الصحافة الإنجليزية تعمل مثل المنفاخ عندما نسمع عن موهبة جديدة سجلت هدفاً في مباراة حتى لو كانت مباراة خيرية. هذه هي عادة الصحافة الإنجليزية الرياضية منذ أن بدأت، خصوصاً وأن لكل ناد تقريباً صحيفة خاصة به تتغنى بلاعبيه.
حتى في بعض الأحيان نخاف أن نقول إن الصحافة الإنجليزية فقط هي "النافخ" الوحيد للاعبي الأندية المحلية الإنجليز، حتى فرق التسويق الخاصة بكل ناد تقوم بعملها لكي تلمع هذا اللاعب على مختلف المنصات، وهذه استراتيجية معروفة.
لكن قبل أن نتحدث عن اللاعبين الذين نرى أنهم مجرد فقاعة نفختها الصحافة الإنجليزية، دعونا نخبركم أولاً عن كيفية تعامل الصحافة الإنجليزية مع المواهب المحلية.
هذا ما تفعله الصحافة الإنجليزية مع كل ناشئ
دورة اللاعب الإنجليزي "الموهوب" تبدأ دائماً مع أول ظهور له مع ناديه. إن قام اللاعب بإضافة قيمة لفريقه أثناء المباراة من أهداف، صناعة لهدف، سيطرة على الاستحواذ أو أي نوع من الإحصائيات التي "تنجّم" اللاعب، سنجد هذه الإحصائيات على كل المنصات الإنجليزية بجانب اسم اللاعب و"بيكهام القادم" على سبيل المثال.
تلعب الصحافة الإنجليزية دورًا كبيرًا في تضخيم اللاعبين الإنجليز، وما يلبث أن يتحوّل اللاعب نفسه ضحيّة لذلك
لكن لو لم يضف اللاعب أي قيمة في مباراته الأولى، لا مشكلة. سنرى اسمه وسنه وأنه أول لاعب يلعب خمس دقائق في مباراة كبيرة بعمر "أ" و"ص" يوم، وسنرى جملة "لا زال هناك وقتٌ ليصنع التاريخ".
تمر الأيام ونرى اسم اللاعب في تشكيلة المنتخب الإنجليزي بعد خمس أعوام مع ملصق "مستقبل إنجلترا في خير". دائماً تضع الصحافة الضغط على اللاعب لكي تراه دقائقً أكثر في الملعب، ثم يتم استدعاءه للمنتخب وكأنه خط حافلة.
الأمر لا يقف عند الصحافة، بل حتى عند منصات التواصل الخاصة بالنادي الذي يأتي منه. عندما ظهر جيسي لينجارد في 2016 على سبيل المثال، بدأت الصحافة تلقبه بـ "ديفيد بيكهام" القادم، ناهيك أن بيكهام نفسه كان لاعباً منفوخاً من نفس الصحافة، لكن.. أليست خطوة مبكرة قليلاً؟
لا يقف الموضوع عند لينجارد أيضاً. الفكرة كلها أن معظم اللاعبين الذين يتم نفخهم بهذا الشكل هم لاعبون لهم تركيبة محددة. صغار في السن، يعشقون ناديهم ويقبلون شعارهم، لهم حضورهم على منصات التواصل، لهم احتفالات ورقصات خاصة بهم، ودائماً ما يستغلون المباريات الكبيرة لأخذ بعض اللقطات تحت شعار "الجرينتا" وما شابهها من أشياء، وهذا ما تحبه الصحافة، لهذا السبب أحبت الصحافة هؤلاء اللاعبين الذين سنذكرهم اليوم، مع العلم أن جميعهم يلعبون حتى الآن بشكلٍ منتظم.
ديلي آلي - بيشكتاش التركي
ديلي آلي الذي دفعت به الصحافة في 2015 ليس آلي الذي نعرفه. خريج أكاديمية ميلتون كينز دونز الذي كان هناك صراعٌ بين توتنهام وبايرن ميونيخ على خدماته، صار عبئاً على نادي بيشكتاش التركي، لكن ما الذي حدث؟
ديلي آلي كان محظوظاً لسببين، الأول أنه إنجليزي صغير والثاني أنه لم يكن يتحمل مسؤولياتٍ كثيرة في موسم "انفجاره". الموسم المعني هو 2016-2017، والذي حقق فيه 22 هدفاً في جميع المسابقات التي دخلها النادي.
بعدها بدأ التحول في طريقة اللعب للتركيز على الأجنحة وتوصيل الكرة لهاري كين لرفع معدلات التهديف عوضاً عن التركيز بشكلٍ أساسي على اللعب في منتصف الملعب، الذي كان يحمله إيريكسن على كتفيه، مما أثر مباشرةً على آلي في أرقامه التي ظلت تهبط حتى وصول مورينهو. مورينهو، الذي أراد أن يرفع من مستوى ديلي آلي، وجد أن اللاعب لا يريد تحمل أي مسؤولياتٍ أخرى عدا الوقوف في الربع الثالث من الملعب.
مع ذهاب إيريكسن الذي كان نقطة التحول في نصف ملعب السبيرز، بدأ مستوى ديلي آلي في أخذ منحنى أسوأ بكثير بسبب تقاعسه ومشاكله الشخصية في التدريب، وكل هذا جعله يخرج من النادي الذي وقف أمام الجميع للظفر بخدماته.
ذهب إلى إيفرتون ولم يحقق أي شيء، وذهب في النهاية إلى بيشكتاش التركي الذي أقر مدربه بأن آلي "أقل من المتوقع من ناحية الكفاءة". هذا واضحٌ كل الوضوح بالهدفين اليتيمين اللذان سجلهم اللاعب في الدوري منذ بدايته، وهذه المرحلة من مسيرته غريبة أن تكون في عمر الـ 26.
جيسي لينغارد - نوتنغهام فورست الإنجليزي
يبقى جيسي لينغارد أحد ألغاز كرة القدم الإنجليزية غير المفهومة. لينجارد كانت تنطبق عليه الكثير من المواصفات التي تجعله محبوباً من الجماهير، قبل أن تدخل الصحافة بمنفاخ الإنجليز الخاص بها.
لينغارد هو اللاعب صاحب الاحتفالات اللطيفة، اللاعب الذي ترى له صوراً في أكاديمية مانشستر في الماضي، الفتى الذي يحرز ويصنع الأهداف في مرحلة مبكرة من مسيرته، والذي يقبّل شعار النادي بعد كل مساهمة له.
هنا كانت لعنة لينغارد. بدأ الاهتمام به يزداد مع مرور الوقت وبدأت الأعين تحيط به حتى ظهر أن مستواه هو مستوى لاعبٌ متوسط. لاعبٌ يمكن أن يجلس على مقعد الاحتياط لنادٍ كبير أو يلعب في فرق منتصف الجدول أساسياً.
ظهر هذا بشكلٍ واضح لأول مرة في موسم 2019-2020 بعد أن أمن مستقبله بعقدٍ يمتد لأربعة أعوام في الموسم الذي سبقه. ظهر في 40 مباراة ومساهماته كانت أربع أهداف فقط لا غير، وهذا غير كافٍ للاعب في أكثر الأندية الإنجليزية تتويجاً بالدوري الإنجليزي، خصوصاً وإن كان يلعب دور الهجوم في خط الوسط أو دور الجناح.
نفاه سولشاير ونفاه راجناريك، الذي وعده بالحصول على مكانٍ في الفريق الأول إن حافظ على مستواه، حتى وصل به الحال إلى مغادرة النادي على سبيل الإعارة إلى ويست هام في يناير، وقدم لهم نصف موسم ممتاز بالنسبة لمستوياته السابقة بتسعة أهداف في ستة أشهر.
لكن الأسوأ لم يأت بعد، وهذا لأن اليونايتد رفض بيعه لويست هام الذي كان يهدد النادي في المنافسة على المركز الرابع وتركه محبوساً في صفوف النادي حتى ينتهي عقده، وقد كان. ذهب جيسي لنوتنغهام فورست كشبح، ويجلس هناك كشبحٍ سينتهي عقده قريباً وفي الأغلب سيكون حراً في نهاية الموسم. موهبة كانت ستأخذ وقتها إن لم يتدخل قلم أحدهم.
جاك جريليش - مانشستر سيتي
قصة الشعر الإنجليزية، الحذاء المتهالك، قصة الصعود من الدرجة الثانية واللعب في مركزٍ لا تجد فيه الكثير من اللاعبين. هذه هي التركيبة التي تحبها الصحافة الإنجليزية التي تغنت في جريليش الذي قدم موسماً مذهلاً وقتها.
الموسم المعني بالحديث هو موسم 2020-2021 الذي كان الموسم الذي سطع فيه نجم جريليش في سماء الدوري الإنجليزي بعد أن صنع 12 هدفاً وسجل سبعة لأستون فيلا. كان الموسم الثاني لجاكي في الدوري الإنجليزي، والصحافة لم ترد وقتها أن تدفع به إلا في موسمه الثاني كي لا تكرر المشكلة.
لكن الضحية الوحيدة لهذه النفخة كان مانشستر سيتي. "اللاعب الأمهر في إنجلترا" و"ديفيد بيكهام القادم بقوة" ذهب للسيتي بـ 100 مليون يورو. جاك لم ينفخ نفسه بنفسه، لكن الصحافة وناديه ساهموا في هذا بشكلٍ كبير.
آستون فيلا استغل مانشستر سيتي الذي كان يحتاج لاعب في هذا المكان. لاعب يستطيع أن يقدم عائد جيد للنادي باسمه الذي يسطع في سماء الكرة الإنجليزية، جناح له مساهماتٌ قوية مع فريقه، إنجليزي وله خبرة في الكرة الإنجليزية ولن يحتاج الوقت للتأقلم على الدوري الممتاز.
محصلة الـ 100 مليون يورو؟ تسع أهداف وعشر صناعات حتى الآن في عامين. رقم كان يستطيع أن يسجله في موسمٍ واحدٍ مع الفيلا. خمسة ملايين مقابل المساهمة الواحدة في عامين، صفقة!
هاري ماغواير - مانشستر يونايتد
هناك لاعبٌ يعرف أن مستواه متوسط فلا يتحدث كثيراً، وهناك لاعبٌ يحاول أن يجاري الصحافة التي تتغنى فيه كل يوم في المطابع الإنجليزية. هاري هو المثال الأول.
وصل هاري ماجواير إلى ليستر سيتي في عام 2017 ليشارك في موسم 2017-2018. لم يكن اللاعب الذي تحب الصحافة أن تركز معه، صفقة رخيصة وقادمة من نادٍ هبط لتوه للدرجة الثانية وكانت بالنسبة لهم من صفقات التصفية.
لكن مع نهاية موسم 2018-2019، بدأ نجم هاري ماجواير في السطوع. يمكن أن نقول إنه لاعبٌ محظوظ لأنه استطاع أن يلعب بجانب مورجان أو هوث في دفاع ليستر سيتي، ثنائي مخضرم فاز بالدوري الإنجليزي غير المتوقع للثعالب.
ما الذي جعل الصحافة تركز مع هاري؟ أنه كان أفضل لاعب وقتها في ليستر الذي لم يتوقع أحد منه الكثير، إنجليزي، ذو بنية ضخمة تذكر الجميع بمدافعين رأيناهم في الماضي مثل فيرديناند وكامبيل وله بعض اللقطات التي تظهر وكأنه قائدٌ يتم صنعه.
إذاً؟ هو أفضل مدافع إنجليزي. لا، هو أفضل مدافع في الدوري الإنجليزي. رسمت الصورة وتتبعها مانشستر يونايتد الذي كان بحاجة ماسة لمدافع، وكالعادة، يظهر الصنديد الإنجليزي المتمرس في الدوري الذي طلب ناديه فيه 87 مليون يورو ووفى اليونايتد بهذا الطلب.
لا توجد حاجة للزعم بأن هاري ماجواير ليس أفضل مدافع في إنجلترا الآن. الجميع يستطيع مشاهدة اليوتيوب الذي يثبت أن هاري يفتقر لأهم ما يجب أن يكون عند مدافع من الطراز الأول، وهو إمكانية مسح الملعب وتوقع حركة المهاجمين. لكن على الأقل، هاري يعرف أنه ليس الأفضل ولا يلجأ للصحافة للزعم بأنه يستحق ما هو أفضل.
جوردان هيندرسون - ليفربول
هيندرسون قد يكون أحد أعمدة ليفربول. الكابتن الإنجليزي ذو الشخصية القوية الذي يرفع الروح المعنوية للفريق. الإنجليزي الذي يمكنه أن يحمل شارة القيادة لشخصيته، وفي الواقع، لشخصيته فقط لا غير.
هيندرسون ليس اللاعب الهداف وليس اللاعب المهاري. هيندرسون هو لاعب منتصف الملعب الذي تعطيه الكرة ليمررها لليمين أو اليسار وشكراً. لاعب عند النظر إليه منذ خمس أعوام لا تفكر في إمكانية فوزه بكل بطولة كقائد لليفربول.
الكل يعرف هذا، لكن جوردان له قصة أخرى تختلف عن كل الأسماء التي طرحناها لأنه نفخ في وقتٍ لاحق في مسيرته الكروية، وخاصة بعد خسارة ليفربول أمام ريال مدريد في نهائي 2018.
عمل اللاعب على نفسه، ودوره في نقل اللعب صار أكثر تأثيراً وصار له جانبٌ دفاعي أفضل من ذي قبل، ولكنه ليس الأفضل أيضاً في الدوري الإنجليزي. كان محظوظاً لقيادته فريق مليء بالمواهب القوية في آنٍ واحد، وهذا ما مكن الفريق من الفوز بكل هذه البطولات.
لكن بما أن نادٍ إنجليزي فاز بدوري الأبطال، وبعدها بعام فاز بالدوري الإنجليزي، فيجب تلميع القائد الإنجليزي الذي يقوده. جوردان هيندرسون كان هذا الشخص التي تغنت فيه الصحافة وأشادت به وكأنه اللاعب الذي فعل كل شيءٍ بمفرده، في حين أن هيندرسون يمكن أن تستبدله بأي لاعب من نفس المستوى ولا تشعر بالفارق إلا في غرفة تغيير الملابس.
هذا ظهر في أخر موسمين. موسمان لم تشعر فيهما بأن هيندرسون يقدم أي شيء يذكر. بالعكس، صارت قراراته داخل الملعب غريبة في بعض الأحيان. تحرك غريب بالكرة ناحية نصف ملعب الليفر بدون تحريك للهجمات، تعطيل هجمات بقراراتٍ غريبة وخمول شديد في جزئية الدفاع أيضاً. حتى الآن لا يعرف أحد كيف فاز بجائزة أفضل لاعب يوماً ما على حساب كيفن دي بروين، لكنه إنجليزي.