكن والكتب الدراسية والتأمين الصحي، إضافة إلى مصروف شهري بقيمة 500 دولار على مدى 11 شهراً في السنة، وعلى مدى سنوات الدراسة. لكن في النهاية، تشير بعض بنود هذه المنح إلى نقاط مثيرة، قد تؤدي إلى تقييد الطلاب الجامعيين وتهييئهم ليكونوا بمثابة مخبرين أو مساهمين في خطط الخارجية الأمريكية.
وبالعودة الى البنك الدولي، فإن هذا المشروع يطرح أبعادًا كثيرة ويثير الشبهات وطبعًا الشهية، لمنتفعين من المشروع. فمشروع البنك الدولي السابق الذي سميّ بـ "الإنماء التربوي" بجزءيه الأول والثاني، لم يحقق أي تقدم. ما عدا ملء جيوب المنتفعين بمئات ملايين الدولارات، التي صرفت في المشروع. خصوصًا أن لبنان، يعاني من تداعيات أزماته السياسية والاقتصادية، ويصيب مؤسساته التربوية الفساد والتراجع.
وفي مؤتمر صحافي، أعلن في بيروت، عن هبة بقيمة 3 ملايين دولار لتمويل برنامج تحليل شمولي للنظام التربوي، بالشراكة مع إدارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة (UKaid) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة التربية. وهكذا فُتح النقاش سريعًا: هل ستصرف هذه الأموال في مكانها، وتعطي النتائج المطلوبة؟.
اقرأ/ي أيضًا: في لبنان.. من ينصف الأساتذة الناجحين؟
يمتدّ المشروع البحثي لفترة سنتين، وترتكز أنشطة المشروع على سبعة محاور: تحليل نظام الإدارة وإجراء استطلاعات في شأن الانطباعات بغية دعم عملية تقييم نظام التعليم الحالي في لبنان، تحليل الاقتصاد السياسي بغية تحديد المعوقات والعوامل الدافعة إلى تغيير السياسات في قطاع التعليم، إجراء مقابلات واجتماعات مركزة مع مقدمي الرعاية والمعلمين ومدراء المدارس لتحديد العوامل المؤثرة في التسرّب المدرسي، تقييم تعلّم الطلاب لوضع ملامح عملية التعليم، استطلاعات في شأن الأهل والمدرّسين بغية مقارنة نتائج تعلم الطلاب في المدارس الخاصة ذات الأقساط المنخفضة والمرتفعة مع مجموعة من المدارس الخاصة المجانية، استطلاعات في شأن الإدارة المدرسيّة والبيئة التعلّمية لدراسة أفضل الممارسات في إدارة المدارس، ملاحظات من صفوف التدريس للربط بين الممارسات في الصف ونتائج تعلّم الطلاب.
يمتد مشروع البنك الدولي الجديد على سنتين وتبلغ قيمته 3 ملايين دولار لتمويل برنامج تحليل شمولي للنظام التربوي اللبناني
وتشير الأرقام إلى وجود 1.1 مليون طالب في التعليم النظامي في لبنان: 50 في المئة في المدارس الخاصة، 34 في المئة في مدارس رسمية، 13 في المئة في مدارس خاصة مجانية و3 في المئة في مدارس تابعة لوكالة "الأونروا". والتحقت نسبة 40 في المئة من الأطفال السوريين في سن الدراسة (ويبلغ عددهم 500 ألف) بنسبة 3 على أربعة في المدارس الرسمية. ويضمّ النظام التربوي، 90 ألف أستاذ/ة نسبة 30 في المئة منهم غير حاصلين على شهادة الإجازة. والسؤال الجليّ: هل سيشترط تمويل الجهات المانحة الخروج بنتائج حقيقية تبنى عليها قرارات ومراسيم وقوانين لإصلاح السياسات في مجال التعليم، وهل هناك فعلاً نية جدية في ذلك وهل سيكون الأمر ممكنًا؟.
يقول نوا يارو، مسؤول قسم التنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، إن "النتائج التي سيخرج بها البرنامج ستعدّل الاستثمارات المستقبلية في محفظة البنك الدولي"، لافتاً إلى أنّ لبنان لم يحقق النتائج المتوقعة من التعليم قياسًا إلى حجم الاستثمارات التي توظف في هذا القطاع". ويشير مدير عام وزارة التربية فادي يرق إلى أن "الخطط يجب أن تنطلق من الواقع بغية تحسين البيئة التربوية، وتعزيز الاستقرار في النظام التربوي، وتغيير السياسات". وستقوم اللجنة التوجيهية في المشروع، وفق يرق، بدور أساسي في الموافقة على الأطر المرجعية، والمخرجات وآليات استثمار الدراسات على أن يساهم المشروع في بلورة منصة خاصة للدراسات التربوية المنشورة وغير المنشورة منذ العام 2000.
وتشدّد مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في لبنان الدكتورة آن باترسون على أن البحوث تساعد على رسم السياسات التربوية ما يعزّز نوعية التعليم، كما تساعد المعلمين والمعلمات على تحسين أدائهم وكفاءاتهم. وتسمح هذه البحوث بمعرفة أثر وجود الطلاب اللاجئين السوريين في النظام التربوي اللبناني، وأسباب التسرّب المدرسي وسبل تعزيز الالتزام الاجتماعي بتطوير عملية التعليم.
الوكالة الأمريكية للتنمية تشير إلى أن مشروعها الجديد في لبنان سيرسم السياسات التربوية ويعزز نوعية التعليم
من جهة أخرى، تجد مديرة مكتب وزارة التنمية الدولية البريطانية في بيروت أماندا ماك لافلن أن "المشروع يساعد الأهل والتلامذة والمدارس والأساتذة على القيام بما هو أفضل لتحسين مستوى التربية في لبنان". وتلفت مديرة الأبحاث والتعلم في "الجامعة الأمريكية في بيروت" الدكتورة كرمى الحسن إلى أنه "لا يوجد في لبنان دراسات في شأن مخرجات التعلم المرتبطة بالتعليم، فيوفّر المشروع المعلومات للباحثين وصانعي القرار بغية تطوير السياسات التربوية".
وتوضّح عميدة كلية التربية في "الجامعة اللبنانية" الدكتورة تيريز الهاشم أن "إجراء الدراسات التربوية لا يهدف إلى إصدار الدراسات فحسب، بل إلى صنع القرار السليم والارتكاز على النتائج لبلورة القوانين والمشاريع التربوية".
اقرأ/ي أيضًا:
6 اختصاصات جدد في "اللبنانية": توجه نحو سوق العمل